فلماذا لم يقل " الحمدَ
لله " بالنصب؟
الجواب أن قراءة الرفع أولى من قراءة النصب ذلك
أن قراءة الرفع تدل على أن الجملة اسمية في حين أن قراءة النصب تدل على أن الجملة
فعلية بتقدير نحمد أو احمد أو احمدوا بالأمر. والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الجملة
الفعلية لأنها دالة على الثبوت.
وقد
يقال أليس تقدير فعل الأمر في قراءة النصب أقوى من الرفع بمعنى "احمدوا الحمد لله"
كما تقول "الإسراع في الأمر" بمعنى أسرعوا؟ والجواب لا فإن قراءة الرفع أولى أيضاً
ذلك لان الأمر بالشيء لا يعني أن المأمور به مستحق للفعل. وقد يكون المأمور غير
مقتنع بما أمر به فكان الحمد لله أولى من الحمد لله بالنصب في الاخبار
والأمر.
ولماذا لم يقل " حمداً
لله " ؟
الحمد لله معرفة بأل و" حمداً " نكرة ؛ والتعريف
هنا يفيد ما لا يفيده التنكير ذلك أن "أل" قد تكون لتعريف العهد فيكون المعنى : أن
الحمد المعروف بينكم هو لله ، وقد يكون لتعريف الجنس على سبيل الاستغراق فيدل على
استغراق الأحمدة كلها. ورجح بعضهم المعنى الأول ورجح بعضهم المعنى الثاني بدليل
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كله" فدل على استغراق الحمد كله فعلى هذا
يكون المعنى: أن الحمد المعروف بينكم هو لله على سبيل الاستغراق والإحاطة فلا يخرج
عنه شيء من أفراد الحمد ولا أجناسه.
"الحمد
لله" أهي خبر أم إنشاء؟ الخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب والإنشاء هو ما لا يحتمل
الصدق أو الكذب.
قال
أكثر النحاة والمفسرين : أن الحمد لله إخبار كأنه يخبر أن الحمد لله سبحانه وتعالى
، وقسم قال : أنها إنشاء لأن فيها استشعار المحبة وقسم قال : أنها خبر يتضمن
إنشاء.
أحيانا
يحتمل أن تكون التعبيرات خبرا أو إنشاء بحسب ما يقتضيه المقام الذي يقال فيه.فعلى
سبيل المثال قد نقول *رزقك الله* ونقصد بها الدعاء وهذا إنشاء وقد نقول *رزقك الله
وعافاك* والقصد منها أفلا تشكره على ذلك؟ وهذا خبر.
والحمد
لله هي من العبارات التي يمكن أن تستعمل خبرا وإنشاء بمعنى الحمد لله خبر ونستشعر
نعمة الله علينا ونستشعر التقدير كان نقولها عندما نستشعر عظمة الله سبحانه في أمر
ما فنقول الحمد لله.
فلماذا لم يقل سبحانه "
إن الحمد لله " ؟
لا شك أن الحمد لله لكن هناك فرق بين التعبيرين
أن نجعل الجملة خبراً محضا في قول الحمد لله *ستعمل للخبر أو الإنشاء* ولكن عندما
تدخل عليه " إن " لا يمكن إلا أن يكون إنشاء ، لذا فقول " الحمد لله " أولى لما فيه
من الإجلال والتعظيم والشعور بذلك. لذا جمعت الحمد لله بين الخبر والإنشاء ومعناهما
، مثلا نقول رحمة الله عليك *هذا دعاء* وعندما نقول إن رحمة الله عليك فهذا خبر
وليس دعاء
من
المعلوم انه في اللغة قد تدخل بعض الأدوات على عبارات فتغير معناها مثال: رحمه الله
*دعاء* ، قد رحمه الله *إخبار* ، رزقك الله *دعاء* ، قد رزقك الله *إخبار*
.
لماذا لم يقل سبحانه "
لله الحمد " ؟
الحمد
الله تقال إذا كان هناك كلام يراد تخصيصه *مثال : لفلان الكتاب* تقال للتخصيص
والحصر فإذا قدم الجار والمجرور على اسم العلم يكون بقصد الاختصاص والحصر *لإزالة
الشك أن الحمد سيكون لغير الله*
الحمد
لله في الدنيا ليست مختصة لله سبحانه وتعالى ، الحمد في الدنيا قد تقال لأستاذ أو
سلطان عادل ، أما العبادة فهي قاصرة على الله سبحانه وتعالى ، المقام في الفاتحة
ليس مقام اختصاص أصلاً وليست مثل * إياك نعبد * أو * إياك نستعين *. فقد وردت في
القران الكريم *فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين* الجاثية *لآية
36*
لا أحد
يمنع التقديم لكن التقديم والتأخير في القرآن الكريم يكون حسب ما يقتضيه السياق ،
المقام في سورة الفاتحة هو مقام مؤمنين يقرون بالعبادة ويطلبون الاستعانة والهداية
؛ أما في سورة الجاثية فالمقام في الكافرين وعقائدهم وقد نسبوا الحياة والموت لغير
الله سبحانه لذا اقتضى ذكر تفضله سبحانه بأنه خلق السموات والأرض وأثبت لهم أن
الحمد الأول لله سبحانه على كل ما خلق لنا فهو المحمود الأول لذا جاءت فلله الحمد
مقدمة حسب ما اقتضاه السياق العام للآيات في السورة.
فلماذا
التفصيل في الجاثية *رب السموات والأرض* ولم ترد في الفاتحة؟ في الجاثية تردد ذكر
السموات والأرض وما فيهن وذكر ربوبية الله تعالى لهما فقد جاء في أول السورة * إن
في السموات والأرض لآيات للمؤمنين * فلو نظرنا في جو سورة الجاثية نلاحظ ربوبية
الله تعالى للسموات والأرض والخلق والعالمين مستمرة في السورة كلها. *ولله ملك
السموات والأرض* يعني هو ربهما * ويوم تقوم الساعة يخسر المبطلون* إذن هو رب
العالمين * وخلق الله السموات والأرض بالحق* فهو ربهما * لتجزى كل نفس..* فهو رب
العالمين. *فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين* جمع الربوبية في السموات
والأرض والعالمين في آية واحدة ، أما في الكلام في الفاتحة فهو عن العالمين فقط
وذكر أصناف الخلق من العالمين *المؤمنين، الضالين..* لذا ناسب التخصيص في الجاثية
وليس في الفاتحة.
*وله
الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم* *الجاثية الآية 37* ولم يذكر
الكبرياء في الفاتحة لأنه جاء في الجاثية ذكر المستكبرين بغير حق * ويل لكل أفاك
أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم .
وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين* *الجاثية الآيات 7-9* دل
على مظهر من مظاهر الاستكبار لذا ناسب أن يرد ذكر الكبرياء في السموات والأرض.
فسبحانه وتعالى يضع الكلام بميزان دقيق بما يتناسب مع السياق العام
للآيات.
الحمد
لله: جاء سبحانه وتعالى باسمه العلم *الله* ،لم يقل الحمد للخالق أو القدير أو أي
اسم آخر من أسمائه الحسنى فلماذا جاء باسمه العلم؟ لأنه إذا جاء بأي اسم آخر غير
العلم لدل على انه تعالى استحق الحمد فقط بالنسبة لهذا الاسم خاصة فلو قال الحمد
للقادر لفهمت على انه يستحق الحمد للقدرة فقط لكن عند ذكر الذات *الله* فإنها تعني
انه سبحانه يستحق الحمد لذاته لا لوصفه.
من
ناحية أخرى " الحمد لله " مناسبة لما جاء بعدها *إياك نعبد* لأن العبادة كثيرا ما
تختلط بلفظ الله. فلفظ الجلالة *الله* يعنى الإله المعبود مأخوذة من أله *بكسر
اللام* ومعناها عبد ولفظ الله مناسب للعبادة وأكثر اسم اقترن بالعبادة هو لفظ الله
تعالى *أكثر من 50 مرة اقترن لفظ الله بالعبادة في القرآن* لذا فالحمد لله مناسب
لأكثر من جهة.
"
الحمدُ لله " أولى من قول الحمد للسميع أو العليم أو غيرها من أسماء الله الحسنى.
وقول الحمد لله أولى من قول أحمد الله أو الحمدَ لله أو حمداً لله أو إن الحمد لله
أو الحمد للحي أو القادر أو السميع أو البصير. جلت حكمة الله سبحانه وتعالى وجل
قوله العزيز.