الفكر التجسيمي أقرب إلى الوثنية منه إلى التوحيد
تعالوا نحلل معاً خطر الفكر التجسيمي على التوحيد من خلال النقاط الآتية:
إثبات الجسمية و لوزامها هو دعوة للوثنية:
المتأمل في طائفة المجسمة يجد أن دعوتهم ترسخ في نفوس الناس الوثنية أكثر من ترسيخها لمفهوم التوحيد وهذا ملاحظ في كلامهم وفي تفاصيل دعوتهم مع أنهم يظهروا للعامة أنهم هم أهل التوحيد وهذا تضليل واضح منهم للعامة وبسطاء الناس أما اهل العلم فالحقيقة واضحة بالنسبة لهم .
فالملاحظ انهم يحاولون أن يزرعوا في نفوس الناس أن الله تعالى تجري عليه أحكام الاجسام من الجهة والحد والمكان والزمان وغيرها ما يسمونه بصفات الافعال او الصفات الخبرية كما يحلو لابن تيمية وابن عثيمين ان يسميها كالنزول والضحك والغضب والحركة والنقلة والمشي والهرولة وغيرها، فبالله عليكم بعد أن نثبت لله تعالى هذه الصفات الملازمة لمفهوم الجسمية وهذه القضايا التي لا تصدر الا عن جسم هل يبقي معنى للإله إلا أن يكون جسما تجري عليه الاجسام فلو قلنا لشخص ارسم لنا هذا الموجود الذي اوصافه كذا وكذا كما يقول المجسمة لاستطاع اي شخص أن يرسم صورة تقريبية للعرش ثم الكرسي فوقه ثم الاله فوق الكرسي وفوق العرش ثم يرسم لنا يديه وعينيه ورجله ووجهه وغيرها من الاوصاف التي يثبتونها بحجة انهم يثبتون لله ما يثبته لنفسه أوليس الله تعالى ايضا أثبت لنفسه أنه ليس كمثله شيء ولكنهم أشربوا في قلوبه التجسيم نسأل الله تعالى السلامة.
الخطر في دعوة التجسيم:
من الأسباب التي جرت الامم السابقة لعبادة الاصنام هي محاولة تجسيد الاله، وهذا ما وقع لكثير من الامم السابقة فهم أرادوا ان يجسدوا الاله ليكون أقرب لنفوسهم ليسهل التعامل معه فأخذوا يرسمون الأله على الحجارة وينحتونها بأيديهم ولذلك قال الله تعالى عنهم : (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فهم اولاً بنص صريح الآية يعبدونها، ولكن يعبدون ماذا؟ يعبدون صفات الإله التي يرونها مجسده على الحجارة إذن هناك عبادة حقيقية وعللوا سبب العبادة أنهم يريدون من هذه العبادة أن يقربوا إلى أذهانهم صورة الاله فيتخيلونها على الحجارة ليقربهم هذا التخيل إلى الله تعالى.
وأيضا قال تعالى أفتعبدون ما تنحتون) إذن هم كانوا ينحتونها ليعبدوها لأنهم كانوا يرون فيها صفات الاله التي كانوا يجسدونها على هذه الاحجار ولا يعبدون نفس الحجر في البداية، والآية صريحة في انهم يعبدونها ولا يتصور من عاقل ان يعبد من هو أقل منه رتبة في الوجود إلا في حالة واحدة انهم كانوا يرون صفات الاله أو يرون معني معينة في هذه الاحجاروهذا التجسيد للإله هو من أحد الأسباب التي ادخل الوثنية للأمم .
وهناك سبب آخر ورد في بعض الأحاديث وهو عمل التماثيل لبعض الصالحين ثم عبادتها:
ولكن حتى هذا السبب يعود لما ذكرنا من قبول فكرة التجسيم على الأله وذلك أنهم بعد ذلك عبدوا هذه الاصنام ولكن ما عبدوها إلا لأنهم أجازوا أن يكون الاله جسدا ولو كانت فكرة التجسيم غير جائزة عندهم لما عبدوها بعد ذلك فالمصيبة الأكبر ليس في عمل التماثيل لهم بل في قبولهم لفكرة تجسيد الأله فهذا السبب لا يختلف من حيث التحليل عن السبب الأول.
ولذلك نحن نقول من يدعو الناس للتجسيم ويصر عليه ويرى به أنه لا بأس به ويرى أنه لم يرد ذم له في كتاب ولا سنة وغير ذلك من العبارات التي تروق لهم من الدفاع عن فكرة التجسيم وأن التجسيم هو إثبات لله تعالى ما أثبته لنفسه هؤلاء في الحقيقة يرسخون في الامة فكرة الوثنية من جديد وهم دعاة وثنية لا دعاة توحيد.
فإن أهم ركن من أركان التوحيد هو أن تفصل في الاعتقاد بين صفات الخالق وبين صفات المخلوق وبين حقيقة ذات الخالق وحقيقة ذات المخلوق، لذلك نحن نتكلم في التوحيد عن حقائق لا عن كيفيات فأهل السنة يقولون إن حقيقة ذات الله تعالى وصفاته وافعاله لا تشبه حقيقة ذات المخلوق ولا صفاته ولا أفعاله لا أن الاختلاف بين الخالق والمخلوق فقط من حيث الكيف أن الله لا يشبه من حيث الكيف المخلوق كما يقولون، فهذا كلام باطل وهذا لا ينجيهم من التجسيم ابدا.
لأن عين التوحيد أن تفصل في الحقيقة لا في الكيفية وهذه النقطة مهمة جدا لفهم كلا من طريقة اهل السنة وطريقة المجسمة فالمجسمة يرون الاختلاف فقط من جهة الكيف لا الحقيقة واهل السنة يرون الاختلاف من جهة الحقيقة ولذلك لا يثبتون كيفا لله تعالى لأن حقيقة ذاته لا تقتضي الكيف لأنها لو اقتضت للزم أن تكون الحقيقة واحدة وهذا السر في رفض أهل السنة لمبدأ الكيف مطلقا لأن الحقيقة عندهم في الله تعالى لا تقتضي الكيف بخلاف المجسمة الذين يجيزون ان يكون لله كيفا ولكن يختلف عنا وهذا تصريح منهم بأن الاصل وهو الحقيقة الالهية يجوز عليها الكيف وجواز الكيف على الله تعالى يعني أن حقيقته لا تختلف عن حقيقة المخلوقين.
لا يوجد مجسم منسجم مع اعتقاده :
التجسيم من أخطر الدعوات التي تدخل على الامة في محاولة تصوير الاله أو تخيله فلا يوجد انسان يثبت لله تعالى هذه الصفات التي يثبتها الوهابية من المكان والحد والجهة والعين واليد والساق والنزول الضحك وغيرها ولا تقع صورة في خياله بعد هذه الاوصاف للإله الذي يعبده لأن كل هذه الاوصاف ملازمة ملازمة ظاهرة للأجسام ومن يقول منهم غير ذلك فهو مكابر متناقض أو لا يفهم ما يقول .
هنا نبين نقطة ثانية في اعتقاد المجسمة وهو أنهم لا يمكن أن يوفقوا بين نصوص الشرع من جهة ولا بين ما يثبتونه ويتصورونه من جهة أخرى هذا ولّد عند المجسمة تناقضا عجيبا في نفوسهم ولذلك لا تجد مجسما يستطيع أن يبين لك حقيقة اعتقاده فلو قلت كيف تثبت لله تعالى المكان اليس هذا يلزم منه التجسيم يقول نحن ثبت لله ما اثبته لنفسه تقول له اين ذلك؟ يقول في قوله تعالى ءأمنتم من في السماء) فهذا اضطراب واضح يهربون من بيان عقائد التجسيم ليتستروا ببعض النصوص المتشابهة التي الأصل أنها تفهم على ضوء المحكمات كقوله تعالى ليس كمثله شيء) .
هذا الهروب والضبابية في اعتقادهم يجعلهم غير منسجمين في كلامهم فتشعر بين ثنايا كلامهم ترددا واضحا وهروبا فاضحا من حقيقة التجسيم الذي اشربوه في قلوبهم ليقولوا كلاما عاما متشابها يحتمل معان كثيره هذا ما قاله الله تعالى عنهم فأما الذين في قلوبهم الزيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابنتغاء تأويله...) والتبيع في اللغة وهو صغار البقر حيث يكون تابعا لأمه عادة لأنها هي الاصل فهل يجوز أن يكون التبيع هو الاصل ويمشي لوحده بالتاكيد سيضل وكذلك الوهابية المجسمة هم كالتبيع الذي يريد ان يمشي لوحده بدون أمه لذلك ضلوا والاصل أن يمشوا وراء المحكم وليس المتشابه وهذا سبب اصلي من اسباب ضلالهم، وهو بناء عقائدهم على ما تشابه من النصوص وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فتراهم يحشدون الأدلة المتشابه بكل قوة على فهمهم الزائغ عن الله تعالى وهم يعيشون في أوهام تجسيمهم