إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من
شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصلى الله
عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى، بعث نبيه محمدا صلى
الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، فصلوات
ربي وسلامه عليه، قال الله جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا
أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ))
.
ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة استشهد
الناس فقال: (هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اشهد، اللهم
اشهد) فما من خير يقرب إلى الجنة إلا ودل أمته عليه، وما من شر يُغضب الله عز وجل
إلا وحذر الأمة منه، صلى الله عليه وسلم.
ولقد أعطى الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم
جوامع الكلم، يتكلم بكلمات يسيرات، فيها من المعاني الشيء الكثير، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يحدث عن أخبار من قبلنا من الأمم، من أجل الاتعاظ والاعتبار، فمن
ذلك ما حدث به النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (إن ثلاثة كانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف، فأوصد عليهم، قال
قائل منهم: تذاكروا أيكم عمل حسنة لعل الله عز وجل برحمته يرحمنا، فقال رجل منهم:
قد عملت حسنة مرة، كان لي أجراء يعملون فجاء عمال لي فاستأجرت كل واحد منهم بأجر
معلوم، فجاءني رجل ذات يوم وسط النهار فاستأذنته بشطر أصحابه –أي: بنصف أجرتهم-
فعمل في بقية نهاره كما عمل كل رجل منهم في نهاره كله، فرأيت علي في الذمام ألا
أنقصه مما استأجرت به أصحابه، لما جهد في عمله، فقال رجل منهم: أتعطي هذا مثلما
أعطيتني ولم يعمل إلا نصف نهار، فقلت: يا عبد الله لم أبخسك شيئا من شرطك وإنما هو
مالي أحكم فيه ما شئت، قال: فغضب وذهب وترك أجره، قال: فوضعت حقه في جانب من البيت
ما شاء الله، ثم مرت بعد ذلك بقر فاشتريت به فصيلة من البقر، فبلغت ما شاء الله عز
وجل، فمر بي بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه فقال: إن لي عندك حقا فذكرني به حتى
عرفته فقلت: إياك أبغي، هذا حقك، فعرضته عليه جميعها، فقال: يا عبد الله لا تسخر
بي أعطني حقي، قلت: والله لا أسخر بك، إنها لحقك مالي منها شيء، فدفعتها إليه
جميعا، اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا، قال: فانصدع الجبل حتى رأوا
وأبصروا، قال الآخر: قد عملت حسنة مرة، كان لي فضل فأصابت الناس شدة، فجاءت امرأة
تطلب مني معروفا، قال فقلت: والله ما هو دون نفسك، فأبت علي فذهبت، ثم رجعت
فذكرتني بالله، فأبيت عليها وقلت: والله ما هو دون نفسك، فأبت علي وذهبت، فذكرت
لزوجها، فقال: أعطيه نفسك وأغني عيالك، فرجعت إلي فناشدتني بالله فأبيت عليها
وقلت: والله ما هو دون نفسك، فلما رأيت ذلك أسلمت إلي نفسها، فلما تكشفتها وهممت
بها ارتدعت من تحتي فقلت ما شأنك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين، فقلت لها: تخافينه
في الشدة ولم أخفه في الرخاء، قال: فتركتها وأعطيتها ما يحق علي بما تكشفتها،
اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا، قال: فانصدع حتى عرفوا وتبين لهم، قال
الآخر: عملت حسنة مرة، كان لي أبوان شيخان كبيران، وكان لي غنم، فكنت أطعم أبوي
وأسقيهما، ثم رجعت إلى غنمي، قال: فأصابني يوم غيث حبسني، فلم أبرح حتى أمسيت،
فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت غنمي قائمة، فمضيت إلى أبوي، فوجدتهما قد ناما، فشق
عليّ أن أوقظهما، وشق أن أترك غنمي، فما برحت جالسا ومحلبي على يدي حتى أيقظهما
الصبح فسقيتهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا، قال النعمان بن بشير: لكأني
أسمع هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: الجبل طار، ففرج الله عنهم
فخرجوا) قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة: "أخرجه الإمام أحمد
وإسناده جيد متصل، وهو في الصحيحين وغيرهما، من حديث عبدالله بن عمر بنحوه، وإنما
آثرت هنا تخريجه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، لأنه حوى تفاصيل بعض
الأمور التي لم ترد فيه، مع استقامة إسناده" انتهى كلامه رحمه الله.
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فيه فوائد:
فيه: فضل بر الوالدين، فإن هذا توسل إلى الله عز وجل
ببره بوالديه، ففرج الله عنه وأنجاه. وعُلم منه تحريم عقوقهما، وقد جاء في الحديث
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له
في أثره فليصل رحمه)، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من العقوق وقطع الرحم فقال:
(ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة
من البغي وقطيعة الرحم)، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على بر الوالدين في حياتهما
وبعد مماتهما بالدعاء لهما، فإن ابن آدم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث، ومنها:
(أو ولد صالح يدعو له) كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك: الإحسان إلى
رفيقهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن
يولي).
ومن فوائد هذا الحديث: الحث على حفظ حقوق الأجراء
والعمال، وتحريم أكلها بالباطل، فانظروا كيف أنجى الله عز وجل هذا الرجل لما حفظ
حق هذا الأجير ولم يضيعه، بل نماه له وكثره، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال: (يقول الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، وذكر منهم
النبي صلى الله عليه وسلم: ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) أو كما
قال صلى الله عليه وسلم، فليحذر أولئك الذين يأكلون أجر العمال، فإن الله عز وجل
هو خصمهم يوم القيامة، وسيأخذ للمظلوم حقه من حسنات الظالم. وكذلك يحرم على العامل
أن يأكل مال مستأجره أو يفرط في العمل ويخونه ثم يأخذ بعد ذلك أجره كاملا، فإن
الله عز وجل سينتقم لمستأجره، وسيأخذ منه حقه يوم القيامة.
ومن فوائدها: الترغيب في العفة، وترك الفواحش، والتحذير
من الزنا، فإن الله سبحانه وتعالى أنجى هذا لما كان عفيفا بعيدا عن الزنا، خائفا
من الله سبحانه وتعالى بالغيب، فترك الزنا بعد أن تمكن منه، ودفع للمرأة المال،
يقول الله عز وجل: ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء
سَبِيلاً))[الإسراء:32].
ومن فوائدها: جواز التوسل بالعمل الصالح، فإن هؤلاء كما
تقدم في الحديث قالوا: (لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله عز وجل بصالح أعمالكم، فتوسل
كل واحد منهم بعمل صالح.
والتوسل على نوعين:
نوع منه مشروع: فمن ذلك التوسل بالعمل الصالح كما تقدم
في قصة هؤلاء الثلاثة، فيتوسل إلى الله عز وجل بعمل صالح عمله، يقول: اللهم إني
فعلت كذا وكذا ابتغاء وجهك، فافرج عني ما أنا فيه.
ومن ذلك: التوسل بتوحيد الله عز وجل، كما قال يونس عليه
السلام لما كان في الظلمات نادى الله عز وجل، قال الله عز وجل: ((فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ))[الأنبياء:87-88]، قد جاء في الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم: (أن دعوة ذي لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها
مسلم إلا استجاب الله له) وهو مأخوذ من قوله عز وجل: ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)).
ومن ذلك: التوسل إلى الله بإظهار الفقر والضعف، كما قال
موسى عليه السلام: ((رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ))[القصص:24]،
وقال أيوب عليه السلام: ((رب إني مسني وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي
مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ))[الأنبياء:83].
ومن ذلك: التوسل إلى الله بالاعتراف بالذنب، كما قال
موسى عليه السلام: ((رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ))[القصص:16]،
وقال آدم وزوجه: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))[الأعراف:23].
ومن ذلك: التوسل بدعاء الرجل الصالح الحي، لأن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في زمن عمر بن الخطاب إذا خرجوا يستسقون،
يخرجون بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول عمر رضي الله عنه:
"اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا،
قم يا عباس، فيقول العباس فيدعو ويؤمنون" والمراد بقوله: إنا نتوسل إليك بعم
نبينا، أي: بدعائه رضي الله عنه وأرضاه، فلا حرج أن يطلب الدعاء من رجل صالح في
مثل هذه المواطن.
أما التوسل الممنوع:
فمنه: التوسل بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك
أن للنبي صلى الله عليه وسلم مقاما عظيما، فهو سيد ولد آدم، وهو خليل الله عليه
الصلاة والسلام، اتخذه الله خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وكلمه الله عز وجل ليلة
الإسراء والمعراج، وهو أفضل الرسل والأنبياء، وهو خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه
عليه، ومن حقه علينا عليه الصلاة والسلام أن نقتفي أثره، ونتبع سنته، ومن ذلك أن
ندعوا ونتوسل إلى الله عز وجل بما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد
في كتاب ولا سنة التوسل إلى الله بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بجاه
أوليائه، ونحو ذلك، وأما ما يروى في الحديث: (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن
جاهي عند الله عظيم) فإن هذا الحديث ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ولو ثبت لأخذنا به، محبة واقتفاء واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك: التوسل بحق النبي صلى الله عليه وسلم أو بحق
الأولياء.
ومن ذلك: التوسل بذوات الأولياء والصالحين.
ومن ذلك: التوسل بالموتى والمقبورين، فيتوسل بهم، أو
يأتي عند قبورهم ليدعو الله عز وجل. كل هذا لا دليل عليه، وهو خروج عن سنة النبي
محمد صلى الله عليه وسلم؛ والعجب ممن يخرج عن الطريق السوي الموصل إلى المقصود،
ومن ذلك التوسلات المشروعة، الواردة في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى هذه التوسلات البدعية.
ومن فوائد هذه القصة: إثبات الكرامات، والكرامة: أمر
خارق للعادة يجريه الله على يد ولي من أوليائه، كما حصل لمريم عليها السلام، لما
كان يأتيها فاكهة الشتاء أو طعام الشتاء في الصيف، وطعام الصيف في الشتاء، كما ذكر
ذلك أهل التفسير، قال الله عز وجل: ((كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا
الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا
قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ))[آل عمران:37]. ومنها: ما حصل لهؤلاء، حيث أنجاهم الله عز وجل، فابتعدت
هذه الصخرة التي كانت تسد عليهم، فخرجوا فأنجاهم الله سبحانه وتعالى، فأهل السنة
يثبتون الكرامات للأولياء، ويحبون أولياء الله، ويتقربون إلى الله سبحانه وتعالى
بحب المؤمنين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:
ومنها: أن يحب الرجل لا يحبه إلا لله)، وأولياء الله ذكرهم الله عز وجل بصفاتهم في
كتابه فقال: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ))[يونس:62-63] وأما أولئك
الذين يسلكون الطرق البدعية، فيجتمعون في المساجد وغيرها على الحضرات المبتدعة،
فيجتمعون في الحضرة في إنشاد وتصفيق وضرب للدفوف، وقراءة للقصائد التي فيها دعاء
لغير الله عز وجل، وطلب المدد من غيره سبحانه وتعالى، ويشركون بالله عز وجل،
فيبنون القباب على قبور الأولياء والصالحين، ويتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى
بالإشراك بهم، ودعائهم وطلب المدد منهم، وكذلك بالعكوف عند قبورهم حتى تنزل عليهم
الفيوضات، كل ذلك من الشرك والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وليس هذا من محبة
أولياء الله عز وجل، فإن الولي حقا يكره أن يدعوه أحد من الناس، ولهذا فإن أولئك
الذين يدعون الأولياء كعلي والحسين والجيلاني وغيرهم من الأولياء لا شك أنهم من
أعدى أعداء أولياء الله عز وجل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله
اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) وقال: (أولئك إذا مات
فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق
عند الله يوم القيامة).
ومن فوائدها: الحرص على الدعاء، فإن هؤلاء دعوا الله عز
وجل، فاستجاب الله دعاءهم، فمن وقع في كربة، فليرفع يديه لربه جل وعلا وليدعُ،
يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ
بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))[البقرة:186].
وفي هذا الحديث شاهد لقوله صلى الله عليه وسلم: (تعرف
إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) فاحرص في زمن الرخاء على العمل الصالح،
والصدقة والإحسان إلى عباد الله عز وجل، والعفة والبعد عن الفواحش، فإن الله ينجيك
في الشدائد بذلك، قال الله جل وعلا في يونس عليه السلام لما أنجاه في الظلمات: ((فَلَوْلَا
أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ
يُبْعَثُونَ)).
ومنها: الحث على الإخلاص، لأن هؤلاء دعوا الله عز وجل
بعمل أخلصوا فيه، قال أحدهم: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن
فيه.
ومن فوائدها: عدم اليأس من روح الله عز وجل، فهؤلاء
كانوا في الغار، وقد وقعت الصخرة فسدت عليهم فمن يسمعهم ومن ينجيهم، لكنهم لم
ييأسوا من روح الله عز وجل، فمن وقع في ضيق وشدة وكربة فلا ييأس من رحمة ربه
الواحد القهار، قال الله عز وجل: ((وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ
الضَّآلُّونَ))، وقال الله سبحانه وتعالى: ((وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ
إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ))، وقد
بشر الله أهل العسر باليسر فقال: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْراً)).
ومن فوائدها: الحذر من المعاصي، فالطاعات يفرج الله بها
عن العبد، أما المعاصي فإنها على ضد ذلك، وقد روي في الحديث: (إن العبد ليحرم
الرزق بذنب يصيبه) والعقوبات تنزل إذا فشت المعاصي، قال الله جل وعلا: ((ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))، وقال الله
سبحانه وتعالى: ((فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا
عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ
خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)).
بالمقابل، بشر أهل الطاعة بالرزق والأجر في الدنيا
والآخرة، قال الله عز وجل: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً))، وقال الله سبحانه وتعالى: ((وَلَوْ أَنَّ
أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ
يَكْسِبُونَ))، وقال نوح عليه السلام لقومه: ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً))،
وقال هود عليه السلام لقومه: ((وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ
تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً
إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ)).
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا
نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول
وعمل.