Admin مدير عام
الاوسمة : عدد المساهمات : 2969 نقاط : 60279 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 23/06/2010 الموقع : https://sllam.yoo7.com/
| موضوع: سلسلة السيرة النبوية الشريفة: العالم قبل البعثة (1) الخميس 17 يناير - 17:17 | |
| بسم الله الرحمن الرحيماللهم اهدني وسددني وثبتنيالعالم قبل البعثة (1) الخطبة الأولى:الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أحاط بكل شيء علماً، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله أعلى الناس منزلة وأعظمهم قدراً, وأسماهم ذكراً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإن من اتقى الله وقاه، وجعل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً.في هذه الأيام كثر الأدعياء، وازدحم الإعلام بشخصيات علاها التزييف والتخريف، وتملكها الزهق والرهق، فخرجوا للناس على أنهم مصلحون، وبثياب الإصلاح يتقمصون، وبدثاره يلتحفون، والحق أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.يرون أنهم أصلح من يقود الأمة إلى بر الأمان، وهم لم يتطهروا من لوثة العصرنة المقيتة، والارتماء في أحضان الغرب الرخيص، والتقلب الممقوت، والتلون الغريب، كيف يكون مثل هؤلاء قدوة للأمة، وحماة لمناهجها وثوابتها، وهم يعملون فيها بالنخر، وفي مناهجها بالدس.أيها المسلمون: عند التأمل في واقعنا المعاصر، ما هو أهم شيء يحتاجه الناس في هذه الواقع المرير؟ فوجدت أنهم ينقصهم أمر أعظم، وهذا الأمر هو سنة كونية وشرعية، ألا وهو وجود القدوة، ووجود رمز صحيح ترجع إليه الأمة جمعاء، وتأخذ منه التوجيه والإرشاد، والنصح والبيان.عباد الله: إننا بحاجة ماسة لوجود قدوة صالحة للإقتداء، وأسوة واضحة المعالم، بارزة الأعلام، لا يمكن لها التَغَيْرُ والتَّبَدُل، والتحول والتردد، بل ثابتةٌ بتثبيت الله لها، وحارسةٌ برعاية الله تعالى.وعند التأمل فيمن يمكن أن تجتمع فيه صفة القدوة المثالي، والرجل الرمز للأمة، فتيقنت أنه لا يمكن بحال أن تجتمع صفات الكمال في شخص يمكن أن يكون رمزاً للأمة، إلا أن يكون هذا الإنسانُ له تأييدٌ رباني، ورعايةٌ إلهية، ومعيةٌ رحمانية.عباد الله: إن مسألة القدوة والإقتداء، والأسوة والإئتساء ليست شعاراً يرفع، بل حقيقة يجب أن ترفع وتتبع، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ] أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [[الأنعام:90]؛ فقوله - عز وجل -:]فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[ أمر منه يستلزم وجوب الاتباع والإقتداء.قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - أي اقتد واتبع وإذا كان هذا أمراً للرسول - صلى الله عليه وسلم - فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به) تفسير ابن كثير (2/208).عباد الله: وبعد هذا العرض السريع يظهر لكل ذو بصر وبصيرة، وعقل وحقيقة، أنه لا يصلح للإتباع المطلق، والاقتداء العام إلا رسولنا رسول الأنام عليه الصلاة والسلام.أيها الناس: لقد علق الله رضاه برضا رسوله، ومحبتهُ بمحبة رسوله، بل علق اللهُ دخولَ الجنة بطاعته - صلى الله عليه وسلم - ، قال عليه الصلاة والسلام:« كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى »؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟! قَالَ:« مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى » أخرجه البخاري(6851) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.أيها المصلون: لأهمية هذا الموضوع في حياتنا اليوم، فسأبدأ معكم بسلسلة السيرة النبوية الشريفة، نستلهم منها العبرَ والعظات، والأحكامَ والتوجيهات، والمواعظَ والنفحات.أيها الناس: إن دراسة السيرة النبوية، والوقوف عند أحداثها، وأخذ العظة والعبرة، والحِكَمِ والأحكام، وإتباع الأثر والاقتداء، له من أساس ديننا القويم، وشريعتنا الغراء.وفي هذا اليوم المعطاء سيكون انطلاقة حديثنا عن السيرة الغراء، سيرة سيد ولد عدنان، والمصطفى من بين الأنام عليه الصلاة والسلام، وسيكون حديثنا على ثلاث مراحل:المرحلة الأولى: العالم قبل البعثة.المرحلة الثانية: النبي في مكة من المولد إلى الهجرة.المرحلة الثالثة: النبي بعد الهجرة إلى لحوقه بالرفيق الأعلى. أيها المسلمون: حديثنا اليوم عن المرحلة الأولى: العالم قبل البعثة.كانت شبهُ الجزيرة العربية محصورةً بين دولتين كبيرتين هما دولة الفرس ودولة الروم، وكانت هاتان الدولتان تتحكمان في العالم في ذلك العصر الجاهلي، وكانتا على جانب كبير من الرقي والمدنية، ولكن فيهما فساد كبير من الناحيتين الدينيةوالاجتماعية.فبلاد الفرس: كانت تنتشر فيها المجوسية وهي عبادة النار، وهم يقولون: إن الذي يتحكم في العالم إلهان: إله الخير وإله الشر، وقد انقسموا إلى مذاهب مختلفة، ولكل مذهبٍ أنصارٌ يعادون ويناوئون أنصارَ المذهب الآخر.وبلاد الروم: كانت تنتشر فيها المسيحية، وقد انقسم المسيحيون إلى طوائف، وكلُ طائفة تناهض الأخرى وتعاديها، فكان منهم من يقول: إن عيسى ليس له جسد ولكنه طيف يتبدى للناس، ومنهم من يقول: إن فيه ناحيتين: ناحية إلهية وناحية إنسانية، ومنهم من كان يعبد مريم، وقد سبب هذا الخلاف الديني بلاءً كبيرًا وشرًا مستطيراً.وأما من الناحية الاجتماعية:فقد كان الناس في بلاد الفرس والروم طبقتين:أولاهما: طبقة الحكام والرؤساء وهمعدد قليل ضئيل.وثانيتهما: طبقة المحكومين المرؤوسين وهم الغالبية العظمى والكثرة الساحقة، وكانت الأغلبية المحكومة تقاسي الجور والظلم والسحق من الأقلية الحاكمة، إذ كانوا يُرْهقونَ بالضرائب الفادحة، ويُعَامَلونَ معاملة العبيد، أو بعبارة أخرى كانوا يزرعون ويكدحون والرؤساء والحكام يحصدون ويتمتعون، وكانت نتيجة ذلك أن تطلع الشعبفي بلاد الفرس والروم إلى الخلاص من هذا الظلم والطغيان، وإلى تحقيق الحرية والإخاءوالمساواة.أما ما كان بين تلك الحضارتين: فقد كانت الحرب بين الفرس والروم سجالًا، فأحياناً ينتصر الفرس وينتزعون جزءًا من أملاك الروم، وأحيانا ينتصر الروم فينتزعون جزءًا من أملاك الفرس، وقد كانت آخر تلك الحروب هي التي أشار الله إليها في قوله تعالى:] الم{1} غُلِبَتِ الرُّومُ{2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ{3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[[الروم:1-6].وقد صدق الله وعده بعد ذلك بنصر المؤمنين، فانتصر الإسلام وانتشر في بلاد الفرس والروم، وعم نوره العالمين.وأمَّا الحال في أوروبا: فقد عاشت-قبل الإسلام وحتى الفتح الإسلامي - في صراعات وحروب مستمرَّة، وكانوا أبعد مايكونوا عن النظافة والأخلاق؛ ومن ذلك أنهم كانوا لا يَسْتَحِمُّونَ إلاَّ مَرَّةًفي العام، كما انتشر بينهم الظلم والاضطهاد، وكان بعضهم يَحْرِقون الإنسان بعدموته، ويأتون بنسائه فيقتلونهن ويدفنونهن معه.وأمَّا الهند: فقدبرزت فيها ثلاث ظواهر رئيسة هي: كثرة المعبودات والآلهة، فهم يعبدون أيَّ شيء منالكواكب إلى المعادن والحيوانات، ولا يزالون حتى اليوم يعبدون البقر، كما ظهرتلديهم الشهوة الجنسيَّة الجامحة، وكذلك النظام الطبقي الجائر، فقد قسموا المجتمعأربع طبقات: طبقة البراهمة وهم الكهنة والحكام، وطبقة شترى وهم رجال الحرب، وطبقةويش: وهم التجار والزرَّاع، وطبقة شودر: وهم المنبوذون الذين هم أحطُّ من البهائموأذلُّ من الكلاب، كما كان من صنيعهم أنهم يَحْرِقُون الزوجة مع زوجها عندما يموت ويدفنونها معه، وإلاَّ فستبقى أَمَةً في البيت لتُصْبِحَ عُرْضَةً للإهانات والتجريح كلَّ يومإلى أن تموت.أما اليهود: فكانوا متركِّزين بالشَّأم في ذلك الوقت، ولميكن هناك أحد من الناس يحبُّ معاشرتهم؛ فهم في لحظات الضعف يُبْدُونَ الخنوعوالنفاق والوقيعة والكذب، وفي لحظات القوَّة يُبْدُونَ التَّجَبُّر والظلموالوحشيَّة والربِّا، وكانوا على عداء دائم مع النصارى منذ زعموا أنهم قتلوا المسيح - عليه السلام -، وكان تواجدهم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شمال المدينة، وكانوا مُمْسِكِينَ بتلابيب التجارة وخاصَّة تجارة السلاح، وكانوا حريصين على نشر الخلاف بين القبائل، ولميتجمَّعوا مع غيرهم إلا على محاربة المسلمين فيما بعد.وإذا جئنا إلى الحال في مصر: فقد كانت خاضعة للاحتلال الروماني الذي حَوَّلهَا إلى مخزنِ غلالٍ يَمُدُّالإمبراطوريَّة الرومانيَّة بالغذاء، وقد فُرض على المصريين ضرائب كثيرة، وعانت مصر في عهدهم تخلُّفًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وعلميًّا كبيرًا، بل كان الرومان يُعذِّبون مَن يختلف عنهم من المصريين في المعتَقَد الديني المذهبي، وإن كان الجميعتحت مِظَلَّة النصرانيَّة الأرثوذكسيَّة.أما العرب، وما أدراك مالعرب - عباد الله - فبعد أن كانوا على الحنيفية السمحة، ملة إبراهيم - عليه السلام - الذي بنى الكعبة، وكانوا ذريته من بعده ومن سكن مكة يعظمون البيت، حتى أدخل عليهم رجل منهم عبادة الحجر والصنم والوثن، فضربوا أعظم الأمثلة في التخلف والسفه، فقد كانوا يعبدون الأصنام من دون الله الرحمن، ويقدمون لها القرابين، ويسجدون لها، ويتوسلون بها، وهي أحجار لا تضر ولاتنفع، بل كان حول الكعبة ثلاثمئة وستون صنمًا.وكان أولُ من أدخلَ الأصنام إلى جزيرة العرب عمرو بن لُحي الخُزاعيُّ - قبحه الله -، إذ سافر مرة من مكة إلى الشام فرأى أهلَ الشام يعبدون الأصنام، فسألهم قائلاً: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا: نعبدها نستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا. فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنماً فأذهب به إلى بلاد العرب فيعبدوه؟ فأعطوه صنماً يقال له: هُبل، وهو الذي نصبوه حول الكعبة، وبقي حولها إلى يوم الفتح الإسلامي الذي جاء فيه الحق فدكدك رأس هبل على رؤوس الأصنام الأخرى، فطُهِّر البيت الحرام، وطهرت مكة والحرم منها.ومن عجيب أمرهم أن أحدهم كان يشتري تمر من العجوة، ويصنع منها صنمًا، ثم يعبده ويسجد له، ويسأله أن يحجب عنه الشر ويجلب له الخير والنفع، فإذا شعر بالجوع أكل إلهه!! ثم يأخذ كأسًا من الخمر فيعبها ويشربها حتى يفقد وعيه.وفي ذلك الزمان كانت تحدث أشياء غريبة وعجيبة، فالناس يطوفون عراة حول الكعبة، وقد تجردوا من ملابسهم بلا حياء، يصفقون ويصفرون، ويصيحون بلا نظام، وقد وصف الله - عز وجل- صلاتهم بقوله:] وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [[الأنفال:35]؛ وكذا النساء يطفن بالبيت وهن عاريات، حتى إن إحداهن تطوف بعد أن تضع درعًا مفرجًا عليها، وتقول: | |
|