أدب المريد مع
شيخه :
وقد عنى بهذه الآداب كغيره من العارفين
لأن رضا الشيخ عن مريده له أعظم الأثر فى ملاحظته والإشراف على تربيته فإذا تحلى
المريد بحلل الآداب المناسبة مع شيخه يفوز بما يقول فيه :((
رباه بألطف شراب وسقاه من ماء التربية ماء النفع بملاحظة
باطن السر المعنوى والفعل المرضى المضى ، فما أسعد من حسن أدبه مع مربيه فانه يفلح
نجحا وصلحا وينفلق له من الدجنة صبحا ، وهذه طريقة القوم المحققين المخلصين
الصادقين المتميزين الواصلين المجتهدين الطالبين الراغبين المرضينورضوا عنه لمن خشى ربه ))
بل إنه حذر من لم يتأدب مع الصالحين عامة
ومع شيخه خاصة ويبين أثر ذلك فيقول :((
قلة معرفة أخلاق القوم من الحرمان ، لأن خرق
سياج الأدب معهم يؤدى إلى العطب ، والباب مفتوح ما أغلق إلا أن القوم واقفون بباب
الله ، والجواب منادمات فى الغيب بالغيب ))
ولما كانت الآداب التى
يُطلب من المريد أن يتأدب بها مع شيخه كثيرة جدا فقد جمع d ما لا غنى للمريد عنه فى الأدب
مع شيخه فى قوله رضى الله عنه : ((
المريد مع
شيخه على صورة الميت ، لا حركة له ولا كلام ولا يقدر أن يتحدث بين يديه إلا بإذنه
، ويكون منطويا تحت أوامره ، ولا يعمل شيئا إلا بإذن من زواج أو سفر أو خروج أو
دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة فى الزاوية أو غير
ذلك ، وهكذا كانت طريقة السلف والخلف مع أشياخهم
هكذا سلوك الأدب والتواضع وقلة المخالفة ، فإن الشيخ هو والد السر ويجب على
الولد عدم العقوق لوالده ، ولا نعرف للعقوق ضابطا نضبطه به ، إنما الأمر عام فى
سائر الأحوال ، وما جعلوه إلا كالميت بين يدى الغاسل ، فعليك يا ولدى بطاعة والدك
وقدمه على والد الجسم فإن والد السر أنفع من والد الظهر لأنه يأخذ الولد قطعة من
حديد جامد فيسبكه ويذيبه ويقطره ويلقى عليه من سر الصنعة سرا فيجعله ذهبا
إبريزا ، فاسمع ياولدى تنتفح ، وكثير من
الفقراء صحبوا أشياخهم حتى ماتوا ولم ينتفعوا ، لعدم الأدب وبعضهم مُقتوا ......
آه من صدود الرجال ومن صحبة الأضداد ومن سماع المريد للمحال )).
وينبغى أن يحافظ المريد مع
شيخه بصفه خاصة على ما يلى :ـ قوة
الرابطة بينه وبين شيخه يقول الدسوقى:((
مادمت أنا
أنا وأنت أنت ، فلا محبة إنما المحبة ممازجة الأرواح بالأجساد )) فإذا صحت
الرابطة وهام المريد فى محبة شيخه حتى فني فيه أثمرت هذه الحقائق التي يخبر عنها
العارف الدسوقى حيث يقول :ـ
((
يا أولادي ،
إن صح عهدكم معى فأنا معكم قريب وأنا فى ذهنكم وفى سمعكم وطرفكم وجميع حواسكم
الظاهرة والباطنة ، وان لم يصح لكم معى عهد فلا تشهدون معى سوى البعد ، وإذا كنت
لا أرضى اللعب لأحد من خلق الله ، فكيف أرضاه لولد قلبى؟ فإن أخذتم يا أولادى عهدى
، وعملتم بوصيتى ، وسمعتم كلامى ، ولو كان أحدكم بالمشرق وأنا بالمغرب ورأيتم
شخصى ، فمهما ورد عليكم من مشكلات سركم أو
شيء تستخيرون فيه ربكم ، أو عرض لكم أحد بأذى فوجهوا وجهكم ، وصفوا سركم وأطبقوا
عين حسكم وافتحوا عين قلبكم ، فإنكم ترونى جهارا ، وتستشيروني في جميع أموركم
وتطلبوا منى حوائجكم ، فمهما قلته لكم فاقبلوه وامتثلوه ، وهذا ليس خاصا بى ، بل
بكل شيخ صدقتم فى محبته ، وقد يعلم ذلك شيخكم وقد لا يعلم هكذا جرت سنة أولياء
الله مع مريديهم ))
ـ الصبر
فى صحبة الشيخ:، وفى ذلك يقول الدسوقى:((
يا أولادى
إذا صحبتم غيرى من بعدى فاصبروا على جفاه ، فإنه ربما امتحنكم ليريد بكم الخير ،
وأن يجعلكم محلا لأسراره ، ويرقيكم بذلك إلى معرفة ربكم ، فمن اشتغل قلبه بمحبة
شيخة ترقى إلى محبة الله ،
ولولا أن الشيخ سلما لتربية المريد لمقت الله كل قلب وجد فيه محبة لسواه ))
ـ التسليم
والطاعة:لأن المريد إذا لم يعمل بقول شيخه لم يحصل له الشفاء ولذلك
يقول العارف الدسوقى:((
رأس مال
المريد المحبة والتسليم وإلقاء عصا المعاندة والمخالفة والسكون تحت مراد شيخه
وأمره ، فإذا كان المريد كل يوم فى زيادة محبة وتسليم ، سلم من القطع ، فإن عوارض
الطريق وعقبات الالتفات والارادات هي التي تقطع عن الإمداد وتحجب عن الوصول))
ـ الدعوة بعد الإذن:فينبغى للمريد أن لا يتصدر فى طريق القوم أو يقوم بتربية
غيره إلا بعد إذن من شيخه لأن شيخه لا يأذن له إلا إذا تأكد بنور بصيرته خلاصه من
حظوظه النفسية وشهواته الدنية وفى ذلك يقول الدسوقى :
))
يجب على المريد ألا يتكلم قط إلا بدستور شيخه إن كان
جسمه حاضراً ، وإن كان غائبا يستأذنه بالقلب ، وذلك حتى يترقى إلى الوصول إلى هذا
المقام فى حق ربه فإن الشيخ إذا رآه هكذا رقاه إلى الأدب مع الله
، ورباه بلطيف الشراب ، وسقاه من ماء التربية ، وياشقاوة من أساء))
وهكذا نجد أن هذا الحكم يسري على جميع حركات المريد وسكناته
فلا يفعل شيئا إلا بعد مشورة شيخه من زواج أو سفر أو عزلة أو اشتغال بعلم أو ذكر
أو أوراد وفى ذلك يقول :((
لا تفيد الخلوة للمريد إلا إن كانت بإشارة شيخه وإلا فضررها أكثر من نفعها)).
ومن أعظم ما قيل فى آداب المريد مع أستاذه ما قاله قاضى
القضاة ناصر الدين محمد بن عبد الدايم الأنصارى الشاذلى :أخلص ودادك صدقا فى محبتهوالزم ثرى
بابه واعكف بناديه
واستغرق العمر فى آداب صحبتهوحصل الدر
والياقوت من فيه
وابذل قواك وبادر فى أوامـــــرهإلي
الوفاق وبالغ فى مراضــــــيه
واحذر بجهدك أن تأتى ولو خطأمالا يجب
وباعد عن مناهـــــــــيه
وكن محب محبيه وناصرهــــــــــــــــــــــــموالزم
عداوة من أضحى يعاديه
وأعلم يقينا بأن الله ناصــــــــــــــــــرهإن لم تك
ناصرا فالله يكفــــــــــــــــيه
إلى أن قال t :واترك مرادك واســــــــتسلم له أبداو كن كميت
سهلا فى أياديه
أعدم وجودك لا تشــــــــــــهد له أثراودعـــــــــــــــــــــــــــــــه
يهدمــــــــــــــــــــــــه طورا و يبنيه
متى رأيتك شـــيئاً كنت
محتجبابرؤية الشــــــــــــــــيء
عما أنت ناويه
ولا ترى أبــــــــــــــدا عنه غنى فمتىرأيت عنه
غنى يخشـــــــــــى تناسيه
إن اعــــــــــتقادك إن لم تأت غايتهفيه فيوشـــــــــــــــــــــك
أن تخفى مباديه
وغاية الأمــــــــــر فيه أن تراه علىنهج
الكمال وان الله هـــــــــــــــــــــاديه
وليس ينفع قطب الوقت ذا خللفى
الاعتقاد ولا من لا يــــــــــــواليه
إلا إذا سبقت للعبد ســـــــــــــــــــــــــابقةيعود من
بعد هــــــــــــــــذا من مواليه
فنظرة منه إن صحت إليه علىســـــــــــــــــــــــــــــبيل
ود بإذن الله تغنيه