الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذى خلقنا فسوانا ، وإلى الإسلام
هدانا ، ونسأله تعالى أن يجعل الجنة مثوانا .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا
شريك له يحيى ويميت وهو حى باقٍ لا يموت بيده الخير وهو على كل شيئ قدير .
لا
إله إلا الله .. عليها نحيا ، وعليها نموت ، وفى سبيلها نجاهد . وعليها نلقى الله
.
قال – صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله
إلا الله )
وقال – صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أكثروا من قول لا إله إلا
الله قبل أن يحال بينكم وبينها )
وسأل موسى ربه قال يا رب علمنى دعاءً أدعوك به
. قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال يا رب كل عبادك يقولون ذلك فعلمنى شيئًا
تخصنى به . قال يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع وما بينهن فى كفة ولا
إله إلا الله فى كفة لمالت بهن لا إله إلا الله .
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
وصفيه من بين خلقه وخليله الرحمة المسداة والنعمة المسداة والسراج المنير . أرسله
ربه على حين فترة من الرسل ففتح الله به عيونا عميا وأسمع به آذانا صما وهدى الله
به قلوبا غلفا .. اللهم صل عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
قال – صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا على
من الصلاة والسلام فيه فإن صلاتكم معروضة على قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت
قال إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) فاللهم صل علي محمد وعلى
آل محمد
وقال – صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من صلى على صلاة واحدة صلى الله
عليه بها عشرا ) فاللهم صل علي محمد وعلى آل محمد
وقال رجل يا رسول الله أرأيت
لو جعلت صلاتى كلها عليك قال : ( إذًا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك )
.
عباد الله
وإن المصلى الحقيقى على النبى – صلى الله عليه وآله وسلم – هو
الله سبحانه وتعالى لأننا لا نستطيع أن نعطيه حقه فنحن نقول اللهم صل أنت على محمد
( إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
)([1]) .
عباد الله
أوصيكم ونفسى بتقوى الله التى لا يرحم إلا بها ولا يقبل
إلا من أهلها قال تعالى ( إنما يتقبل الله من المتقين )([2])
أما بعد : فيا أخوة
الإيمان والإسلام
فقد روى الإمام أحمد وغيره أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى
الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – تقول له : ( يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن
الربيع قتل معك شهيدا يوم أحد وترك لهما مالا فجاء عمهما فأخذ المال ولا ينكحان إلا
بمال . فقال : يقضى الله فى ذلك .. فأنزل الله آيات المواريث فقضى للزوجة بالثمن
والبنتين بالثلثين والباقى للأخ عصبة ) .
ثلاث آيات فقط من كتاب الله تعالى بين
الله فيها نصيب كل وارث وهى أصل فى تقسيم المواريث .
ولو لاحظنا هذه الآيات
الثلاث لوجدناها جميعًا قد ختمت بصفة العلم .
الآية الأولى : ( فريضة من الله .
إن الله كان عليما حكيما )([3]) .
الآية الثانية : ( وصية من الله . والله عليم
حليم )([4]) .
الآية الثالثة : ( يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيئ عليم
)([5]) .
وكأن الله يقول لعباده ( أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ )([6])
.
عباد الله
وما إن نزلت هذه الآيات على رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم –
حتى انتدب أصحابه واستحثهم على تعلم علم الفرائض ( وهو علم المواريث ) فقال – صلى
الله عليه وآله وسلم – : ( تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه نصف العلم وهو ينسى
وهو أول شيئ ينزع من أمتى ) .
وروى الإمام أبو داود وغيره أنه – صلى الله عليه
وآله وسلم – قال : ( العلم ثلاث : آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنة ماضية . وما
سوى ذلك فهو فضل ) .
فاستجاب أصحاب الرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –
لهذا النداء والحث من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – .
* وممن تقدم فى
هذا العلم الصحابى الجليل زيد بن ثابت الذى مدحه الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم
– بقوله : ( أفرضكم زيد بن ثابت ) وبقوله : ( أرحم أمتى أبو بكر وأشدهم فى دين الله
عمر وأكثرهم حياءً عثمان وأفرضهم زيد بن ثابت ) .
* ومنهم أيضًا السيدة عائشة ..
فعن مسروق أنه قال : ( رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر
يسألونها عن الفرائض )
* ومنهم الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود الذى كان يلقب
بالحبر فى هذا الباب وغيره ، إذ قال سعد بن أبى وقاص عنه حول هذا العلم (
لا تسألونى مادام هذا الحبر فيكم ) .
* وممن تقدم وفاق فى هذا الباب وغيره
الإمام على بن أبى طالب إذ كان يخطب على منبر الكوفة فسئل عن مسألة عويصة فأجاب على
السائل فى جملة قصيرة ومضى فى خطبته وسميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية .. وكان
الإمام على يقول في خطبته : ( الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً . ويجزي كل نفس بما
تسعى. وإليه المآب والرُّجعى. فسُئِل عنها فأجاب على قافية الخطبة: " والمرأة صار
ثمُنها تُسعًا" ) ، ثم مضى في خطبته .
فانظر كيف حسب بداهةً، وأجاب سليقةً،
فتناغمت القوافى والمعانى .
* وكان الرجل إذا جمع هذا العلم نبل قدره وعظم فقد
روى الإمام مسلم أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة
فقال : مَنْ استعملتَ على أهل الوادي ؟ فقال : ابن أبزى ! قال : ومن ابن أبزى ؟ قال
: مولى من موالينا ! قال : فاستخلفتَ عليهم مولى ؟ قال : إنه قارئ لكتاب الله عز
وجل ، وإنه عالم بالفرائض ، قال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : إن
الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين .
عباد الله
وإن كثيرا ممن لا
دين لهم يتحايلون على أكل أموال الناس بالباطل وإسقاط نصيب غيرهم فى المواريث ومن
الأمور الشائعة فى ذلك ما يلى :
1- إسقاط نصيب النساء :
فإن كثيرا من الناس
- وللأسف الشديد - إذا كان له أخوات يستحققن الميراث فإنه يعمل جاهدا على إسقاط
حقوقهن وأكل أموالهن بالباطل راجعا بذلك إلى أيام الجاهلية الأولى التى كانت
النساء فيها يمنعن من الميراث عنوة .
2- المرأة إذا كان عندها بنت أو أكثر فإن
أقارب الزوج يستحقون جزءً من الميراث بالعصبة فإنها تشنع عليهم وتقول أنهم يريدون
أن يأكلوا أموال اليتامى وتريد أن تستحوذ هى وبناتها على جميع التركة .
3- الرجل
إذا كان عنده بنت أو أكثر وله أخوة أو أقارب أولاد عمومة ويعلم أنهم سيرثون مع
بناته فإنه يلجأ فى حياته أن يبيع لبناته بيعا وشراءً معرضًا بذلك عن حدود الله
تعالى .
وإن رجلا أتى مثل هذا العمل فأذله الله تعالى فى الدنيا قبل الآخرة فقد
تحايل على ذلك بأن كتب بيته لابنته الوحيدة بيعًا وشراءً حتى لا يأخذ إخوته معها فى
ميراثه .. ومرت الأيام فقامت البنت بكتابة البيت لزوجها ثم ماتت هذه البنت
.
فتزوج الزوج فى هذا البيت وطرد هذا الرجل إلى الشارع فلم يجد مَنْ يسأل عنه
إلا أخوته وأقاربه الذى تحايل عليهم قبل ذلك ليسقط نصيبهم من الميراث .
فمن أعلم
من الله عز وجل ؟!
ومن أحلم من الله عز وجل ؟!
ومن أحكم من الله عز وجل
؟!
4- الرجل يقسم على أولاده تركته وهو حى : وهذا من الأخطاء الشائعة فقد أجمع
العلماء على أن من شروط الميراث ( تحقق موت المورث ) إذ أنه ربما يموت أحد الورثة
فيغير تقسيم الميراث رأسًا على عقب . وقد يبلغ الرجل مثلا الستين عاما فيبدو له أنه
هالك لا محالة فيكتب لأولاده ويقسم بينهم وإذا به يُعافى من مرضه ويعيش عمرًا
مديدًا يتزوج فيه وينجب من امرأة أخرى فيكون أولاده الكبار فقط قد استحوذوا على
الثروة كلها وجار على أولاده الصغار . وإن الرجل لا يزال بخيرٍ مالكًا أمره ما دام
المال بيده والقرار بيده ..
ومما يروى فى ذلك أن رجلا قسم ماله بين أولاده
فأهملوه وتركوه . فلما وجد أولاده انصرفوا عنه حزن لذلك ، فجمعهم وقال يا أولادى
لقد قسمت عليكم مالا قليلا لكن ثروتى الحقيقية قد جعلتها فى صندوق فى حفرة تحت
سريرى هذا . فرجع أولاده يتسابقون لخدمته . هذا يأتى له بعباءة والآخر بقطعة قماش
والثالث بأكلة طيبة ومرت الأيام على ذلك حتى مات .
فلما كشفوا عن هذه الحفرة
وجدوا فيه صندوقا كبيرا مليئًا بأوتاد من خشب ومعها ورقة مكتوب فيها ( وتد ثم وتد
فى عين من يكتب ثروته وهو حى للولد ) .
5- رجل يمنع ولدا من أولاده لأنه عاق :
نقول له لا فمن عصى الله فيك فأطع الله تعالى فيه وقد حذر النبى من ذلك فقال : ( إن
الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة ثم يجور فى الوصية فيختم له بشر عمله )
أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم
.
....................
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان
إلا على الظالمين .
وأشهد ألا إله إلا الله ولى الصالحين .. الذى يرث الأرض ومن
عليها والذى قال ( وكنا نحن الوارثين )([7]) .
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده
ورسوله النبى الأمين
اللهم صل عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وسلم يا ربنا
عليهم تسليما كثيرا
أما بعد .. فيا أخوة الإيمان والإسلام
ثم ختم الله تعالى
آيات المواريث بقوله : ( تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ )([8]) .
( تلك حدود
الله ) لم يتركها لملك مقرب ولا لنبى مرسل إنما تولى قسمة ذلك بنفسه .
( وذلك
الفوز العظيم ) فالجنة حقا هى الفوز العظيم ( وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم
تعملون )([9]) ليس الفوز العظيم فى قطعة أرض ولا فى عقار زائل ولا فى مال يتحول
إنما الفوز العظيم هو فى جنة الرحمن .
وإياك أخى المسلم أن تظن أنك ستسعد بهذا
المال الذى تأكله من أصحابه فإنه سيلاحقك ويكون سببًا فى شقائك فى الدنيا قبل
الآخرة وصدق الله تعالى إذ يقول ( ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم
القيامة أعمى )([10]) .
* فيا من تأكل ميراث أهلك وذويك ، وتقطع أرحاما كان يجب
عليك وصلها ، وتأكل أموالا كان عليك صيانتها ، وتؤصل عداوات تتوارثها الأجيال ، اتق
الله وأعط كل ذى حق حقه .
* ويا أهل كل ميت بادروا بتقسيم ميراثه إن وجد حتى لا
يثقل ذلك بعد ذلك ويكون هذا المال سببا فى قطيعتكم . ولأنه يسهل على الأخوة
والأخوات أن يتقاسموا المال ويتراحموا فيما بينهم أكثر من أجيال صغيرة تنشأ ليس لها
نفس التراحم الموجود بين الأخوة .
أسأل الله تعالى أن يعلمنا أمور ديننا وأن
يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم .
عباد الله
ما من يوم جمعة إلا وفيه ساعة
إجابة ندعو الله تعالى خاشعين ضارعين أن تكون هذه الساعة
اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا مولانا سميع قريب
الدعوات ..
اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا
وأنثانا ..
اللهم لا تدع لنا فى مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا دينا إلا قضيته
ولا مريضًا إلا شفيته ولا مبتلى إلا عافيته ولا مجاهدًا فى سبيلك إلا نصرته
..
الله انصر الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأهلك أعداءك أعداء الدين
..
الله عافنا واعف عنا وعلى طاعتك أعنا وإلى غيرك يا مولانا لا تكلنا وكن لنا
يا ربنا حيث كنا ..
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
وسلم تسليما كثيرا
والحمد لله أولا وآخرا
وأقم الصلاة