Admin مدير عام
الاوسمة : عدد المساهمات : 2969 نقاط : 60309 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 23/06/2010 الموقع : https://sllam.yoo7.com/
| موضوع: تحويل القبلة وتحرير الإرادة الخميس 14 يوليو - 18:27 | |
| 2011
في شهر شعبان يتجدد الحديث عن تحويل القبلة، وتتكرَّر معالجة هذا الحديث المهم في حياةِ الإسلام والمسلمين كما يتكرَّر استخلاص الدروس والعبر من ذلك، وما أكثرها في هذه المواسم!.
ونحن نؤكد هذه المعاني، ونحب أن يعيش المسلمون جميعًا في كل أماكنهم هذه الذكريات، ولكننا نحب في نفس الوقت أن يكون ذلك كله مدخلاً لتغيير أحوال المسلمين إلى الأفضل والأحسن، وأن يتلمسوا السبيل للخروج من المأزق والأزمة التي يعيشونها وفق خطة وبرامج تعيدهم إلى تحقيق أمالهم في الوحدة والعزة والكرامة التي تخلَّت عنهم يوم تخلَّوا هم- طواعيةً واختيارًا أو ضعفًا وإجبارًا- عن مصدر هذه الوحدة والعزة والكرامة؛ وذلك كله قد تم على مدار فترات طويلة من الزمن على النسق الآتي:
1- مرحلة الصعود والتفوق الحضاري والالتزام بالمنهج في كل مناحي الحياة، وهذه شغلت قرونًا عديدة.
2- ثم مرحلة الانحراف الجزئي عن القيام بأوامر الإسلام ومنهجه والاستجابة لشواغل الدنيا وزينتها والتخفف رويدًا رويدًا من كثيرٍ من الالتزامات الفردية والجماعية تجاه الدين والدعوة.
3- ثم مرحلة الاستضعاف والإعجاب بالخصوم وتقليد الأعداء في بعض مظاهر الحياة.
4- ثم الانهزام العسكري أمام جحافل الاستعمار، وبدأت هذه المرحلة بعدما أخرج المسلمون من الأندلس، وبدأت بعد ذلك اجتياحات جيوش أوروبا لكل بلاد المسلمين.
5- وعاش المسلمون مرحلةً طويلةً في حالة قهر وانكسار؛ يستعمل معهم الغزاة الجدد تغيير الهوية المتمثلة في أمور التشريع والتعليم والقيم والعادات، وكل ما يتصل بالثقافة والأخلاق والسلوك؛ بحيث تنسلخ الأمة الإسلامية من هويتها وسمات شخصيتها المميزة لها.
- لكل ما تقدَّم من أمور نقول إن الأمة بحاجةٍ إلى عودة حميدة إلى دينها ومصدر عزتها، والسبب الحقيقي لنهضتها؛ وذلك وفق قانون رباني وسنة لا تتخلف ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).
- ونشير هنا إلى حادث تحويل القبلة ثم نتبعه بالحديث عن تحرير الإرادة:
* فمن المعلوم أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام من الأحداث التي لها أثر كبير في تاريخ الأمة الإسلامية، ويستفاد منها الدروس والعبر في الماضي والحاضر والمستقبل.
* ولقد خاض القرآن الكريم معركةً مع خصوم الإسلام متعددة الجوانب، فواجه الدسائس والفتن والألاعيب والبلبلة والكذب التي كان يفتعلها اليهود في المدينة، ثم معركة أخرى متمثلة في بناء الأمة على التصور الجديد الذي جاء به الإسلام وتقوم عليه حياة الأمة المستخلفة التي يقوم عليها مهمة إنقاذ الدنيا كلها بقيم الإسلام ومنهجه.
* ويستفاد من الروايات التي وردت في حادث تحويل القبلة أن المسلمين في مكة كانوا يتوجَّهون إلى الكعبة منذ فرضت الصلاة وأنهم بعد الهجرة وُجِّهوا إلى بيت المقدس بأمرٍ إلهي للرسول- صلى الله عليه وسلم- ثم جاء الأمر القرآني الأخير: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ (البقرة: من الآية 144).
وكان ذلك سببًا في اتخاذ اليهود إياه ذريعة للاستكبار عن الدخول في الإسلام؛ إذ أطلقوا في المدينة ألسنتهم بالقول بأن اتجاه محمد- صلى الله عليه وسلم- ومن معه إلى قبلتهم في الصلاة دليلٌ على أن دينهم هو الدين وقبلتهم هي القبلة، وأنهم هم الأصل؛ فأولى بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ومَن معه أن يفيئوا إلى دينهم لا أن يدعوهم إلى الدخول في الإسلام!!.
* وكان أمر التحويل شاقًّا على المسلمين من العرب الذين ألفوا في الجاهلية أن يعظِّموا حرمة البيت الحرام وأن يجعلوه كعبتهم وقبلتهم، وزاد الأمر مشقة ما كانوا يسمعونه من اليهود في التبجُّح بهذا الأمر واتخاذه حجة لهم.
* حتى بعد نزول أمر التحويل ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ (البقرة: من الآية 144) انطلقت أبواق اليهود - كما هي عادتهم - باستثمار الحدث لصالحهم، وألقوا في صفوف المسلمين وقلوبهم - كما يذكر صاحب الظلال رحمه الله - بذور الشك والقلق في قيادتهم وفي أساس عقيدتهم، والقصة معروفة لمَن يُطالعها في كتب التفسير.
* وحسبنا هنا أن نشير إلى حكمة تحويل القبلة:
- فالاختصاص والتميز ضروريان للمجتمع المسلم في كل أحواله وظروفه وزمانه، ولا يعني ذلك التعصب والتمسك بمجرد الشكليات، إنما يعد ذلك ضرورةً لازمةً فيها من العمق والغوص في حقائق الأشياء ما يتجاوز الشكليات والمظهر؛ وذلك ما يتماشى مع توجيهات الرسول- صلى الله عليه وسلم- في آثار صحيحة ومتعددة:
- "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم".
- "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم؛ يعظم بعضها بعضًا ".
- "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم.. إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله ".
إلى غير ذلك من المواقف والآثار التي تجعل لأمة المسلمين سمات خاصة وشخصية متميزة.
* وقد نهى الإسلام عن الهزيمة الداخلية أو النفسية أمام قوم آخرين في الأرض؛ فهذه الهزيمة تجاه مجتمعٍ معين أو ثقافة وحضارة معينة هي التي تتدسس في النفس لتقلد هذا المجتمع المعين، ولا ينبغي ذلك لمجتمع المسلمين؛ وهم في وضع القيادة، هكذا ربَّاهم الإسلام، فمن أين يستمدون تقاليدهم وعاداتهم؟ ومنْ يتبعون؟
* والتميز الذي يريده لنا الإسلام لا يصدر عن استكبارٍ أو استعلاء ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ القصص: 83 ، ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ الحج: 41.
* والعولمة التي يدعو إليها الغرب في حقيقتها تصدر عن رغبةٍ أكيدة تنتهي بكل الحضارات والثقافات، وعلى رأسها حضارة ودين الإسلام.. أقول تنتهي إلى زوال هذه الهويات بحيث يتوحد العالم كله تحت قيادة الغرب وتوجيهات الغرب، ولا يبقى هناك إلا حضارة الغرب المتمثلة في أمريكا وأوروبا، ومعلومٌ أن هذه الحضارة الغربية هي حضارة المتع والشهوات، وليس في حسبانهم أمور الآخرة والجنة والنار والحساب والعقاب.
فهي تقوم على أسس تتناقض مع الإسلام، والعولمة تعني أول ما تعني- كما عبَّر عن ذلك بعض الكتاب - أن يمسك رأس الحضارة الغربية (سواء بوش أو غيره) زرًّا يضغط عليه فيرقص الناس جميعًا، أو يلهون أو يغنون، أو يترنحون سكارى أو يعبثون، كما يشكلون عقلهم وثقافتهم ليكونوا عبيدًا لهذه الحضارة.
* والدرس المستفاد من حادث تحويل القبلة، بل وأهم درس هو (تحرير الإرادة)، وهذا ما استهدفه الإسلام يوم تحوَّلت القبلة، فأُتبع ذلك توًّا ومباشرةً بتحرير إرادة أمة الإسلام وتحديد معالم شخصيتها، وأن هذه الأمة لا تتبع شرقًا ولا غربًا، إنما لها في الماضي والحاضر شخصيتها المتميزة التي تتأبى على الاندماج في غيرها والذوبان في حضارة أخرى أو دين أو طقوس وقيم وموازين مخالفة.
* ولا تتم عناصر الشخصية المتفردة للمسلمين إلا بعودتهم إلى دينهم عودًا حميدًا، وإقامة شرع الإسلام واقعًا حيًّا في حياتهم، والعمل على إقامة الكيان الإسلامي في كل بلاد المسلمين الذي يعمل على إيقاظهم من غفوتهم التي طال وقتها، ولا يعني ذلك أننا لا نقبل كل المستجدات على ساحة الحضارة العالمية، بل العكس هو الصحيح؛ فالإسلام يرحِّب بكل جديد في عالم الأشياء والماديات والعلوم، وبما لا يصادم ثوابت ديننا وأصول عقيدتنا.
والإسلام بهذا التصور ووفق هذا المبدأ يعطي نموذجًا بارزًا في الحضارة الحقيقية التي سادت الدنيا قرونًا وقرونًا، وكانت نموذجًا يُحتَذى تجمع بين الدنيا والآخرة، وتصلح الدنيا بالدين، ولا تصادم العلم وقوانينه الثابتة.
المهم أن تتحرَّر إرادة المسلمين ولا يكون قرارهم إلا صدًى لدينهم وتصورهم في إصلاح هذه الحياة، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.
| | |
|