لماذا قال صراط الذين
أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟
أي
لماذا عبر عن الذين أنعم عليهم باستخدام الفعل *أنعمت* والمغضوب عليهم والضالين
بالاسم؟
الاسم
يدل على الشمول ويشمل سائر الأزمنة من المغضوب عليهم والدلالة على الثبوت. أما
الفعل فيدل على التجدد والحدوث فوصفه أنهم مغضوب عليهم وضالون دليل على الثبوت
والدوام.
إذن فلماذا لم يقل المنعم عليهم للدلالة على
الثبوت؟
لو قال
صراط المنعم عليهم بالاسم لم يتبين المعنى أي من الذي أنعم إنما بين المنعِم *بكسر
العين* في قوله * أنعمت عليهم * لأن معرفة المنعِم مهمة فالنعم تقدر بمقدار
المنعِم *بكسر العين* لذا أراد سبحانه وتعالى أن يبين المنعم ليبين قدرة النعمة
وعظيمها ومن عادة القرآن أن ينسب الخير إلى الله تعالى وكذلك النعم والتفضل وينزه
نسبة السوء إليه سبحانه *وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم
رشدا* *الجن آية 10* والله سبحانه لا ينسب السوء لنفسه فقد يقول *إن الذين لا
يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون* *النمل آية 4* لكن لا يقول زينا لهم
سوء أعمالهم *زين لهم سوء أعمالهم* *التوبة آية 37* *زين للناس حب الشهوات * *آل
عمران آية 14* *وزين لفرعون سوء عمله*. *غافر آية 37* *أفمن زين له سوء عمله* *فاطر
آية 8* *وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم* *الأنفال آية 48* أما النعمة فينسبها الله
تعالى إلى نفسه لأن النعمة كلها خير *ربي بما أنعمت علي* *القصص آية 17* *إن هو إلا
عبد أنعمنا عليه* *الزخرف آية 59* *وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا
مسه الشر كان يؤوسا* *الإسراء آية 83* ولم ينسب سبحانه النعمة لغيره إلا في آية
واحدة *وإذ تقول للذي انعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك* *الأحزاب آية 37*
فهي نعمة خاصة بعد نعمة الله تعالى عليه.
لماذا قال " المغضوب
عليهم " ولم يقل أغضبت عليهم؟
جاء
باسم المفعول وأسنده للمجهول ولذا ليعم الغضب عليهم من الله والملائكة وكل الناس
حتى أصدقاؤهم يتبرأ بعضهم من بعض حتى جلودهم تتبرأ منهم ولذا جاءت المغضوب عليهم
لتشمل غضب الله وغضب الغاضبين.
غير المغضوب عليهم ولا
الضالين: لم كرر لا؟
وقال
غير المغضوب عليهم والضالين؟ إذا حذفت *لا* يمكن أن يُفهم أن المباينة والابتعاد هو
فقط للذين جمعوا الغضب والضلالة فقط ، أما من لم يجمعها *غير المغضوب عليهم ولا
الضالين* فلا يدخل في الاستثناء ، فإذا قلنا مثلا : لا تشرب الحليب واللبن الرائب
*أي لا تجمعهما* أما إذا قلنا : لا تشرب الحليب ولا تشرب اللبن الرائب كان النهي عن
كليهما إن اجتمعا أو انفردا.
فلماذا قدم إذن المغضوب
عليهم على الضالين؟
المغضوب عليهم : الذين عرفوا ربهم ثم انحرفوا عن
الحق وهم اشد بعدا لان ليس من علم كمن جهل لذا بدأ بالمغضوب عليهم وفي الحديث
الصحيح أن المغضوب عليهم هم اليهود وأما النصارى فهم الضالون. واليهود أسبق من
النصارى ولذا بدأ بهم واقتضى التقديم.
وصفة
المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود وهي صفة إبليس عندما أُمر بالسجود لآدم
عليه السلام وهو يعرف الحق ومع ذلك عصى الله تعالى وهي أول معصية ظهرت على الأرض
أيضاً عندما قتل ابن آدم أخاه فهي إذن أول معصية في الملأ الأعلى وعلى الأرض *ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه* *النساء آية 93* ولذا
بدأ بها.
أما
جعل المغضوب عليهم بجانب المنعم عليهم فلأن المغضوب عليهم مناقض للمنعم عليهم
والغضب مناقض للنعم.
خاتمة
سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد في السورة من أولها إلى آخرها فمن لم يحمد الله
تعالى فهو مغضوب عليه وضال ومن لم يؤمن بيوم الدين وأن الله سبحانه وتعالى مالك يوم
الدين وملكه ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة ومن لم يهتد إلى الصراط
المستقيم فهم جميعاً مغضوب عليهم وضالون.
ولقد
تضمنت السورة الإيمان والعمل الصالح، الإيمان بالله *الحمد لله رب العالمين* واليوم
الآخر *مالك يوم الدين* والملائكة والرسل والكتب *اهدنا الصراط المستقيم* لما
تقتضيه من إرسال الرسل والكتب. وقد جمعت هذه السورة توحيد الربوبية *رب العالمين*
وتوحيد الإلوهية *إياك نعبد وإياك نستعين* ولذا فهي حقاً أم
الكتاب.