فقه الخطبة
الهدي النبوي في الخطبة
أيها الإخوة الأفاضل رواد المنابر وفرسانها، حري بنا ونحن نردد كل جمعة: وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، أن نكون أول من يتأسى به في كل كبيرة وصغيرة، سيما خطبة الجمعة. والنقاط التي بين يديك تذكرة مختصرة قطفها إخوانك في المنبر من "زاد المعاد من هدي خير العباد" لابن القيم، بتصرف وزيادات يسيرة (1/ 186-191 و 364-440)
كان صلى الله عليه وسلم ينتظر اجتماع الناس، ثم يخرج إليهم ويسلم.
ثم يتوجه إلى المنبر، وكان منبره ثلاث درجات.
وكان في جانب المسجد الغربي قريباً من الحائظ.
فإذا صعد المنبر استقبل الناس وسلّم عليهم.
ثم يجلس فيشرع بلال في الأذان.
فإذا فرغ بلال من الأذان شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل (أي بين الأذان والخطبة).
فيقوم ويستقبل الناس بوجهه.
ويستفتح الخطبة بحمد الله تعالى، والثناء عليه بما هو أهله.
ويتشهد فيها بكلمة الشهادة، ويشير بالسبابة.
ويقول: أما بعد.
وكانت تحمرّ عيناه.
ويعلو صوته.
ويشتد غضبه، كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم.
ويكثر من ذكر الله عز وجل.
وينتقي جوامع الكلم.
فيعلمّهم قواعد الإسلام، ويذكر الجنة والنار، ويأمر بتقوى الله تعالى، ويُبيّن موارد غضبه، ومواقع رضاه.
ويخطب أحياناً بالقرآن، فيقرأ سورة (ق) ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتلها، على كثرة ما قرأها على المنبر.
وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم.
وكان يأمر وينهى ويعلم أثناء الخطبة إذا عرض ما يقتضي ذلك.
وكان يقطع الخطبة لحاجة تعرض له.
وكان يدعو الرجل باسمه في خطبته.
وكان يشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى ودعائه.
ويستسقي إذا قحط المطر, ويرفع يديه.
وكان يختم خطبته بالاستغفار.
فإذا انتهى من الخطبة الأولى جلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب الخطبة الثانية. {ولم يصح أنه كان يخطب خطبتين في غيرخطبة الجمعة، وقياس خطبة العيدين على الجمعة، لا وجه له}.
وكان يُقصر الخطبة غالباً، ويطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس.
فإذا فرغ من الخطبة الثانية نزل فصلى بالناس.
وكان يطيل الصلاة، فيقرأ بسبّح والغاشية، أو بالجمعة والمنافقون، ولم ينقل عنه أنه قرأ بغير ما ذكر. فتنبه والزم غرزه تهتدي.
فإذا فرغ من الصلاة دخل بيته وصلى ركعتين.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا
كان صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً :
وهذا القيام مذكور في كتاب الله تبارك وتعالى ، قال الله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً إنفضوا اليها وتركوك قائماً .. }1 ، أي على المنبر تخطب ، هكذا ذكره غير واحد من التابعين منهم: أبو العالية، والحسن، وزيد بن أسلم، وقتادة .
وقال ابن كثير : وفي قوله: {وتركوك قائماً} دليل على أن الإمام يخطب قائماً2، وسبب نزول هذه الآية مارواه سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: قدمت عير مرة المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فخرج الناس وبقي إثنا عشر رجلاً، فنزلت {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً}3، ورواية مسلم صريحة في قيام النبي صلى الله عليه وسلم : فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فأنتقل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً ، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة {وإذا رأوا تجارة أو لهواً إنفضوا إليها وتركوك قائماً}4 .
وفي لفظ آخر للحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: بينما النبي يخطب يوم الجمعة، وقدمت عير إلى المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لايبقى منكم أحد لسال بكم الوادي النار)) فنزلت هذه الآية {وإذا رأوا تجارة .... الآية}5.
وقد إشتد إنكار السلف على من يخطب قاعداً: فعن أبي عبيدة عن كعب بن عجرة رضي الله عنه : أنه دخل المسجد وعبدالرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً ، فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً، وقال الله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً}6 .