الاحتفال بليلة النصف من شعبان (دار الإفتاء المصرية)
الرقـم المسلسل :- 470
الموضوع : - الاحتفال بليلة النصف من شعبان وغيرها من المناسبات الدينية
تاريخ الإجابة :- 14/01/2006
الســــؤال
اطلعنا على الطلب
المقيد برقم 2335 لسنة 2005م المتضمن :
{1} نقوم منذ أمد بعيد بالاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وذلك باجتماع أهل
القرية شيبة وشبابًا وأطفالاً ونساءً بالمسجد لصلاة المغرب ، وعقب الصلاة
نقوم بقراءة سورة " يس " ثلاث مرات يعقب كل مرة قراءة الدعاء بالصيغ التي
وردت في القرآن الكريم والدعاء للإسلام والمسلمين ، وكنا سابقًا ندعو بدعاء
نصف شعبان المعتاد وذلك بطريقة جماعية وجهرية ، وقد استبدلناه بالدعاء من
القرآن الكريم . فما رأي الدين في الاحتفال بليلة نصف شعبان بهذه الصورة ؟
{2} نقوم بالاحتفال بالمناسبات الدينية المختلفة ، مثل الاحتفال بليلة
القدر ، والإسراء والمعراج ، والمولد النبوي الشريف .. إلخ ، وذلك باجتماع
نخبة من المشايخ والعلماء لإلقاء بعض المحاضرات الدينية لهذه المناسبات ،
مع إقامة بعض المسابقات والابتهالات الدينية ، مع الاستعانة بسماعات خارج
المسجد وداخله وعمل زينات خارج المسجد بالأنوار ، وأحيانا نقوم بتصوير
الحفلة بالفيديو مع عمل جلسة خاصة للسادة العلماء عبارة عن منضدة وكراسي
للجلوس في مواجهة الحاضرين داخل المسجد ، مع توزيع بعض المشروبات والحلويات
، وتكريم حفظة ومحفظي القرآن الكريم وعمال المساجد المجتهدين . فما رأي
الدين أيضا في الاحتفال بهذه الصورة ؟
الـجـــواب
فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
• أولاً : ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة ، ورد في ذكر فضلها عدد كبير من
الأحاديث يعضد بعضها بعضًا ويرفعها إلى درجة الحسن والقوة ، فالاهتمام بها
وإحياؤها من الدين ولا شك فيه ، وهذا بعد صرف النظر عما قد يكون ضعيفًا أو
موضوعًا في فضل هذه الليلة .
ومن الأحاديث الواردة في فضلها :
حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وآله وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ
بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : « يَا
عَائِشَةُ ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ
وَرَسُولُهُ ! » ، فقُلْتُ : وَمَا بِي ذَلِكَ ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ
أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ ، فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا
فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ » رواه الترمذي
وابن ماجه وأحمد .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «
يَطَّلِعُ الله إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ » رواه
الطبراني وصححه ابن حبان .
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
« إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا
وَصُومُوا يَوْمَهَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ
الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : أَلاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ
فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ ؟ أَلاَ مُبْتَلًى
فَأُعَافِيَهُ ؟ أَلاَ كَذَا أَلاَ كَذَا ... ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ »
رواه ابن ماجه .
ولا بأس بقراءة سورة " يس " ثلاث مرات عقب صلاة المغرب جهرًا في جماعة ؛
فإن ذلك داخل في الأمر بإحياء هذه الليلة ، وأمر الذكر على السعة ، وتخصيص
بعض الأمكنة أو الأزمنة ببعض الأعمال الصالحة مع المداومة عليها أمر مشروع
ما لم يعتقد فاعلُ ذلك أنه واجب شرعي يأثم تاركه ؛ فعن عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما قال : « كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْتِي
مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا » متفق عليه ، قال
الحافظ ابن حجر في [ الفتح ] : " وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على
جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك " ا هـ .
وقال الحافظ ابن رجب في [ لطائف المعارف ] : " واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يُستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ولقمان
بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في
المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في
المسجد جماعة : ليس ذلك ببدعة ، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه يُكَرَهُ الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ،
ولا يكره أن يُصلي الرجل فيها بخاصة نفسه ، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل
الشام وفقيههم وعالمهم " ا هـ المراد منه .
وعلى ذلك : فإحياء ليلة النصف من شعبان على الصفة المذكورة أمر مشروع لا
بدعة فيه ولا كراهة ، بشرط أن لا يكون على جهة الإلزام والإيجاب ، فإن كان
على سبيل إلزام الغير وتأثيم من لم يشارك فيه فإنه يصبح بدعة بإيجاب ما لم
يوجبه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا هو المعنى الذي من
اجله كره من كره من السلف إحياء هذه الليلة جماعةً ، فإن انتفى الإيجاب فلا
كراهة .
• ثانيًا : الاحتفال بالمناسبات الدينية المختلفة أمر مرغب فيه ما لم تشتمل
على ما يُنْهَى عنه شرعًا ؛ حيث ورد الشرع الشريف بالأمر بالتذكير بأيام
الله تعالى في قوله عز وجل { وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ }(إبراهيم 5)
، وجاءت السنة الشريفة بذلك ؛ ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كان يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع ويقول : « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ
فِيهِ » ، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ
صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وآله وسلم : « مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟ » ،
فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ ؛ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ
مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ
مُوسَى شُكْرًا ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وآله وسلم : « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ » ،
فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
وعليه : فالاحتفال بالمناسبات الدينية على الصورة المذكورة أمر مشروع لا
كراهة فيه ولا ابتداع ، بل هو من تعظيم شعائر الله تعالى {وَمَن يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوب} (الحج 32) .
والله سبحانه وتعالى أعلم