لكل شـعـب مـن الـشـعـوب قائـمة من العادات
والتقاليد التي ترسبت في أعماق أفراده على مر الزمان وأصبحت تعكس علاقاته
بالحياة ومفرداتها وأحـداثها في صـورة طقوس معينة أو أفعال خاصة يتفاعل من
خلالها مع ما يواجهه في رحلة الأيام من مناسبات مختلفة
وفي داخل كل شـعب توجد بعض الاختلافات في هذه
القائمة من مكان لآخر فتنزوي بعض تلك الطقوس أو يضاف عليها أو ينقص منها ما
يعكس شخصية الجماعة أو أحوالها المادية والثقافية
فمما لا شك فيه اختلاف الظروف الحياتية بين مجتمع المدينة ومجتمع القرية في مصر مثلا أو مجتمع الحضر والبدو في دول الخليج .. وهـكـذا
ولا شك في أن محاولة انتقاء العادات والتقاليد لشعب
كبير كالشعب المصري تعد عملا شاقا ويحتاج الى جهد الكثير من الدارسـين
العارفين لهذا الشعب وجذوره الثقافية والعقائدية المتعددة الملامح
والتوجهات
ولهذا سأحاول الحديث عن جانب ( العـادات والتـقـالـيد في الأريـاف ) نظرا لمعايشتي جانبا منها وارتباطي بها وممارستها بعفوية أو باقتناع
يعتبر شهر رمضان والحج والأعـياد والحصاد والزواج والوفاة والحرائق من أكبر المناسبات السنوية التي يتفاعل معها أهل الريف المصري
ولكل مناسبة منها طقوسه الخاصة التي يمارسها الصغار والكبار كل في مكانه من الجماعة ..
ففي رمضان كانت البهجة بقدوم هذا الشهر لا تعدلها
بهجة .. لأنه يحمل من الخير الكثير والكثير .. بداية من العناية بأنواع
الطعام والشراب التي قد لا تتوفر طوال العام إلا في هذا الشهر الكريم ..
ومرورا بحتمية شراء الملابس والأحذية الجديدة التي سنستقبل بها العيد بدلا
من ملابس وأحذية العام الماضي وما قبله التي اهترأت وقصرت وأصبحت غير قابلة
للاستعمال .. وانتهاءا بالعيدية التي تجمع في الأيدي مبلغا لا بأس به ..
يظل في ملكيتنا مدة قد تصل إلى شهر أو أكثر .. وقد تصل بقاياها إلى عيد
الأضحى فتضاف إلى ما سيتجمع فيه من عيدية أخرى .. فالمظاهر والطقوس التي
تحيط بهذا الشهر وتصحبه .. وتعـقـبه كثيرة ومتعددة ..
سأتـوقـف مـعـكم عـنـد بعضها الواضح الملامح .. والذي قد لا يتخلله كثير من الاختلافات في الريف المصري
وأهم مظاهر هذه الاحتفالات كانت هي .. الـزفـة ..
والمقصود بتلك الزفة أن يقـوم كل جزار في القرية
بعـرض الذبيحة التي سيقوم بذبحها في أول أيام رمضان .. وكانت تبدأ قبل
رمضان بيوم أو يومين على الأكثر .. حيث يكون الذبح في أول أيام رمضان
وتلك الزفة كانت تنطلق في شوارع القرية يتقدمها ولد
قوي ( واعي ) عادة ما يكون أحد أبناء الجزار أو من أقاربه يـقـود الـعـجـل
او العجلين ( البقري أو الجاموسي ) الذي سيقوم هذا الجزار بذبحه أو ذبحهما
اليوم أو غدا ( حسب رؤية الهلال ) ويكون هذا العجل مزينا بالأشرطة الملونة
والـعـقـود الحبلية المعلق بها الأجراس النحاسية وكذلك العقود الأخرى التي
تحمل الورود الملونة المصنوعة من ألياف النخيل أو قصاصات التيل أو ورق
الكروشيه .. أو قصاقيص الملابس .. وكل ذلك مصبوغ بالألـوان الزاهية ..
الأصفر والأحمر والأزرق
ويتجمع أطفال الحي من عمر ثلاث سنوات إلى العاشرة أو
فوقها بقليل .. من بعد صلاة العصر ثم تنطلق الزفة تجوب الشوارع وقد
يصاحبها أحد الضاربين على الدف وتنطلق الأهازيج والأغاني والجمل الإعلانية
عن اسم الجزار يقود هذا الفريق الغنائي عازف الدف بصوته الجهـوري ..
والأطفال يرددون ما يقوله جملة بجملة ..
ــ الصلا ع الزين .. الصلا ع الزين ...
والطـفـال ( الكورس ) يرددون ( الصلا ع الزين الصلا ع الزين )
ــ من دا بـكـرة بـيـقـيـرشـين
والأطـفـال يرددون ( من دا بكرة بيقيرشين )
ــ في بيت كامل ابو العينين
والاطفال يرددون ( في بيت كامل ابو العينين )
ومن أجمل تلك الغـنائيات التي حفظتها من هذ الزفة
الحلوة دي مـتـزوقـة .... مخطوبة مش مـتـطـلـقة
بكرة هـتبقى مـعـلـقة .... إلحـق ودوق المرقـة
وتمتاز هذه المعزوفة الشعبية بأنها موزونة و يرددها
كل الجزارين لأنها لا تحمل اسم احدهم كما أنها مركزة وتعكس رؤية الجزار
والزبون والمجتمع لهذه العروس ( الذبيحة )
فالجزار يعلن أن
ذبيحته حلـوة .. ( فهي متزوقة ) وصغيرة السن (صبية مخطوبة ) .. وليست كبيرة
ولا خارجة من الخدمة في الحقول ( مش مطلقة ) الحق منها ولو حتى جزء صغير
تعمل منه مـرقة
وكذلك تعكس نظر الزبون ..فهو
يريد الصبية الصغيرة ويفضلها .. ولا يرغب في المطلقة المستكفية خدمة في
الزراعة وغيرها لأن لحمها يكون جامدا ولا تستوي بسرعة .. وأن المرقة منها
حلوة فما بالك باللحم
وكذلك تعكس رؤية المجتمع وتفضيله للبنت الصغيرة عند الزواج عن المرأة المطلقة التي ذهبت قوتها وقل خيرها
وهكذا استطاعت تلك القصيدة الشعبية البسيطة من
القيام بالإعلان وإضفاء المميزات الجميلة على السلعة المعروضة وإغـراء
المشتري وحثه على الشراء على خير وجه بما يفوق إعلانات الكليب التي قد
تخطيء هدفها وتأتي بنتيجة عكسية
ونظرا لخراب ذمة بعض الجزارين فقد كان يقوم بزفة عجل
صغير ثم يذبح غيره كبيرا في السن أو أنثى هزيلة .. ولهذا كان الآباء
الفاهمين يرسـلـون أطفالهم إن لم يذهبوا بأنفسهم ليشاهدوا ويتأكدوا أن
المذبوح هو نفـسه المزفـوف بالأمس ..
وكل عـام وأنـتم بـألـف خـيـر