نجم النت صاحب الموقع
الاوسمة : عدد المساهمات : 205 نقاط : 49963 السٌّمعَة : 3 تاريخ الميلاد : 15/04/1984 تاريخ التسجيل : 11/05/2011 العمر : 40
| موضوع: اعمال شهر شعبان الأحد 1 يوليو - 20:11 | |
| وظائف شهر شعبان وظائف شهر شعبان من كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف للحافظ ابن رجب الحنبلي ويشتمل على مجالس: المجلس الأول في صيامه المجلس الثاني في ذكر نصف شعبان المجلس الثالث: في صيام آخر شعبان المجلس الأول في صيامه خرّج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم الأيام يَسْرُد حتى نقول لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه، وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان. فقلت: يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما؟ قال: أي يومين؟ قلت: يوم الإثنين ويوم الخميس. قال: ذانك يومان تُعْرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم. قلت: ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)). قد تضمن هذا الحديث ذكر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جميع السنة، وصيامه من أيام الأسبوع، وصيامه من شهور السنة، فأما صيامه من السنة فكان يَسْرُد الصومَ أحيانًا والفطرَ أحيانًا، فيصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم. وقد روى ذلك أيضا عائشة وابن عباس وأنس وغيرهم، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم))، وفيهما عن ابن عباس قال: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم إذا صام حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر إذا فطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم))، وفيهما عن أنس أنه سئل عن صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته، ولا مفطرا إلا رأيته، ولا من الليل قائما إلا رأيته، ولا نائما إلا رأيته))، ولمسلم عنه قال: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى يقال: قد صام قد صام، ويفطر حتى يقال: قد أفطر قد أفطر)). وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينكر على من يسرد صوم الدهر ولا يفطر منه ويخبر عن نفسه: أنه لا يفعل ذلك. ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))، وفيهما عن أنس: أن نفرا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فخطب وقال: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) وخرّجه النسائي وزاد فيه: وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر. وفي مسند الإمام أحمد عن رجل من الصحابة قال: ((ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مولاة لبني عبد المطلب أنها قامت الليل وتصوم النهار. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لكني أنا أنام وأصلي وأصوم وأفطر، فمن اقتدى بي فهو مني، ومن رغب عن سنتي فليس مني، إن لكل عمل شرّة وفترة، فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل، ومن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى))، وفي المسند وسنن أبي داود عن عائشة -رضي الله عنها- أن عثمان بن مظعون أراد التبتل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أترغب عن سنتي؟ قال: لا والله ولكن سنتك أريد. قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر وصل ونم)). وقد قال عكرمة وغيره: إن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب والمقداد وسالما مولى أبي حذيفة في جماعة تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل، وصيام النهار، فنزلت فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] . وفي صحيح البخاري أن سلمان زار أبا الدرداء، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد آخى بينهما فرأى أم الدرداء متبذّلة فقال لها: ما شأنك متبذّلة؟ فقالت: إن أخاك أبا الدرداء لا حاجة له في الدنيا، فلما جاء أبو الدرداء قرّب له طعاما، قال له: كل، قال إني صائم. فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سلمان: نم، ثم ذهب ليقوم، فقال له: نم. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فقاما فصليا، فقال سلمان: إن لنفسك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرا ذلك له. فقال: ((صدق سلمان)). وفي رواية في غير الصحيح قال: ((ثكلت سلمان أمه، لقد أشبع من العلم))، وهكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص، لما كان يصوم الدهر فنهاه، وأمره أن يصوم صوم داود، يصوم يوما ويفطر يوما، وقال له: ((لا أفضل من ذلك)). وقد ورد النهي عن صيام الدهر والتشديد فيه، وهذا كله يدل على أن أفضل الصيام ألا يستدام، بل يعاقب بينه وبين الفطر. وهذا هو الصحيح من قول العلماء. وهو مذهب أحمد وغيره، وقيل لعمر: إن فلانا يصوم الدهر، فجعل يقرع رأسه بقناة معه، ويقول: "كل يا دهر كل يا دهر". خرجه عبد الرزاق. الحكمة في النهي عن صيام الدهر وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الحكمة في ذلك من وجوه: منها: قوله -صلى الله عليه وسلم- في صيام الدهر: ((لا صام ولا أفطر)) يعني أنه لا يجد مشقة الصيام، ولا فقد الطعام والشراب والشهوة؛ لأنه صار الصيام له عادة مألوفة، فربما تضرر بتركه، فإذا صام تارة وأفطر أخرى حصل له بالصيام مقصوده بترك هذه الشهوات وفي نفسه داعية إليها، وذلك أفضل من أن يتركها ونفسه لا تتوق إليها. ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم- في حق داود عليه السلام: ((كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى)) يشير إلى أنه كان لا يضعفه صيامه عن ملاقاة عدوه، ومجاهدته في سبيل الله؛ ولهذا روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأصحابه يوم الفتح وكان في رمضان: ((إن هذا يوم قتال فافطروا))، وكان عمر إذا بعث سرية قال لهم: "لا تصوموا فإن التَّقَوِّي على الجهاد أفضل من الصوم". فأفضل الصيام ألا يضعف البدن حتى يعجز عما هو أفضل منه من القيام بحقوق الله تعالى أو حقوق عباده اللازمة، فإن أضعف عن شيء من ذلك مما هو أفضل منه كان تركه أفضل. فالأول: مثل أن يضعف الصيام عن الصلاة، أو عن الذكر، أو عن العلم، كما قيل في النهي عن صيام الجمعة ويوم عرفة بعرفة: إنه يضعف عن الذكر والدعاء في هذين اليومين، وكان ابن مسعود يقل الصوم ويقول: "إنه يمنعني من قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحب إليّ، فقراءة القرآن أفضل من الصيام"، نص عليه سفيان الثوري، وغيره من الأئمة. وكذلك تعلم العلم النافع وتعليمه أفضل من الصيام، وقد نص الأئمة الأربعة على أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، والصلاة أفضل من الصيام المتطوع به، فيكون العلم أفضل من الصيام بطريق الأولى، فإن العلم مصباح يستضاء به في ظلمة الجهل والهوى، فمن سار في طريق على غير مصباح لم يأمن أن يقع في بئر بوار فيعطب. قال ابن سيرين: "إن قوما تركوا العلم واتخذوا محاريب فصلوا وصاموا بغير علم، والله ما عمل أحد بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح". والثاني: مثل أن يضعف الصيام عن الكسب للعيال، أو القيام بحقوق الزوجات، فيكون تركه أفضل، وإليه الإشارة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((وإن لأهلك عليك حقا)). ومنها: ما أشار إليه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((إن لنفسك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه)) يشير إلى أن النفس وديعة لله عند ابن آدم، وهو مأمور أن يقوم بحقها، ومن حقها اللطف بها حتى توصل صاحبها إلى المنزل. قال الحسن: "نفوسكم مطاياكم إلى ربكم فأصلحوا مطاياكم توصلكم إلى ربكم، فمن وفى نفسه حظها من المباح بنية التَّقوِّي به على تقويتها على أعمال الطاعات كان مأجورا في ذلك"، كما قال معاذ بن جبل: "إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"، ومن قصّر في حقها حتى ضعفت وتضررت كان ظالما لها، وإلى هذا أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله لعبد الله بن عمرو بن العاص: ((إنك إذا فعلت ذلك نفهت له النفس وهجمت له العين))، ومعنى نفهت: كلّت وأعيت. ومعنى هجمت العين: غارت، وقال لأعرابي جاءه فأسلم، ثم أتاه من عام قابل، وقد تغيّر فلم يعرفه، فلما عرفه سأله عن حاله؟ قال: ((ما أكلت بعدك طعاما بنهار، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ومن أمرك أن تعذب نفسك؟!))، فمن عذّب نفسه بأن حملها ما لا تطيقه من الصيام ونحوه، فربما أثّر ذلك في ضعف بدنه وعقله، فيفوته من الطاعات الفاضلة أكثر مما يحصل له بتعذيبه نفسه بالصيام. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوسط في إعطاء نفسه حقها، ويعدل فيها غاية العدل، فيصوم ويفطر، ويقوم وينام، وينكح النساء، ويأكل مما يجد من الطيبات كالحلواء والعسل ولحم الدجاج، وتارة يجوع حتى يربط على بطنه الحجر، وقال: ((عرض عليّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا ربّ ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك))، فاختار لنفسه أفضل الأحوال ليجمع بين مقامي الشكر والصبر والرضا. ومنها: ما أشار إليه بقوله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو: ((لعله أن يطول بك حياة)) يعني: أن من تكلف الاجتهاد في العبادة، فقد تحمله قوة الشباب ما دامت باقية، فإذا ذهب الشباب وجاء المشيب والكبر عجز عن حمل ذلك، فإن صابر وجاهد واستمر فربما هلك بدنه، وإن قطع فقد فاته أحبّ الأعمال إلى الله تعالى وهو المداومة على العمل؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)). فمن عمل عملا يقوى عليه بدنه في طول عمره في قوته وضعفه استقام سيره، ومن حمل ما لا يطيق فإنه قد يحدث له مرض يمنعه من العمل بالكلية، وقد يسأم ويضجر فيقطع العمل فيصير كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وأما صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأيام -أعني أيام الأسبوع- فكان يتحرى صيام الإثنين والخميس، وكذا روي عن عائشة -رضي الله عنها-: ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرى صيام الإثنين والخميس)) خرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه. وخرّج ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: ((كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم الإثنين والخميس فقيل: يا رسول الله، إنك تصوم الإثنين والخميس؟ فقال: إن يوم الإثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين فيقول: دعوهما حتى يصطلحا))، وخرجه الإمام أحمد، وعنده: ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر ما يصوم الإثنين والخميس فقيل له، قال: إن الأعمال تعرض كل إثنين وخميس فيغفر لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول: أخرهما))، وأخرجه الترمذي ولفظه قال: ((تعرض الأعمال يوم الإثنين ويوم الخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)). وروي موقوفا على أبي هريرة، ورجح بعضهم وقفه، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: ((تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء يقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا)). ويروى بإسناد فيه ضعف عن أبي أمامة مرفوعا: ((ترفع الأعمال يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر للمستغفرين، ويترك أهل الحقد بحقدهم))، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. قال: يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى أنه ليكتب قوله: أكلت وشربت وذهبت وجئت ورأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره فذلك قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]. خرجه ابن أبي حاتم وغيره. فهذا يدل على اختصاص يوم الخميس بعرض الأعمال لا يوجد في غيره، وكان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه، ويقول: "اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل". فهذا عرض خاص في هذين اليومين غير العرض العام كل يوم، فإن ذلك عرض دائم كل يوم بكرة وعشيا، ويدل على ذلك ما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيسأل الذين باتوا فيكم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون))، وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: ((قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات فقال: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))، ويروى عن ابن مسعود قال: "إن مقدار كل يوم من أيامكم عند ربكم ثنتا عشرة ساعة، فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم، فينظر فيها ثلاث ساعات". وذكر باقيه. كان الضحاك يبكي آخر النهار ويقول: "لا أدري ما رفع من عملي؟". يا من عمله معروض على من يعلم السر وأخفى لا تبهرج فإن الناقد بصير. السقم على الجسم له ترداد والعمر ينقص والذنوب تزاد ما أبعد شقتي وما لي زاد ما أكثر بهرجي ولي نقاد وحديث أسامة فيه: ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سرد الفطر يصوم الإثنين والخميس))، فدل على مواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على صيامهما، وقد كان أسامة يصومهما حضرا وسفرا لهذا. وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي عن عبد الله بن عمرو ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فقال له: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال: فصم من الجمعة يوم الإثنين والخميس، قال: إني أقوى على أكثر من ذلك قال: فصم صيام داود)). وفي مسند الإمام أحمد من رواية عثمان بن رشيد حدثني أنس بن سيرين قال: "أتينا أنس بن مالك في يوم خميس فدعا بمائدته فدعاهم إلى الغداء، فأكل بعض القوم وأمسك بعض، ثم أتوه يوم الخميس ففعل مثلها فقال أنس: لعلكم أثنائيون لعلكم خميسيون كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم". وظاهر هذا الحديث يخالف حديث أسامة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يصوم الإثنين والخميس إذا دخلا في صيامه، ولم يكن يتحرى صيامهما في أيام سرد فطره، ولكن عثمان بن رشيد ضعيف ضعفه ابن معين وغيره. وحديث أسامة أصح منه، وقد روي من حديث أم سلمة ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، أول خميس والإثنين والإثنين)) وفي رواية بالعكس الإثنين والخميس والخميس. وأكثر العلماء على استحباب صيام الإثنين والخميس، وروي كراهته عن أنس بن مالك من غير وجه عنه وكان مجاهد يفعله ثم تركه وكرهه. وكره أبو جعفر محمد بن علي صيام الإثنين، وكرهت طائفة صيام يوم معين كلما مر بالإنسان. روي عن عمران بن حصين، وابن عباس والشعبي والنخعي، ونقله ابن القاسم عن مالك، وقال الشافعي في القديم "أكره ذلك. قال: وإنما أكرهه؛ لئلا يتأسى جاهل فيظن أن ذلك واجب قال: فإن فعل فحسن". يعني على غير اعتقاد الوجوب. وأما صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشهر السنة فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور. وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان)) زاد البخاري في رواية: ((كان يصوم شعبان كله))، ولمسلم في رواية: ((كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا)). وفي رواية النسائي عن عائشة قالت: ((كان أحب الشهور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصوم شعبان كان يصله برمضان)). وعنها وعن أم سلمة قالتا: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان إلا قليلا، بل كان يصومه كله))، وعن أم سلمة قالت: ((ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((ما علمته -تعني النبي -صلى الله عليه وسلم- صام شهرا كله إلا رمضان))، وفي رواية له أيضا عنها قالت: ((ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان))، وفي رواية له أيضا: أنها قالت: ((لا أعلم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ القرآن كله في ليلة ولا صام شهرا كاملا غير رمضان))، وفي رواية له أيضا قالت: ((ما رأيته قام ليلة حتى الصباح ولا صام شهرا متتابعا إلا رمضان) وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: ((ما صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهرا كاملا غير رمضان)) وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا غير رمضان. وروى عبد الرزاق في كتابه عن ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عباس ينهى عن صيام الشهر كاملا ويقول: ليصمه إلا أياما. وكان ينهى عن إفراد اليوم كلما مر به وعن صيام الأيام المعلومة، وكان يقول: لا تصم أياما معلومة. فإن قيل: فكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال: ((أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم))؟ فالجواب: أن جماعة من الناس أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم والأشهر الحرم أفضل من صيام شعبان، كما صرح به الشافعية وغيرهم. والأظهر خلاف ذلك وأن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم. ويدل على ذلك ما خرجه الترمذي من حديث أنس ((سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان)). تعظيما لرمضان. وفي إسناده مقال. وفي سنن ابن ماجه: ((أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صم شوالا)) فترك الأشهر الحرم فكان يصوم شوالا حتى مات. وفي إسناده إرسال، وقد روي من وجه آخر يعضده. فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم، وإنما كان كذلك لأنه يلي رمضان من بعده، كما أن شعبان يليه من قبله، وشعبان أفضل لصيام النبي -صلى الله عليه وسلم- له دون شوال. فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحرم، فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى. فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده. فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ويكون قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصيام بعد رمضان المحرم)) محمولا على التطوع المطلق بالصيام. فأما ما قبل رمضان وبعده فإنه يلتحق به في الفضل كما أن قوله في تمام الحديث ((وأفضل الصلاة بعد المكتوبة: قيام الليل)) إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء خلافا لبعض الشافعية. والله أعلم. فإن قيل: فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما)) ولم يصم كذلك، بل كان يصوم سردا ويفطر سردا، ويصوم شعبان وكل اثنين وخميس؟ قيل: صيام داود الذي فضله النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصيام، قد فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر، بأنه صوم شطر الدهر وكان صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جمع يبلغ صيام نصف الدهر أو يزيد عليه. وقد كان يصوم مع ما سبق ذكره يوم عاشوراء أو تسع ذي الحجة. وإنما كان يفرق صيامه ولا يصوم يوما ويفطر يوما؛ لأنه كان يتحرى صيام الأوقات الفاضلة. ولا يضر تفريق الصيام والفطر أكثر من يوم ويوم إذا كان القصد به التقوي على ما هو أفضل من الصيام من أداء الرسالة وتبليغها والجهاد عليها والقيام بحقوقها. فكان صيام يوم وفطر يوم يضعفه عن ذلك، ولهذا لما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي قتادة عمن يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: ((وددت أني طوقت ذلك)) وقد كان عبد الله بن عمرو بن العاص لما كبر يسرد الفطر أحيانا ليتقوى به على الصيام، ثم يعود فيصوم ما فاته محافظة على ما فارق عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من صيام شطر الدهر، فحصل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أجر صيام شطر الدهر وأزيد منه بصيامه المتفرق، وحصل له أجر تتابع الصيام بتمنيه لذلك، وإنما عاقه عنه الاشتغال بما هو أهم منه وأفضل. والله أعلم. وقد ظهر بما ذكرناه وجه صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- لشعبان دون غيره من الشهور. وفيه معان أخر، وقد ذكر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أسامة معنيين: أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام، وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه. وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه؛ لأنه شهر حرام، وليس كذلك. وروى ابن وهب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعد عن أبيه عن عائشة قالت: ((ذُكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناس يصومون رجبا؟ فقال: فأين هم عن شعبان)). وفي قوله: ((يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان)) إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم. وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف، يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، وكذلك فضل القيام في وسط الليل لمشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن)) ولهذا المعنى كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يؤخر العشاء إلى نصف الليل، وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس. ولما خرج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم: ((ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم)) وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له، ولهذا ورد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة حتى قال أبو صالح: "إن الله ليضحك ممن يذكره في السوق"، وسبب ذلك أنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وفي حديث أبي ذر المرفوع: ((ثلاثة يحبهم الله: قوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم، فقام أحدهم يتملقني ويتلو آياتي. وقوم كانوا في سرية فانهزموا فتقدم أحدهم فلقي العدو فصبر حتى قتل. وذكر أيضا قوما جاءهم سائل فسألهم فلم يعطوه فانفرد أحدهم حتى أعطاه سرا)). فهؤلاء الثلاثة انفردوا عن رفقتهم بمعاملة الله سرا بينهم وبينه فأحبهم الله، فكذلك من يذكر الله في غفلة الناس، أو من يصوم في أيام غفلة الناس عن الصيام. وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد: منها: أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه. ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء. وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل سوقه أنه أكل في بيته. وكانوا يستحبون لمن صام أن يظهر ما يخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال: "إذا أصبحتم صياما فأصبحوا مدهنين". وقال قتادة: "يستحب للصائم أن يدهن حتى تذهب عنه غبرة الصيام". وقال أبو التياح: "أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم ادهن ولبس أحسن ثيابه". ويروى أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته، وليمسح شفتيه من دهنه، حتى ينظر الناظر إليه فيرى أنه ليس بصائم". اشتهر بعض الصالحين بكثرة الصيام، فكان يجتهد في إظهار فطره للناس حتى كان يقوم يوم الجمعة والناس مجتمعون في مسجد الجامع فيأخذ إبريقا فيضع بلبلته في فيه ويمصه ولا يزدرد منه شيئا، ويبقى ساعة كذلك لينظر الناس إليه، فيظنون أنه يشرب الماء، وما يدخل إلى حلقه منه شيء. كم يستر الصادقون أحوالهم! وريح الصدق ينم عليهم، ريح الصيام أطيب من ريح المسك، تستنشقه قلوب المؤمنين وإن خفي، وكلما طالت عليه المدة ازداد قوة ريحه. كم أكتم حبكم عن الأغيار والدمع يذيع في الهوى أسراري كم أستركم هتكتمُ أسراري من يخفي في الهوى لهيب النار ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية وهبني كتمت السر أو قلت غيره أتخفى على أهل القلوب السرائر أبى ذاك أن السر في الوجه ناطق وأن ضمير القلب في العين ظاهر ومنها: أنه أشقُّ على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس، فيشقُّ على نفوس المتيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا المعنى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون)). وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء)) وفي رواية: ((قيل: ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس)). وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العبادة في الهرج كالهجرة إليَّ)). وخرجه الإمام أحمد ولفظه: ((العباد في الفتنة كالهجرة إليَّ)). وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه، ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به، متبعا لأوامره، مجتنبا لنواهيه. ومنها: أن المفرد بالطاعة بين أهل المعاصي والغفلة قد يدفع به البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم. وفي حديث ابن عمر الذي رويناه في جزء ابن عرفة مرفوعا: ((ذاكر الله في الغافلين كالذي يقاتل عن الفارين، وذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي تحاتَّ ورقه من الصريد -والصريد: البرد الشديد- وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل رطب ويابس، وذاكر الله في الغافلين يعرف مقعده في الجنة)). قال بعض السلف: "ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة، ولولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس". رأى جماعة من المتقدمين في منامهم كأن ملائكة نزلت إلى بلاد شتى، فقال بعضهم لبعض: اخسفوا بهذه القرية، فقال بعضهم: كيف نخسف بها وفلان فيها قائم يصلي؟ ورأى بعض المتقدمين في منامه من ينشد ويقول: لولا الذين لهم ورد يصلونا وآخرون لهم سرد يصومونا لدكدكت أرضكم من تحتكم سَحَرًا لأنكم قوم سوء ما تطيعونا وفي مسند البزار عن أبي هريرة مرفوعا: ((مهلا عن الله مهلا فلولا عباد ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا)) ولبعضهم في المعنى: لولا عباد للإله ركع وصبية من اليتامى رضع ومهملات في الفلاة رتع صب عليكم العذاب الموجع وقد قيل في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251] إنه يدخل فيها دفعه عن العصاة بأهل الطاعة، وجاء في الآثار: "إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله". وفي بعض الآثار يقول الله عز وجل: "أحب العباد إليَّ المتحابون بجلالي المشاؤون في الأرض بالنصيحة، المشاؤون على أقدامهم إلى الجمعات" وفي رواية: "المعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار، فإذا أردت إنزال عذاب بأهل الأرض فنظرت إليهم صرفت العذاب عن الناس". وقال مكحول: "ما دام في الناس خمسة عشر يستغفر كل منهم الله كل يوم خمسًا وعشرين مرة لم يهلكوا بعذاب عامة" والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا، وقد روي في صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان معنى آخر وهو أنه تنسخ فيه الآجال، فروي بإسناد فيه ضعف عن عائشة قالت: ((كان أكثر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شعبان. فقلت: يا رسول الله أرى أكثر صيامك في شعبان؟ قال: إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض، فأنا لا أحب أن ينسخ اسمي إلا وأنا صائم)) وقد روي مرسلا وقيل: إنه أصح. وفي حديث آخر مرسل: ((تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه في الموتى)). وروي في ذلك معنى آخر وهو: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وربما أخر ذلك حتى يصوم شعبان)) رواه ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيهما عن عائشة رضي الله عنها، خرجه الطبراني ورواه غيره وزاد: ((قالت عائشة: فربما أردت أن أصوم فلم أطق حتى إذا صام صمت معه))، وقد يشكل على هذا ما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا يبالي من أيه كان)) وفيه أيضا عنها قالت: ((ما علمته -تعني النبي -صلى الله عليه وسلم- صام شهرا كاملا إلا رمضان ولا أفطره كله حتى يصوم منه حتى مضى لسبيله)) وقد يجمع بينهما بأنه قد يكون صومه في بعض الشهور لا يبلغ ثلاثة أيام فيكمل ما فاته من ذلك في شعبان، أو أنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام مع الاثنين والخميس فيؤخر الثلاثة خاصة حتى يقضيها في شعبان مع صومه الاثنين والخميس. وبكل حال فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- عمله ديمة، وكان إذا فاته شيء من نوافله قضاه، كما كان يقضي ما فاته من سنن الصلاة وما فاته من قيام الليل بالنهار، وكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان، فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض، وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن المرأة لا تصوم وبعلها شاهد إلا بإذنه، فمن دخل عليه شعبان وقد بقي عليه من نوافل صيامه في العام استحب له قضاؤها فيه حتى يكمل نوافل صيامه بين الرمضانين، ومن كان عليه شيء من قضاء رمضان وجب عليه قضاؤه بعد رمضان مع القدرة، ولا يجوز له تأخيره إلى ما بعد رمضان آخر لغير ضرورة، فإن فعل ذلك وكان تأخيره لعذر مستمر بين الرمضانين كان عليه قضاؤه بعد رمضان الثاني ولا شيء عليه مع القضاء، وإن كان ذلك لغير عذر. فقيل: يقضي ويطعم مع القضاء لكل يوم مسكينا، وهو قول مالك والشافعي وأحمد اتباعا لآثار وردت بذلك. وقيل: يقضي ولا إطعام عليه. وهو قول أبي حنيفة. وقيل: يطعم ولا يقضي وهو ضعيف. وقد قيل: في صوم شعبان معنى آخر: وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. وروينا بإسناد ضعيف عن أنس قال: "كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف، فقرؤوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان"، وقال سلمة بن كهيل: "كان يقال شهر شعبان شهر القراء". وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: "هذا شهر القراء"، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، قال الحسن بن سهل: "قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن". يا من فرط في الأوقات الشريفة وضيَّعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها: مضى رجب وما أحسنت فيه وهذا شهر شعبان المبارك فيا من ضيع الأوقات جهلا بحرمتها أفق واحذر بوارك فسوف تفارق اللذات قهرا ويخلي الموت كرها منك دارك تدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص واجعل مدارك على طلب السلامة من جحيم فخير ذوي الجرائم من تدارك المجلس الثاني في ذكر نصف شعبان خرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان)) وصححه الترمذي وغيره. واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به: فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر، وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم. وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثا أنكر منه، ورده بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)) فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين. وقال الأثرم: الأحاديث كلها تخالفه. يشير إلى أحاديث صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان كله ووصله برمضان، ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين، فصار الحديث حينئذ شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة. وقال الطحاوي: هو منسوخ. وحكى الإجماع على ترك العمل به. وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به، وقد أخذ به آخرون منهم الشافعي وأصحابه، ونهوا عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة، ووافقهم بعض المتأخرين من أصحابنا، ثم اختلفوا في علة النهي، فمنهم من قال: خشية أن يزاد في صيام رمضان ما ليس منه. وهذا بعيد جدا فيما بعد النصف، وإنما يحتمل هذا في التقدم بيوم أو يومين، ومنهم من قال: النهي للتقوي على صيام رمضان شفقة أن يضعفه ذلك عن صيام رمضان، وروي ذلك عن وكيع. ويرد هذا صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان كله أو أكثره ووصله برمضان. هذا كله في الصيام بعد نصف شعبان. فأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه، فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر. وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه، ففي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان ليلة نصف شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر)). وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة، وقد اختلف فيها فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها، وخرجه في صحيحه، ومن أمْثَلِها حديث عائشة قالت: ((فقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- فخرجت فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ فقلت: يا رسول الله! ظننت أنك أتيت بعض نسائك. فقال:إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب)) خرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه. وذكر الترمذي عن البخاري أنه ضعفه، وخرج ابن ماجه من حديث أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن أو قاتل نفس)) وخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ مرفوعا. ويروى من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعا: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى مناد: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ فلا يسأل أحد شيئا إلا أعطيه إلا زانية بفرجها أو مشركا)). وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف، ويروى عن نوف البكالي أن عليا رضي الله عنه خرج ليلة النصف من شعبان فأكثر الخروج فيها ينظر إلى السماء فقال: إن داود عليه السلام خرج ذات ليلة في مثل هذه الساعة، فنظر إلى السماء فقال: إن هذه الساعة ما دعا الله أحد إلا أجابه، ولا استغفره أحد في هذه الليلة إلا غفر له ما لم يكن عشارا أو ساحرا أو شاعرا أو كاهنا أو عريفا أو شرطيا أو جابيا أو صاحب كوبة أو عرطبة. قال نوف: الكوبة الطبل والعرطبة: الطنبور، اللهم رب داود اغفر لمن دعاك في هذه الليلة، ولمن استغفرك فيها. وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك. فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عبَّاد أهل البصرة وغيرهم. وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة. ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم. وقالوا: ذلك كله بدعة. واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين: أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك. ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك. وقال في قيامها في المساجد جماعةً: ليس ذلك ببدعة. نقله عنه حرب الكرماني في مسائله. والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء. ولا يكره أن يصلي الرجل فيها بخاصة نفسه. وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله إلى البصرة: عليك بأربع ليال من السنة، فإن الله يفرغ فيهن الرحمة إفراغا، أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة الأضحى. وفي صحته عنه نظر. وقال الشافعي: بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان، قال: واستُحِب كل ما حكيت في هذه الليالي. ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان. ويخرج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه في قيام ليلة العيد، فإنه في رواية لم يستحب قيامها جماعةً. لأنه لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. واستحبها في رواية لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك وهو من التابعين. فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام. وروي عن كعب قال: إن الله تعالى يبعث ليلة النصف من شعبان جبريل عليه السلام إلى الجنة فيأمرها أن تتزين ويقول: إن الله تعالى قد أعتق في ليلتك هذه عدد نجوم السماء، وعدد أيام الدنيا ولياليها، وعدد ورق الشجر، وزنة الجبال، وعدد الرمال. وروى سعيد بن منصور: حدثنا أبو معشر عن أبي حازم ومحمد بن قيس عن عطاء بن يسار قال: "ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من ليلة النصف من شعبان، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم". فيا من أعتق فيها من النار هنيئا لك هذه المنحة الجسيمة. ويا أيها المردود فيها جبر الله مصيبتك، فإنها مصيبة عظيمة. بكيت على نفسي وحق لي البكا وما أنا من تضييع عمري في شك لئن قلت إني في صنيعي محسن فإني في قولي لذلك ذو إفك ليالي شعبان وليلة نصفه بأية حال قد تنزل لي صكي وحقي لعمري أن أديم تضرعي لعل إله الخلق يسمح بالفك فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب، وستر العيوب، وتفريج الكروب، وأن يقدم على ذلك التوبة، فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب. فقم ليلة النصف الشريف مصليا فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه فكم من فتى قد بات في النصف غافلا آمنا وقد نسخت فيه صحيفة حتفه فبادر بفعل الخير قبل انقضائه وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه وصم يومها لله واحسن رجاءه لتظفر عند الكرب منه بلطفه ويتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة، وقبول الدعاء في تلك الليلة وقد روي: أنها: الشرك، وقتل النفس، والزنا. وهذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله عز وجل كما في حديث ابن مسعود المتفق على صحته أنه ((سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)) فأنزل الله تعالى تصديق ذلك: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية [الفرقان: 68]. ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه. وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا)) وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا، وعن الأوزاعي أنه قال: "المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة"، وكذا قال ابن ثوبان: "المشاحن هو التارك لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الطاعن على أمته، السافك دماءهم. وهذه الشحناء -أعني شحناء البدعة- توجب الطعن على جماعة المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم، كبدع الخوارج والروافض ونحوهم". فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم، أو تبديعهم وتضليلهم، ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه. وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]. وفي المسند عن أنس ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه ثلاثة أيام: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فيطلع رجل واحد. فاستضافه عبد الله بن عمرو، فنام عنده ثلاثا لينظر عمله، فلم ير له في بيته كبير عمل. فأخبره بالحال فقال له: هو ما ترى، إلا أني أبيت وليس في قلبي شيء على أحد من المسلمين. فقال عبد الله: بهذا بلغ ما بلغ)) وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)) قال بعض السلف: "أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة، وبهذه الخصال بلغ من بلغ، لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة&quo | |
|