التصوف هو التقوى
للـأخ الصحافي الصالح السيد محمد رضوان أحمد عضـو العشـيرة
حد التصوف والصوفي سادتنا العلماء بما ينيف على مائة حد ، وفي أكثرها طول أو إبهام ، عن قصد أو عن غير قصد ، وقد كثر الكلام في هذه الأيام عن التصوف والصوفي ، بمناسبة دعوة المؤتمر الصوفي الإسلامي العالمي ، الذي دعا إليه الصوفي المجدد الورع السيد محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية ، وإنما استبحت لنفسي الخوض في خضم تضارب الأفهام في هذا الميدان لأمرين :
الأول : إن في حلبة سباق الكلام من هو أعلم مني وأقدر .
الثاني : رغبتي عن الجدل في أمر واضح عندي غاية الوضوح .
غير أنني رأيت عرض هذا الواضح على الإخوان ، عسى أن يكونوا قد رأوا أوضح مما رأيت فننتفع جميعاً ، فلكل فهمه وإدراكه وإلهامه .
التصوف هو التقوى :
فالتصوف أصلاً طلب الصفاء من كل ما يحول بين المرء وربه ، ثم استعمل في الصفاء نفسه ، فمتى أطلق التصوف انصرف إلى الصفاء الروحي الذي انمحت معه كثافة البشرية الحاجبة عن مشاهدة الذات العلية ... فارتقت به الروح إلى منازل الأرواح المنطلقة من حبوس الأجسام ، فهي ترى ما لا نرى ، وتسمع ما لا نسمع ، وتلمس ما لا نلمس ، وتشافه ما لا نشافه ...
هذا الصفاء هو المعبر عنه في الشريعة والكتاب الكريم بالتقوى ، من باب تسمية الشيء باسم سببه ، فالتصوف هو التقوى ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز : ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾{البقرة:197} .
ولذلك لا نجد كلمة { التقوى } أو كلمة تصرفت من مادتها في القرآن الكريم ، إلا مع ذكر الأمر أو النهي أو ذكر ما أعد الله لفاعلها أو لتاركها من جزاء ومن ذلك قوله تعالى : ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾{البقرة:187} ، وقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾{لقمان:33} ، وقوله عز شأنه : ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾{الطلاق:2/3} ، وقوله : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً{31} حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً{32} ﴾{النبأ} الآيات ، وقوله : ﴿ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾{النساء:128} ، وقوله : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ﴾{النساء:131} ، وقوله : ﴿ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾{المائدة:8} .
فالتصوف كما ترى في هذه الآيات هو عين التقوى ، والتقوى كلمة تجمع مع قلة حروفها خيري الدنيا والآخرة أمراً ونهياً ، وهي مرءاة الإيمان الحق فعلاً وقولاً ، ظاهراً وباطناً .
الصوفي هو التقي :
والصوفي : هو التقي ، والتقي هو : من أدى المأمورات ، واجتنب المنهيات واشتغل بالله عما عداه ، لا يرى ما في الدنيا وإن رآه ما في الدنيا ، هو من عرف سيده ، فأخلص في خدمته ، فينظر الله إليه نظرة صرفته عما سواه ، فهو دائم المراقبة دائب العمل ، شديد الوجل ، يحاسب نفسه عما قال أو فعل الخلق أمامه سواء ، برهم وفاجرهم ، عالمهم وجاهلهم ، ناطقهم وأعجمهم ، يستغفر للعاصي ، ويدعو للمبتلى ، ويحنو على الضعيف ، ويحب للناس ما يحب لنفسه ، بل فوق ما يحب لنفسه ، " يقيم الأدب مع الله في جميع الجهات " هو الولي المراد بقوله تعالى : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾{يونس:62} وإليك مثلاً يدلك على هؤلاء الأولياء .
أخلاق الأولياء :
دخل لص بيت السيدة رابعة العدوية ليلاً فلم يجد فيه ما يسرق ، فاتجه إلى الخروج وهي تلحظه ، فنادته وقالت له : أتخرج هكذا بدون شيء ؟ قال : لم أجد في البيت شيئاً ، فقالت له : تقدم وتوضأ من هذا الإبريق وادخل هذا البيت وصل لله ركعتين حتى لا تخرج بدون فائدة ، ففعل ، ووجد للصلاة حلاوة ، فاستمر يصلي حتى الصباح ، حيث تاب وأخلص في التوبة فكان من المقبولين .
وسرق لص حذاء الشيخ زكريا الأنصاري ـ على ما أذكر ـ وولى هارباً ، فتبعه الشيخ وهو يقول : وهبته لك ، هل قبلت ، وهبته لك ، هل قبلت { خوفاً عليه من عذاب الله } .
هؤلاء هم الصوفية ، وهذه هي أفعالهم ، يعتدى عليهم فلا يكون همهم إلا نجاة المعتدي من عذاب الله ! . فهل هؤلاء غير الصوفية ، أي الأولياء .
فمن كان من هذا النوع فهو صوفي وإلا فهو دعي يطلب المال أو الجاه ، أو هما معاً ، فهو عبد الدنيا ، عبد الشيطان ، عبد الهوى ، فاحذروه فإنه شرك الشر وحبالة الشيطان .
عن مجلة المسلم سنة 1376هـ بتصرف
/*/*/*/*/*/*/*/*/