إذا كان المجتمع المصري قد شهد تغييرات اجتماعية واقتصادية أدت إلى بروز ظواهر كالعنوسة والزواج العرفي وعودة الخاطبة العصرية من جديد، فهل تقتصر هذه الظواهر على المجتمعات الحضرية فقط أم أنها امتدت لتشمل المجتمعات الريفية كذلك؟
سؤال شغل ذهني وحاولت أن أبحث له عن إجابة، فتوجهت إلى أقرب قرية صادفتني وهي قرية شبرامنت بمحافظة الجيزة، وهناك التقيت أول ما التقيت بالحاج نادي الذي لم يكد يعرف بغيتنا حتى أصر على اصطحابنا إلى داره.
وفي دار الحاج نادي وجدنا الجميع في الانتظار: الزوجة والأولاد والإخوة وحتى أبناء العمومة، وبعد التعارف مع الحضور وتقديم واجب الضيافة، سألت الحاج نادي عما يحدث عادة إذا ما تقدم شاب لخطبة ابنته. فقال لي إن الدور الأساسي في عملية الزواج تلعبه المرأة. فنساء العائلة هن اللاتي يقمن بالسؤال والتحري عن أصل العريس وأخلاقه وسلوكه وإمكانياته المادية ثم يتم إحالة الأمر إلى الرجال لإتمام المراسم الرسمية.
وكأن اجابته قد أعطت إشارة البدء بالحديث لنساء العائلة فقالت إحداهن إن الشاب هو الذي يختار الفتاة وليس العكس، فما على الفتاة سوى أن تعرب عن موافقتها أو رفضها إذا سألها أبوها عن رأيها.
شباب القرى لا يتزوجون من فتيات المدن
وعندما سألت إن كانت هذه العادات هي المتبعة كذلك إذا ما قرر أحد الشباب الزواج من فتاة من المدينة، ردت أم وليد شقيقة الحاج نادي بالقول إن شباب القرية لا يتزوجون من بنات الحضر وعللت ذلك بأن أخلاق فتيات المدينة وسلوكياتها لا تتفق مع العيش في القرية، ففتيات القرية اللاتي يدرسن بالمدارس والجامعات لا يعملن على الإطلاق أو يعملن كمدرسات داخل القرية، وهن مع ذلك يقمن بدورهن كربات منزل ويتحملن العمل الشاق في الدار أو الحقل وهو ما لا تقدر عليه فتيات المدينة.
وأكدت لي نساء عائلة الحاج نادي إن الفتيات في القرية يتزوجن في سن مبكرة نسبياً فلا وجود للعنوسة بينهن لأن هناك نوعاً من التكافل الاجتماعي داخل القرية فالجميع يتعاون ويتساهل من أجل إتمام الزواج، وليس هناك مجال للمطالب المبالغ فيها فالقاعدة هي : كل على قدر سعته.
هذا لا يعني أن الزواج في القرية غير مكلف لكن مهارة النساء تظهر جلياً في هذه المواقف فكل سيدة تبدأ بتجهيز بناتها وهن صغيرات استعداداً لهذه المناسبة. وترى أم نبيل أن عادات الزواج لم يطرأ عليها جديد سوى النزوع لشراء واقتناء الحديث من الأدوات والأجهزة المنزلية والأثاث مواكبة لتطورات العصر.
طقوس الزواج في الريف
أما طقوس الزواج فهي تبدأ قبل أسبوع من ليلة الزفاف حيث يتم تجهيز وفرش بيت الزوجية ودعوة أهل القرية لحضور ليلة الحنة وهي مناسبة تتلقى فيها أسرة العروس المجاملات من باقي عائلات القرية والتي عادة ما تكون في شكل نقود وسبق لأهل العروس مجاملة وفود المهنئين بها في أعراس سابقة. وبالنسبة لحفل الزفاف فالعادة هي أن يختار الأهل ساحة خالية داخل القرية تصلح لإقامة العرس على أن تتسع لجميع الحضور.
وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من شباب وفتيات القرية يدرسون في الجامعات إلا أنه يبدو أن مفهوم الزواج العرفي لديهم مختلف تمام الاختلاف. حيث قالت النساء إنهن يعرفن الزواج العرفي من المسلسلات التليفزيونية فقط، وإن الزواج السري يندر وجوده في القرية إذ يقتصر على نفر قليل من الفقراء الذين يزوجون بناتهم لرجال من دول الخليج يكونون عادة من كبار السن.
وتقول أم محمد (إحدى السيدات) إنها تفضل تزويج ابنتها من رجل فقير ما أهل القرية على أن تزوجها لرجل غني كبير في السن، فتعير بها."
وسواء أنالت رياح التغيير والتطور من عادات القرية أم لم تنل، فيبدو أن أهل القرية راضون عن عيشتهم ولا يبغون عنها بديلاً.