المنهج النقشبندي
لا
فرق بين الشريعة والطريقة ولكن الصوفي ينقطع للذكر والفكر فيصفو قلبه،
يزيد إيمانه فيكون عين اليقين فيطبق الشريعة بقلب ممتلئ الإيمان. ومن انحرف
عن الشريعة برأت منه الطريقة. وبعد هذه المقدمة آن لنا أن نعرف:
1 ـ ما هو المنهج النقشبندي للوصول إلى قمم الآمال الروحية؟
2 ـ كيف بدأت النقشبندية؟ وسلسلة رجالها رحمهم الله.
3 ـ متى سميت هذه الطريقة بالنقشبندية؟ ولماذا؟
نشير أولاً إلى أقوال لمشايخ التصوف قبل الشروع في الإجابة المفصلة:
*
قال الشيخ عبد الله الدهلوي المتوفى في (1240)هـ: إن ثمرة هذه الطريقة
"النقشبندية" هي الحضور الدائم في حضرة الحق تعالى وترسيخ العقيدة
الإسلامية عقيدة أهل السنة والجماعة وإتباع سنة النبي الكريم (صلى الله
عليه وسلم).
*
وفي كتاب الحديقة الندية للشيخ محمد بن سلمان البغدادي يروى أن الشيخ محمد
مراد الأزبكى قال: "إن الطريقة النقشبندية طريقة الصحابة الكرام باقية على
أصلها، لم يزيدوا ولم ينقصوا وهي عبارة عن دوام العبودية ظاهرا وباطنا
بكمال الالتزام بالسنة والعزيمة وتمام اجتناب البدعة والرخصة في جميع
الحركات والسكنات من عادات ومعاملات مع دوام الحضور مع الله تعالى على طريق
الذهول والاستهلاك"
* ونقل
في نفس المصدر عن أبن حجر الهيتمي 909 ـ 974 هـ "الطريقة العلية السالمة
من كدورات جهلة الصوفية هي الطريقة النقشبندية" قال مقدم كتاب القدسية:
التصوف النقشبندي إتباع السنة وهو معتدل و وسط وأساسه تطبيق الشريعة وتجنب
البدع.
* ويقول
أيضاً: إن اعتدال السلوك النقشبندي وما فيه من إتباع الشريعة، ويسر
الطريقة كان السبب في شيوع هذه الطريقة لاسيما بين علماء الدين فقلب الصوفي
النقشبندي لله، وجسمه للناس. والحقيقة أن المشايخ الذين وصفوا هذه الطريقة
مجمعون على أنها إتباع للشريعة أولا، والدوام على الذكر والفكر والعبودية
والإخلاص والإيثار ونكران الذات ثانيا، وبالنسبة لجواب السؤال الأول نقول:
جاء في كتاب إيضاح الطريق: إن النقشبنديين لهم ثلاث طرق للوصول إلى قمة
المراد:
1ـ الدوام على الذكر.
2ـ المراقبة.
3ـ طاعة المرشد.
لا بد من القول أن الخطوة الأولى هي التوبة أي الإقلاع عن كل عمل سيء بشكل بات.
وتطبيق تعاليم القرآن والسنة النبوية.
1 ـ الدوام على الذكر
وللذكر صورتان:
ـ ذكر "الله" ويعني ذكر الذات أو ذكر الجلالة.
ـ ذكر "لا اله إلا الله" ويعني النفي والإثبات.
ومن المعلوم أن الذكر عند النقشبندية ذكر خفي بالقلب.
أ ـ ذكر الله:
من آدابه:
أن يكون الذاكر متوضئا وفي مكان طاهر هادئ مستقبلا للقبلة.
فيدعوه
سبحانه لحفظه من وسوسة الشيطان والنفس ثم يستغفر الله. ويتذكر مرشده إن
كان له مرشد. وبعد ذلك يبدأ بالذكر بقلبه. ولكن الذاكر يمكنه ذلك بكل صورة
وفي أي وقت قال تعالى "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً
وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ" آل عمران.
ومن آداب الذكر الصوفي النقشبندي:في
البدء يلصق المريد لسانه بعرش فمه لمنعه من الحركة. ثم تذكر "الله" قلبيا.
والقلب من لطائف الباطن وليس المراد به اللحم الصنوبري ولكنه تحت الثدي
الأيسر قليلا ويتأمل عظمة "الله" لا شكل كتابة اسم "الله" "ليس كمثله شيء"
فيؤمن أن الله موصوف بجميع صفات الكمال ومنزه عن كل نقص.
ولى الذاكر
أن يكون دائم الذكر ليلا ونهارا ودون حركة من اللسان والبدن حتى يبدأ قلبه
بالذكر، ويشعر هو به. ثم يتوجه إلى روحه التي في الجانب الآخر من الصدر
تحت الثدي الأيمن بإصبعين. فيذكر الله به حتى يصبح الروح ذاكرا أيضاً، ثم
يتوجه إلى لطيفة السر التي تقع فوق الثدي الأيسر بإصبعين مائلا إلى الصدر
ثم إلى لطيفة الخفي الذي يقع وسط الصدر فيبدأ بالذكر.
وحين تبدأ
لطائفة بالذكر تصبح كل لطيفة مصباحا مضيئا بنور خاص وتبدأ لطيفة النفس
بالذكر وهي في الجبين وهي من عالم الخلق واللطائف الأخرى من عالم الأمر وهي
لطائف معنوية يحس بها السالكون وحدهم وقد ذكرت سابقا. وبعد ذلك يبدأ
دور"القالب" البدن المؤلف من العناصر إذ تبدأ كل ذرة في جسده بالذكر ويحس
به السالك نفسه.
*
وقال الملا حامد البيساراني وهو احد علماء التصوف من النقشبنديين: منهم من
يذكر الله في يوم واحد خمسة وعشرين ألف مرة واقلهم يذكر خمسة الآف مرة.
وأتضح مما سبق أنهم وضعوا خمس مراحل لذكر اللطائف التي في عالم الأمر
ومرحلتين للطائف عالم الخلق.
إذا للذكر سبع خطوات: وهذا معنى ما
قاله الإمام الرباني "إن طريقتنا سبع خطوات" وقال بعضهم كناية: "الطريقة
خطوتان" خطوة في عالم الأمر، و خطوة في عالم الخلق. وأن الدوام على الذكر
يجعل اللطائف السبع وكل ذرة في الجسم تذكر "الله". وفي هذه الحال يشعر
المريد بالراحة واللطافة في قلبه ووجدانه.
وتقال لهذه الحالة "سلطان
الأذكار" أو "سلطان الذكر" وقد يصل إلى حالة يحس فيها الذاكر بعد مواظبته
على الذكر أن العالم كله يذكر "الله" بل يسمع ذكر "الله" من كل ذرة في
الكون وهذا الذكر يسمى ذكر "ماسوى". ويعني أن كل مخلوق يذكر الله سبحانه.
وهذه من لطائف الطريقة الجليلة. وقد أشار إليها الشيخ عمر ضياء الدين قدس
سره حين قال في إحدى قصائده الصوفية "اللطائف جميعها غارقة في ذكر الله".
ولابد
من توضيح أن هذه الحالة هي ألف باء التصوف ومقدمته وهي من حالات التزكية
أي تطهير اللطائف، وليست من حالات فناء اللطائف. ولكل لطيفة حالة فناء
خاصة. وبعد فناء الكل يأتي البقاء وفي هذه المدة يطلع السالك على أسرار
عجيبة ويمنح من ربه مواهب معنوية.
اللطائف
تتحول إلى مصابيح مشرقة بالنور حين تبدأ بالذكر ويقولون: إن نور كل لطيفة
تحت قدم واحد من الرسل والأنبياء أولي العزم وكل سالك يفتح له بسبب احد هذه
اللطائف. فيكون له شبه بالخلق المعنوي لذلك النبي.
وهي علاقة معروفة
لدى العارفين، حتى أنهم يدركون هذه العلاقة بعد موت أصحابها في قبورهم.
فهذا خلقه محمدي و ذلك عيسوي ومن أدرك هذه الأمور بعين البصيرة كيف يتسلل
الشك إلى إيمانه؟
- لطيفة القلب تحت قدم آدم ولون نوره اصفر.
- لطيفة الروح تحت قدم نبيين هما نوح وإبراهيم واللون احمر.
- لطيفة السر تحت قدم موسى واللون ابيض.
- لطيفة الخفي تحت قدم عيسى واللون اسود.
ولا تناقض بين النور ولون السواد فقد يكون السواد أجمل شيء كلون العين والحاجبين مثلا.
- ولطيفة الأخفى ولونها اخضر تحت
قدم حضرة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم). فان كان للسالك مرشد فانه
ينتقل بمريده من لطيفة إلى أخرى وان تم نور اللطيفة تلألأ هذا النور في وجه
المريد فيحس به هو ومرشد.
واللطائف
مثلها مثل الحواس وهي في عالم المادة واللطائف من عالم الباطن وبعد تزكية
لطائف عالم الأمر تبدأ تزكية النفس، وهي من عالم الخلق وليس لها لون كالماء
يتلون بما يدخل فيه وتزكيتها صعبة فهي من عالم الطبيعة وهي في الأساس
أمّارة بالسوء ومنها تخرج كل الرغبات الخبيثة ولكن ذكر الله سبحانه يطهرها
ويروضها.
ويري مشايخ التصوف أن هذا النوع من التزكية يحتاج إلى مرشد
والمقصود بالمرشد العارف العابد الذي لاشك في ولايته واجتيازه هذه
المقامات وهو إنسان بالاسم ولكنه قطعة من نور وملائكي الصنعة ورباني
المسلك، ومن أصحاب المقامات العالية للبقاء بعد الفناء. ومثل هذا الإنسان
لا يتصور منه الخيانة لأمة محمد ولا يعقل أن يكون هدفه من الإرشاد الدرجات
الدنيوية أو المكتسبات المالية.
ومن السهل أن ينقاد المرء لشخص له هذه المواهب والصفات ويجعله أستاذه ومرشده.