ماذا تعرفالطرق الصوفية
هذا بحث وجدته منشورا على موقع دار الإفتاءالمصرية بخصوص الطرق الصوفية
لماذا تفرَّقت الصُّوفية إلى طُرُقٍ متعددة؟ وهل يجوز الدخول في هذه الطرق؟ وما الحكم فيما يفعله المنتسبون إلى هذا الطرق من ممارسات خاطئة؟
الإجابة:
الطرق الصوفية:
الطريقة الصوفية هي المدرسة التي يتم فيها التطهير النفسي والتقويم السُّلوكي للمريد، والشيخ هو القيِّم أو الأستاذ الذي يقوم بذلك مع الطالب أو المريد، وهو الذي يُلَقِّن المريدين الأذكار ويعاونهم على تطهير نفوسهم من الخُبْثِ وشفاء قلوبهم من الأمراض، وهو الذي يرى الأسلوب والمنهج الأمثل الذي يصلح مع هذا المريد من بين مناهج التربية.
والمعلوم أن طريق الله واحد، والخلاف من جهة المريدين، فنضرب مثلا - ولله المثل الأعلى - بالدائرة، فنجد أن أنصاف أقطارها متساوية وكلها توصل إلى المركز، فالله تعالى مقصود الكل، فلذلك يجوز الدخول في أي الطرق التي توصل إلى المقصود، طالما أنها تقوم في أسسها وأصولها وسلوكها وطريقتها في التربية على الكتاب والسنة، وطالما أنها نقية من أي بدع أو مخالفات للشريعة الإسلامية أو اعتقاد أهل السنة والجماعة .
والتصوف باعتباره أحد العلوم الإسلامية، والتي تراعى كلها - خاصة العلوم النقلية - اتصال أسانيدها إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لكل طريقة صوفية أسانيدها التي تصلها بأحد الصحابة ومنهم إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بذاته، وكثيرًا من هذه الطرق ينتهي نسبها وسلسلة رجالها إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، كما أن هناك طرقا أخرى ينتهي نسبها إلى بعض الصحابة كالطريقة البَكْرِيَّة والطريقة النقشبندية التي ينتهي نسبها إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، كما توجد سلاسل أخرى تنتهي إلى سيدنا أنس بن مالك، أو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ([1]).
والعوامل الحضارية والفكرية والعلمية والعملية التي أدت إلى نشوء المذاهب الفقهية، والمذاهب العقدية، هي بعينها التي أدت إلى نشأة الطرق الصوفية، بل الأمر في التصوف ونظرا لطبيعة الحياة الروحية والوجدانية واتساعها وتنوعها يعطى مجالا أوسع لتعدد طرق التربية والسلوك وتهذيب النفس([2]).
وكما أن لكل مذهب من المذاهب الفقهية أصولا تأسست عليها، وتم تخريج فروعها في ضوئها، فالأصول الفقهية لمذهب الإمام الشافعي مثلا مختلفة عن الأصول الفقهية لمذهب الإمام مالك أو الإمام أبى حنيفة أو الإمام أحمد رضي الله عنهم مع كون جميع أصول هذه المذاهب - على اختلافها - مبنية على أساس من الشريعة، لكن كل إمام اختار مجموعة من الأصول الفقهية بنَى عليه مذهبه بناء محكما مطردا لا اضطراب فيه، فكذلك الطرق الصوفية الكبرى اختار كل منها مجموعة من الأصول السلوكية التي ترجع في أساسها إلى الشريعة الإسلامية، وبنَى عليها طريقا محددا للسلوك يجرى عليه السالك باطراد حتى يتحقق بدرجة الإحسان دون أن يضطرب سلوكه أو يتردد، نظرا لكثرة أبواب الطاعات والعبادات التي وردت عن الشارع الحكيم مراعاة لتعدد استعدادات البشر، فبعض الطرق تبني سلوكها على الذكر الجهري، وبعضها على الذكر السري، وبعضها على الذكر القلبي، ويهتم بعض الطرق بالخلوة ويعتبرها أحد أسس الطريق والسلوك، وبعضها يقدم الجلوة والخلطة بالناس على الخلوة والانقطاع عنهم، وبكل ورد من السنة الشريفة ما يؤيده .
كما أن أصحاب المذاهب لم يقصدوا في الأساس إلا الاجتهاد، مثلهم مثل غيرهم من المجتهدين، ولم يروموا بالأصالة إلى تكوين مذهب له أتباع ومقلدون، وإنما تكوّن ذلك شيئا فشيئا نتاجا لما لاقته مذاهبهم من نجاح وتوفيق، ونتاجا للتراكم العلمي والمعرفي، بحيث تحول الاجتهاد الفردي لمؤسس المذهب - وعبر القرون - إلى مدرسة فقهية متكاملة لها أصولها ورموزها ومصادرها ومراجعها .
فكذلك الحال بالنسبة للطرق الصوفية، إنما كان غرضُ مؤسيسها - الذين تنسب إليهم - تربيةَ مريديهم غير قاصدين لتأسيس طريقة بالمعنى المتعارف عليه، ولِمَا صادفته أساليبهم وطرقهم في التربية من نجاح وانتشار وقبول في أوساط المسلمين تطورت - مثلما تطورت المذاهب الفقهية - من مجرد اجتهاد فردي في أسلوب التربية على يد مؤسس الطريقة إلى مدرسة سلوكية متكاملة لها أصولها وأسسها ورموزها وأذكارها وأورادها .
وبقدر ما تتسم به المذاهب الفقهية الأربعة المتبعة من عمق وأصالة في التأصيل والتفريع والتخريج، بحيث يبدو كل مذهب كصرح ضخم محكم البنيان، فكذلك تتسم الطرق الصوفية السُّنِّية الكبرى الأصيلة أيضا بذات العمق والأصالة وإحكام البنيان، ويصبح معه من السذاجة بمكان أن يتخيل غير المطلع والمتخصص أن المذهب الفقهي مجرد مجموعة من الأحكام والفروع الفقهية، أو أن الطريق الصوفي مجرد شعارات وأوراد، كما يصبح معه أيضا اختزال هذه الطرق التربوية العميقة على أيدي بعض أتباعها إلى مجرد طقوس شكلية واحتفالات هو خروج عما أراده مؤسسو هذه الطرق ورجالها العظام من القرب من الله تعالى([3]) .
على أنه مهما تعددت الطرق الصوفية فالمعيار في القبول والرد هو مدى التزام هذه الطريقة أو تلك بالكتاب والسنة والفهم والعلم الصحيحين والعمل الصادق بهما، فحيث وجد هذا جاز العمل بذلك، وحيث فقد لم يجز عن المذهب الصوفى [الإسلام]
منقول