ويذكر للشيخ المربى شروطا كثيرة منها
:
أولاً : العلم بالشريعة
والعمل بها، وفى ذلك يقول:(( من أراد أن يكون إماما يقتدي به فليحكم بالحقيقة ، إذ ما سميت حقيقة
إلا لكونها تحقق العلوم بالأعمال وتنتج الحقائق من بحر الشريعة )).
(( لا يكمل الفقير إلا إذا تكلم بمعاني
الحقيقة ذوقا لا نقلا وفعلا لا قولا، وتحلى باطنه بحلية الأصفياء بالسر
والمعنى فتغنى وتكلم بالحكم ونطق بالمعجم
وبالسر المكتم، واطلع وحقق ، فما ينطق إلا صدقا ولا يتكلم إلا حقا ، وعند ذلك يصح
أن يدعو الخلق الى الله تعالى )).، وقال أيضا :
(( لا يحق لك أن تأمر غيرك إلا إن كانت
الشريعة تزكيك بوقوفك عند حدودها ، وإلا كان الأمر والنهى لحظ نفساني، ومن لم
تزكِّه الشريعة بوقوفه عند حدودها لا يصلح أن يتصدر لإرشاد غيره )
روى الإمام الشعراني
عن جده العارف على بن شهاب (804-891هـ) أنه d كان
لايمكن أحدا من الفقراء البرهامية من فعل شيء مما يفعلونه إذا ما زاروا بلدته مثل
أكلهم النار وجر السيف على اللسان وعلى الكتف ويقول : (( إن كنتم برهامية فأتوا لنا
بالبرهان على ذلك من الكتاب والسنة أو فعل سيدي إبراهيم الدسوقي ))
فانتصر جماعة من أهل
البلد للفقراء وقالوا : لابد من أن يفعلوا ذلك حتى نتفرج عليهم، فرأى بعض الفقراء
فى هذة الليلة القطب الدسوقي وهو يقول لهم أطيعو الشيخ عليا ، وأنا برىء من كل عمل
يخالف هدى الخلفاء الراشدين والائمة المجتهدين)
فاستغفروا وتابوا
ورجعوا عن ذلك الفعل ، فقال لهم الشيخ على ابن شهاب (( أنا رجل برهامى ، ولو كنت أعلم برضا سيدى
إبراهيم بذلك لكنت أول فاعل له لأنه قدوتي
و شيخي ))
وكان يقول : (( العبد كلما خدم سيده قدم
على بقية العبيد ، وأما من ادعى المشيخة وعصى ربه ، قال له أف أف لك أما تستحى أين دعواك القرب منا أين غسيلك
أثوابك المدنسة لمجالستنا ))،
وكان يقول : (( قد صرفنا هممنا إليه
فأغنانا عما سواه ، إنا لا نعرف قط إبليس اللعين ))
ثانياً-
العزيمة الماضية:يرى d أن من يتصدر مقام تربية
المريدين لابد أن يكون قدوة يحتذي به في أقواله وأفعاله فيقول:(( من لم يكن من مجتهداً في بدايته لا
يفلح له مريد في نهايته ، فإنه إن نام ، نام
مريده وإن غفل، غفل مريده ، وإن رغب فى الدنيا رغب فيها مريده ، وهكذا في سائر
الأخلاق، وإن أمر الناس بالعبادة وهو بطال أو توبهم عن الباطل وهو يقوله ضحكوا
عليه ولم يسمعوا منه))
فالتربية عنده قول
وعمل وجد وإخلاص وتطهير للقلب مما سوى الخالق فلا يعرف السالك سوى الله فى كل حركه
وسكنه ، ولذا يقول :(( عليك بالعمل بالشرع وإياك وشقشقة
اللسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها وقد كان
sيجوع حتى يشد الحجر
على بطنه ، وقام حتى تورمت قدماه ، ثم تبعه أكابر الصحابة
fعلى ذلك ، فكان أبو
بكر الصديق إذا تنهد تشم لكبده رائحة الكبد المشوي ، وانفق ماله كله في سبيل الله
، وكان عمر بن الخطاب
d شديد العمل والكد حتى رقع دلقه بالجلود ، ولف رأسه بقطعة خيش، وكان
عثمان
d يختم القرآن
قائماً كل ليلة على أقدامه، وكان على
d من زهاد الصحابة ومجاهديهم، هؤلاء
هم خواص الصحابة
fمع
قربهم من رسول الله
s، هذا كان عملهم، وهذا كان
اجتهادهم وزهدهم وجوعهم فأحكموا الحقيقة والشريعة، ولا تفرطوا إن أردتم أن يقتدى
بكم ))
وهكذا فطريقته d هي العمل الدائم لله ، حتى
تصفوا النفس ويوصى بذلك فيقول :((فاعمل لعل أن تكون من الذين عادت
أرواحهم روحانية لطيفة نورانية تجول في الملكوت وتشاهد الحي الذي لا يموت وهى تنظر
عجائب غرائب ما يكون من الأمر المكنون ))
ثالثاً- الزهد والعفة :يرى d أن من أهم صفات الذي يتصدر
لمشيخة الطريق وتربية المريدين أن يكون زاهدا في الدنيا لا يأخذ منها إلا الضرورة
لعفة نفسه وقناعة قلبه وأن يكون متعففا عن عرض الدنيا وخاصة الذي في أيدي المريدين،
ويقول في ذلك:(( إن أردت أن تكون ولدى حقا وتبعى صدقا
فأخلص العبودية لله
y، ..... فيشفقون على
إخوانهم وينصحونهم مع تجنب أموالهم ))
{راجع الأقوال بصفحة 46 من هذا الكتاب }ويقول أيضا
d :
(( إنما أمركم بأمر الله لا لغرض دنيوى
ولا لأتأثم، وليس دعوى، إنما المراد سلامة الذمة من الخلل فى نصح الإخوان .
وأعلموا يا جميع أولادي أن من استحسن فى
طريقي أخذ شىء حين لعب به هواه وسولت له نفسه بزهوها مناه فقد خرج عن طريق شيخه.
ياجميع أولادى إعلموا أن أوساخ الناس
تسود القلب وتوقف المطلوب ويكتب بها الذنوب ويمقت العبد بذلك علام الغيوب فإنى غير
راضى عما أخذ فى إجازة فلسا وحدا ، فإن
هؤلاء طالبون للدنيا بالتلبيس وعمل ما ليس فى طريقتى ولو ذهب الى أعمال الدنيا
واحترف لنفسه وعياله لكان خيرا له وإنما طريقتى التحقيق والتصديق والتمزيق والتدقيق
والترقيق فى الطريق .
اللهم إن كان أصحاب طريقتي يعملون خلفي
مالا أشتهيه ويأخذون ويتلبسون ويستحسنون ذلك فلا تهلكني بذنوبهم ، فإنى أبرأ اليك
ممن يدعى أو يأخذ على الطريق عرضاً من الدنيا أو يتلف طريقى أو يخالف ما كنت عليه
أنا وأصحابى أو يأكل الدنيا بالدين نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
يا أولادي عليكم بالسبب الحلال فإن كل
درهم من الصدقة ، وأخذ ما فى أيد الناس مما يسود الصحيفة ويملأ الأرض قساوة ،
والفقير ماله قيام صورته من مال صدقه . ..
إن الله لا يحب من يبيع سره أو يأكل
عليه شيئا ، فالفقراء الصادقون قد خرجوا بالجملة عنها فى باطن الأمر وإن كانوا على
ظهرها ، وكثير منهم ينفق من الغيب فما رضى وخرج عن ذلك، فيا أولادي إن كنتم أولادي
وخالفتموني فأنتم كاذبون))
رابعاً: التواضع للأقران:ويرى d أن أهم ما ينبغي أن يتخلص منه
المتصدر لإمامه الطريق هو الغرور والإعجاب بالنفس فيقول فى ذلك :(( إياكم وأن تقنعوا بتقبيل أيديكم
والرياسة على أقرانكم))
ولذلك كان يعبر عن
نيته الصادقة في نصحة لمريديه فيقول :(( ما أعلمتكم بذلك إلا لتقتدوا بي لا
للمشيخة عليكم فإني أرى نفسي دونكم وإنما المراد سلامة الذمة وبراءتها من الخلل فى
نصح الإخوان )).
وكثيرا ما كان ينشد
إذا قيل له انصحنا أو أدبنا :لا تعدلين الحرائر حتى تكوني مثلهنيقبح على
معلولة وصف الدوا للناس
ولما كان انشغال البعض
بحدوث الكرامات يدل على بقية من نفسه ولا يصلح الشيخ لمقام التربية إلا إذا فنى عن
نفسه بالكلية وفى هذا يقول t:(( من أدخل دار الفردانية وكشف له عن
الجلال والعظمة بقى هو بلا هو ، فحينئذ يبقى زمانا ما فانيا ، ثم يعود فى حفظ الله
وكلاء ته سواء حضر أو غاب ، ولا يبقى له حظ فى كرامات ولا كلام ولا شأن نفساني
وخلص لجانب العبودية المحضة ))
خامساً: الدعوة إلى الله على بصيرةمن أهم أوصاف المتصدر
لإمامة الطريق أن يكون على بينة من أمرة وبصيرة من ربه ، داخلا فى قول الله y (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى
الله عل بصيرة أنا ومن اتبعنى )) ولذلك لا يقدم أحدا فى الطريق لسبب غير تقوى الله
y (( إن أكرمكم عند الله
أتقاكم )) ( الآية ))وهذا ما أشار إليه العارف الدسوقى d فى قوله :(( ليس لأحد أن يقدم فى الطريق لكبر سنه
، وتقادم عهدة ، وإنما يقدمه فتحه ، ومع هذا فمن فتح الله عليه منكم فلا يرى نفسه
على من لم يفتح عليه ، وتأمل يا ولدي إبليس اللعين لما رأى نفسه على أدم عليه
السلام وقال : أنا أقدم منه وأكثر عبادة وقدرا كيف لعنه الله وطرده ))
ومثل هذا الداعى تكون دعوته ابتغاء وجه الله وطلبا لمرضاته وليس
لعلة نفسيه أو غرض دنيوي بل إنه يتجشم الصعاب ويسيح فى البلاد لدلالة الخلق على
الله رغبة فى رضاه y وفى ذلك يقول d :(( إن من أحكم من هذه الطائفة أمره
وارتوى من الأحوال وبلغ مبلغ الرجال ، وانبجست من قلبه عيون ماء الحياة ، وصارت
نفسه مكتسبة للسعادات...استنشق نفس الرحمن من صدور الصادقين من الإخوان فى أقطار
الأرض..
فيسيح فى البلدان لملاقاتهم وينبعث إلى
السير فى الأفاق ويسيره مولاه فى البلاد لفائدة العباد، يستخرج بمغناطيس حاله
خبايا أهل الصدق، ويبذر فى أرض القلوب بذر
الفلاح فيكثر ببركة صحبته أهل الصلاح.
وهذا مثل الأمة الهادية فى الإنجيل كزرع
أخرج شطأه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه تعود بركة البعض على البعض، وتسرى الأحوال من
البعض إلى البعض، ويكون طريق الوراثة معمورا وعلم الإفادة منشورا )
هذه بعض أوصاف مقام
التربيه الذى هو أساس السعادة العظمى التى يشير اليها رسول الله e
فى قوله فى الحديث الذى اشتهر بين الناس:(( لأن يهدى بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر
النعم ) وفى رواية أخرى:(( لأن يهدى الله على يديك رجلا خيرا لك مما طلعت
علية الشمس )) رواه الطبرانى.وقد اقتبسنا من
عباراته d ما يشير إلى هذه الأوصاف ولا
يخفى أنه مقام عزيز يرغب فيه العارف الدسوقى فيقول :(( يا أولادي طوبى لمن وصل إلى حال تقرب
العباد من الله تعالى ث
م وقف يدعوهم إليها ، فكونوا
داعين الى الله تعالى بإذن الله ))