يرقى العبد بأن يتخلص من علمه ليعود إلى العبودية الصرفة التي لا حول له فيها ولا طول ولا قوة ...
هنا تكون الجذبة .. يصير فيها العارف مجذوباً ..
ويمكن ألا يعود من هذه الجذبة .. ويمكن أن يعود لمراد الله في الخلق ....
هذا هو سيدي علي البيومي ..
عالم ثم عارف ثم مجذوب مشاهد لأنوار الحقيقة هناك حيث صار العلم عيناً ، والعين كشفاً
والكشف شهوداً ، والشهود وجوداً ، وصار الكلام خرساً ، والحياة موتاً ، وانقطعت العبارات
وانمحت الإشارات ، وانمحقت الخصومات ، وتم الفناء وصح البقاء ، وزال التعب والعناء
وطاح الماء والطين ، وبقى من لم يزل كما لم يزل ، حين لا حين .. فاستولى نوره على ظاهره ...
ثم هو العائد من الجذبة إلى الخلق ليقول فيهم حُسناً لهذا تجمع الخلق حوله أو بالأحرى حول أنواره ...
فكان سلطان الموحدين راسخ العلم الناظر إلى السموات العلا ....
ولد سيدي علي البيومي بقرية "" بيّوم ""
كما قال علي مبارك في الخطط التوفيقية وهي إحدى القرى التابعة لمنية غمر ( ميت غمر حاليا )
التابعة لمحافظة الدقهلية ... بدلتا مصر .
أما عن نسبه ( كما يقول الجبرتي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار) :
فهو الإمام الولي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل
الشيخ علي ابن حجازي بـن محمـد البيومي الشافعي الخلوتي ثم الأحمدي
ولد تقريبًا سنة 1108 حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر دروس الأشياخ
وسمع الحديث والمسلسلات على عمر بن عبد السلام التطاوني
وتلقـن الخلوتيـة من السيد حسين الدمرداش العادلي
وسلك بها مدة ثم أخذ طريق الأحمدية عن جماعـة ثم حصل له جذب
ومالت إليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم. وانجذبت إليه الأرواح
ومشى كثير من الخلق على طريقته وأذكاره وصار له أتبـاع ومريـدون
وكـان يسكـن الحسينيـة ويعقـد حلـق الذكـر فـي مسجـد الظاهـر خـارج الحسينيـة
وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكـان ذا واردات وفيوضـات وأحوالـه غريبـة. أ . هـ
ونلاحظ أن سيدي علي البيومي كان خلوتياً ثم أحمدياً نسبة إلى سيدي أحمد البدوي قدس الله سره ....
ورغم أنه كان أحمدياً إلا أنه صار صاحب طريقة مستقلة وأتباع ومريدين وأوراد ..
والتي سميت من بعده بالطريقة البيومية ....
وهذا ما يرشدنا إلى إكتمال هذا الولي المحمدي ..
ولمّا ضاق المقام بسيدي علي البيومي بقريته "" بيوم "" لكثرة أتباعة ومريديه
انتقل إلى حي "" الحسينية "" بالقاهرة والذي مازال مقامه الشريف هناك ومسجده ..
وحي الحسينية احد اشهر الاحياء الشعبية فى القاهرة ومن اقدمها
وهو حى له تاريخ ليس فى العمارة فقط ولكن فى السير الشعبية وفى الثورات والشجاعة
فالحسينية عرف بحى الفتوات "" فتوات الحسينية ""
ومن ابرز منشآت الحسينية جامع الظاهر بيبرس ومدرسة خليل اغا
ومصنع الطرابيش " الذى اصبح الان مجرد ذكرى بعد الغاء لبس الطربوش مع بداية ثورة 1952 "
يشارك سيدي علي البيومي في هذا الحي من الأولياء الصالحين
سيدي على البنهاوى بمقامه الكريم هناك ...
.
ولما استطاب المقام لسيدي علي البيومي بحي الحسينية اجتمع الناس حوله لكلامه العال في التصوف
فكان إذا تكلم أفصح في البيان وأبهر الأعيان وكان يلبس قميصًا أبيض وطاقية بيضـاء
ويعتـم عليهـا بقطعـة شملـة حمراء ( وهذا اللباس موروث أحمدي بدوي )
لا يزيد على ذلك شتاء ولا صيفًا وكان لا يخرج من بيته إلا في كل أسبوع مرة
لزيارة المشهد الحسيني وهو على بغلة وأتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر
وربما جلس شهورًا لا يجتمع بأحد من الناس.
وكانت كرامات ظاهرة.
وكـان يعقـد حلـق الذكـر فـي مسجـد الظاهـر خـارج الحسينيـة
وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكـان ذا واردات وفيوضـات وأحوال عالية .
و كـان يعقـد الذكـر بالمشهـد الحسينـي فـي كـل يـوم ثلاثـاء
ويأتـي بجماعتـه علـى الصفة المذكورة ويذكرون فـي الصحـن إلـى الضحـوة الكبـرى ...
غير أن عين ظاهر الشريعة وكما أنكرت على إخوانه من أولياء الله الصالحين أنكرت عليه
فاعترضه العلماء وأنكروا ما يحصل من التلوث في الجامع من أقدام جماعته
إذ غالبهم كانوا يأتـون حفـاة ويرفعـون أصواتهـم بالشـدة وكـاد أن يتـم لهـم منعـه .
فانبرى لهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الأزهر حينها وكان شديد الحب في المجاذيب
وانتصر له وقـال للباشـا والأمـراء: هـذا الرجـل مـن كبـار العلمـاء والأولياء فلا ينبغي التعرض له.
وحينئذ أمره الشيـخ الشبراوي بـأن يعقـد درسـًا بالجامـع الأزهـر
فقـرأ فـي الطيبرسيـة الأربعين النووية وحضره غالب العلماء
وقـر لـه مـا بهـر عقولهـم فسكتـوا عنـه وخمـدت نـار الفتنـة.
هنا وجب علينا أن نبين بعضا مما ألف سيدي علي البيومي العالم العارف المجذوب المتحقق فقد ألفَّ :
1. شـرح الجامـع الصغيـر
2. شـرح الحكم لابن عطاء الله السكندري
3. شرح الإنسان الكامل للجيلي
4. له مؤلف في طريق القوم خصوصًا في طريق الخلوتية الدمرداشية ألفه سنة 1144
5. وشرح الأربعين النووية
6. رسالـة فـي الحـدود
7. شـرح علـى الصيغـة الأحمديـة
8. شـرح علـى الصيغـة المطلسمـة للشيخ الأكبر
9. رسالة في خواص الأسماء الإدريسية
10. رسالة في تلقين الأسماء السبعة
11. المنتخب النفيس في الفقه على المذاهب الأربعة
12. شرح حكم أبي مدين المغربي
13. شرح الأسماء السهروردية
14. رسالة غريق النور
15. النور الساطع في الاسم الجامع
16. رسالة التنزيه المطلق
وغيرها من المؤلفات العظيمة التي لا يتسع المقام لسردها
بل أننا ذكرنا ما ذكرنا لنعرف أي ولي نطوف بأنواره ...
ومن كراماته ( ما ذكر الجبرتي )أنه كان يتوّب العصاة من قطاع الطريق ويردهم عن حالهم
فيصيرون مريدين له وذا سمعته من الثقات ومنهم من صار من السالكين
وكان تارة يربطهم بسلسلة عظيمة من حديد في عمدان مسجد الظاهر
وتارة بالشوق في رقبتهم يؤدبهم بما يقتضيه رأيه.
وكان إذا ركب ساروا خلفه بالأسلحة والعصي وكانت عليه مهابة الملوك
وإذا ورد المشهد الحسيني يغلب عليه الوجد في الذكر حتى يصير كالوحش النافر في غاية القوة
فإذا جلس بعد الذكر تراه في غاية الضعف.
ولما كان بمصر مصطفى باشا مال إليه واعتقده وزاره
فقال له: إنك ستطلب إلى الصدارة في الوقت الفلاني فكان كما قال له الشيخ.
فلما ولي الصـدارة بعـث إلـى مصـر وبنى له المسجد المعروف به بالحسينية وسبيلًا وكتابًا وقمة
وبداخلها مدفن للشيخ علي على يد الأمير عثمان أغا وكيل دار السعادة
ولمـا مـات خرجـوا بجنازتـه وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم
ودفن بالقبر الذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور ...
رحم الله سيدي علي البيومي وجعلنا ممن هم على هديه ورفقائه في الآخرة ...
نقتبس من أنوار لطائف أولياء ورثوا النور المحمدي ظاهرا وباطنا كلٌ على سعته ...