فلم قال * اهدنا * ولم يقل
اهدني؟
لأنه
مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في آيات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في
الهداية أيضاً.
فيه
إشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الأثرة والأنانية وفيه نزع الأثرة والاستئثار من
النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا.
الاجتماع على
الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فإذا كثر السالكون يزيد الأنس ويقوى
الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل أو يسقط أو تأكله الذئاب ، فكلما كثر السالكون
كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة
والفرقة عذاب يشير لله تعالى إلى أمر الاجتماع والأنس بالاجتماع وطبيعة حب النفس
للاجتماع كما ورد في قوله الكريم *ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها* *النساء آية 13* خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في
الجنة يستمتعون بالأنس ببعضهم وقوله *ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا
خالدا فيها وله عذاب مهين* *النساء آية 14* في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب
الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.
لذا
فعندما قال سبحانه وتعالى *اهدنا الصراط المستقيم * فيه شيء من التثبيت والاستئناس
، هذا الدعاء ارتبط بأول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب
هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط
بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وأنت الآن تطلب من الرحمن الرحيم
الهداية أي تطلب من الرحمن الرحيم أن لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال * إياك نعبد
وإياك نستعين *فلا تتحقق العبادة إلا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن
الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أي صراط الذين سلكوا
الصراط المستقيم، ولا الضالين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم
فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط
المستقيم.