الحمد لله الذي له ما في السماوات والأرض وهوالعزيز الحكيم له ملك السماوات
والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيئ قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن
وهو بكل شيئ عليم هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على
العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج
فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السماوات والأرض
وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهوعليم
بذات الصدور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا
وقدوتنا وأسوتنا وقرة عيوننا محمد عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه وخليله
أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفا بالله شهيداً.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1}
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا]
{الأحزاب:71 - 72}
ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمد وشر
الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، نعوذ
بالله من البدع ومن الضلالات ومنالنار ونسأل الله أن يدخلنا وإياكم وسائر
المسلمين المؤمنين الجنة مع الأبرار.
روى الشيخان الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن
عمررضي الله عنهما أنه قال : (مر النبي على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في
الحياء فقال له دعه فإن الحياء من الإيمان) وفي الصحيحين من حديث عمران بن
حصين رضي اللهعنهما أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
(الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء كله خير).
أيها المسلمون المؤمنون مع بداية شهر الصيف تتكشف العورات وتنكشف السوءات
ويكشف النساء والرجال عن عوراتهم وتظهر عيوبهم وتنكشف سوءاتهم ويظهر قلة
الحياء حتى يفشو بين الناس فنحن مع خلق من أعظم أخلاق الإسلام قدراً
وأعلاها شئناً وأفضلها عند الله عز وجل إنه خلقٌ إن لم يكن انعدم فقد قل
إنه خلق الحياء خلق الإسلام الأعظم فالحياء هو خلق عباد الله المؤمنين وهو
خلق الملائكة المقربين وهو صفة رب العالمين.
فأما أنه خلقالمؤمنين فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (
الحياء من الإيمان ) وأما أنه خلق الملائكة المقربين فلقول نبينا صلى الله
عليه وعلى آله وسلم : ( ألا أستحي من رجل تستحيي منه الملائكة ) وأما أنه
صفة رب العالمين فلقول نبينا صلىالله عليه وعلى آله وسلم في صحيح سنن
الترمذي من حديث سلمان : ( إن الله حييٌ كريم يستحي أن يمد العبد إليه يديه
فيردهما خائبتين صفراً).
فهذا الخلق يحتاج من الناس عامة إلىمراجعةٍ لأنفسهم ونحن كمسلمين وكملتزمين
بحاجةٍ إلى مراجعة هذا الخلق مراجعةً تحتاج إلى تفصيلٍ وبيانٍ تحتاج إلى
وقفةٍ مع النفس لأننا ربما رأينا بيننا من كانملتزماً في حال ثم يكشف ستر
الحياء في أحوال وربما نرى أختاً متنقبةً أو متحجبةً أو مصليةً طائعة ثم
نراها تكشف ستر الحياء عن وجهها والحياء من الحياة فكلما كان القلب فيه
حياة كان الوجه فيه حياء فعلامة حياة القلب حياء الوجه وإذا قل حياء المرء
قلت حياته وانعدمت الحياة في قلبه.
إذا قل ماء الوجه قـل حيـاؤه ولا خيـر في وجـه إذا قل مـاءه
حيــاءك فأحفظـه عليــك فإنما يدل على فعل الكريم حيـاؤه
كثير من الناس يزعم أن عنده حياء خاصة بين صفوف النساء لكن أحوالنا ترد على
هذه الدعوى بأفعالنا وأقوالنا لهذا كان من الواجب علينا أن نقف معهذا
الخلق وقفة.
فأولاً ما هو الحياء ؟
الحياء كما عرفه أهل العلمهو : الخوف من الجليل بترك القبيح.
و كما قال ابن علان في دليل الفالحين الحياء : خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق وعدم التقصير في حق ذي الحق.
هو خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق وعدم التقصير في حق ذي الحق.
و قال الجنيد في تعريف الحياء : هو رؤية الآلاء ورؤية التقصير فينشئ بينهما
حالة تسمى الحياء هو رؤية الآلاء أي النعم من الله عز وجل ورؤية التقصير
في حق المنعم سبحانه فينشئ بينهما حالة تسمى الحياء.
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجل
من الأنصار يعظ أخاه في الحياء يقول له كفاك حياءً قد عظم حياؤك قد بالغت
في الحياء أنت حييٌ حياءً شديداً فكأنه يعيب على الرجل من شدة حيائه فقال
له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (دعه فإن الحياء من الإيمان)،
الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء كله خير الحياء خيرٌ كله.
و الحياء قسمه أهل العلم من حيث الخِلقة إلى قسمين :
· إما فطريٌ خلقيٌ
· وإما كسبيٌ من كسب العبد
والحياء الخِلقي : هو ما فطر الله العباد عليه فلا يتكشفوا حتى وإن كانوا عصاةً.
أما الحياء الكسبي : فهو من فعل العبد وهو من الإيمان لهذا جعله النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم من الإيمان وهو الذي يحاسب الله العباد عليه.
و قال المُناوي في فيض القدير : الحياء إما أن يكون نفسانياً وإما أن يكون
خُلقياً كسبياً، نفسانياً أي فطرياً وإما أن يكون كسبياً أي بفعل العبد،
ولا ينشئ الحياء في العبد إلا إذا كان عالماً بربه موقناً أن نظره مطلع
عليه وأنه لاتخفى على الله من شأنه خافية، لهذا قال ابن القيم في كتابه
القيم مدارج السالكين لما تحدث عن هذا الخلق إذ قال مصدراً الكلام بآيات
الله عز وجل [أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى]{العلق14}، ثم قال
قالالله تعالى [إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]{النساء1}، ثم قال :
[يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] {غافر:19}، ثم
إني أقول زيادة على هذا لبيان أن الحياء يجب أن يكون من الله فإذا استحيى
العبد من الله استحيى من سائر عباده أما بعض الناس ربما استحيى من العباد
ولم يستح من الله فعاب الله عليهم إذ يقول في كتابه كما في سورة النساء
{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ
مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً }النساء108، يستخفون من الناس أي يستحيون من
الناس ولايستخفون من الله أي ولا يستحيون من الله رغم أن الله معهم إذ
يبيتون ما لا يرضى منالقول إن الله كان بكل شيئ محيطاً أو بما يعملون
محيطاً فالله عز وجل يعلم خائنةالأعين وما تخفي الصدور هذا العلم يورث في
قلب العبد حياءً من الله يبعثه هذا الخلق على ترك القبيح من الأفعال وفعل
الحسن من الأفعال فتراه ملتزماً منضبطاً بضوابط الشرع.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث سعيد بن يزيد الأسدي أنه قال : (أتيت
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله أوصني قال : أوصيك أن
تستحيي من الله كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك) وصححه الشيخ الألباني
وفي المسند وسنن إبن ماجه بسند حسنه الشيخ الألباني من حديث أنس بن مالك
قال قال رسولالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إن لكل دين خُلقاً وخُلق
الإسلام الحياء) ولهذا قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه : الإيمان
عُريان وزينته التقوى ولباسه الحياء. والحياء كما يقول عطاء رضي الله عنه :
من الشقاء قلة الحياء.
و إننا نرى في زماننا لما قل الحياء من الوجه خاصة في صفوف النساء والبنات
أوحى الشيطان إليهن بأن يعوضن فقد حمرة الحياء بحمرة المكياج فتغطي نزع
الحياء من وجهها بالزيف من الحمرة فإذا قل ماء الوجه أي حمرة الوجه خجلاً
فإنها تعوضه بهذه الحمرة الزائفة لهذا نرى الفاجرات العاهرات من النساء
تتزين بهذه الزينة بالألوان التي تغطي ما فُقد من حيائها حتى تعوض هذا
الحياء المفقود لكن أنّى لها ذلك.
الحياء هو خجلٌ هو رؤيةٌ هو علمٌ هو خوفٌ هو معرفةٌ هو يقينٌ برؤية الله عز
وجل للعبد فينشئ من هذه المعرفة هذا الخوف وهذا الحياء وهذا السعي والجد
في العمل وقد وردت أحاديث في الصحيح في بيان فضيلة الحياء قد جمعت في أكثر
من تسعةٍ وعشرين حديثاً في الصحيحين وأقل درجاتها الحسن والنبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم لأنه في الذِروة من الأخلاق كان في الذِروة أيضاً من
خلق الحياء ما رواه الشيخان الصحيحان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أنه قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد حياءً من
العذراء في خدرها)، كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد حياءً
من العذراء في خدرها يوم أن كانت العذراء تستحي يوم أن كانت البكر لا تخرج
من بيت أهلها إلا إلى بيت زوجها وإن خرجت من بيتها لا تخرج إلا بكامل سترها
فلا تُعرْف من سترها ولا يُدرْى من هذه، فيصف أبو سعيد حياء النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ويقول : (كان النبي أشد حياءً من العذراء في خدرها
وإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه) صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رواه
البخاري.
أما في زماننا لمّا انعدم الحياء من بيننا رأينا الناس يفعلون مايفعلون
بغير حياءٍ ولا استحياءٍ، كما في الصحيح أيضاً من حديث أبي مسعود البدري
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناسُ من كلام النبوة
الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) إن مما أدرك الناسُ أو إن مما أدرك
الناسَ، يعني جاء إلى الناس من خبر النبيين أو مما أدرك الناسُ أي مما قاله
الناس ووافق كلامهم كلام الأنبياء، إن مما أدرك الناسُ من كلام النبوة إذا
لم تستح فاصنع ما شئت، يقول ابن القيم رحمة الله عليه في هذا توبيخٌ
وتهديدٌ وعيد، ففي الكلام معنىً ظاهر ومعنىً باطن معنىً صريح ومعنىً خفي
يقول ابن القيم أما المعنى الأول فيعني بكلامالنبي إذا لم تستحي فاصنع ما
شئت فيه تهديدٌ وتوبيخ كقول ربنا {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } فصلت 40 فإني
أجازيكم على أعمالكم وأعاقبكم على سيئاتكم لكن ليس فيه إباحة ولا تصريح
بالفعل إنما فيه توبيخ وتهديد.
كما تقول لإبنك إذا أراد أن يخرج من البيت قلت له لا تخرج قال الولد لأخرجن قلت له أخرج
فليس فيه إذن بالخروج وإنما هو تهديدٌ ووعيد، لهذا قال ابن القيم : إذا لم
تستح فاصنع ما شئت فيه توبيخٌ وتهديدٌ وعيد أو المعنى الآخر أن النبي صلى
الله عليه وسلم يقول : (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) أي أن الأمر الذي لا
تستحي من فعله لأن الله ينظر إليك لأنه فعلٌ شرعي وفعلٌ جائزٌ ان تفعله،
فافعله ولا تستحي أي أن الفعل إذا كان حلالاً مشروعاً الله عز وجل يرضاه
ويحبه فافعله ولا تستحي منه.
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت وقال الإمام الشافعي رحمة الله عليه :
إذا لم تخش عاقبة اللــيالـي ولم تستح فاصنع ماتشــــاء
فـلا والله ما في العيش خيـر ولا الدنيا إذا ذهـب الحيـــاء
يعيش المرء ما إستحيا بخيـر ويبقى العـود مـا بقـي اللحـاء
إذا لم تستح فاصنع ما شئت، إذا لم تستح فاصنع ما شئت فإن ما نراه في زماننا
من عري فاضح ومن فجور ظاهر ومن تبرج لامثيل له ما هو إلا بسبب نزع الحياء
من القلوب ولو كان حياء ما رأينا ما نرى وكثيرٌ من النساء أو البنات تخرج
تغني أو تتراقص أو تظهر أمام الرجال الأجانب، ثم تقول بعد ذلك إنها تستحي،
كذبت لو استحيتْ ما فعلتْ ما تفعل، أتغني أمام الرجال وتتراقص بثياب أغلب
جسدها ظاهر ثم بعد ذلك يصفونها أنها شديدة الحياء أو عظيمةالحياء، أين
الحياء ؟
إذا لم تستح فاصنع ما شئت في المستدرك للحاكم أيضاً من حديثعبد الله بن عمر
أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (الحياء والإيمان قرناء
جميعاً إذا رُفع أحدهما رُفع الآخر) وقد يكون الحياء في الأقوال كما يكون
في الأفعال فإن الحيي لا يقول قولاً فاضحاً ولا فاجراً ولا يغازل البنات
ولاالنساء علانية ولا يحادث على الشات من لا تحل له محادثتهم لا يفعل هذا
لأن الحياءيمنعه ويردعه ولأنه يعلم أن نظر الله عليه.
فلما يُنزَع الحياء يفعل المرء ما شاء، يفعل المرء ما شاء لهذا قال النبي
كما عند الحاكم من حديث إبن عمر رضي الله عنهما : (الحياء والإيمان قرناء
جميعاً إذا رُفع أحدهما رُفع الآخر)، فالحياء من الحياه والحياء من الإيمان
والحياء لايأتي إلا بخير، فإننا بحاجة إلى مراجعة حيائنا، اسمع إلى قول
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول : (الحياء من الإيمان والإيمان
في الجنه والبذاء من النفاق والنفاق في النار).
كما قلنا الحياء يكون في الأقوال وفي الأفعال وأعظم ما توصف المرأة بالحياء
فرأس مال المرأة حياءها وكلما عظُم حياء المرأة عظُمت في عين الرجال، أما
الساقطة المتبرجة لا تساوي في عيون الرجال شيئاً لهذا لايقع عليها إلا
مثلها ولا يميل إليها مثلها أما صاحب الحياء إذا رأها حتى لا يجرء أو لا
يرضى أن ينظر إليها وقد غيرت وجهها وغيرت خلقتها بهذه الألوان والأصباغ
التي وضعتها على وجهها.
يصف ربنا بنت الرجل الصالح في كتابه بوصفٍ إذ يقول : [فَجَاءتْهُ
إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ
لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا[ {القصص25} فَجَاءتْهُ
إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء فكانت تمشي بحياء أي تمشي في جانب
الطريق، أي تمشي وهي تغُضُ بصرها أي تمشي ولا ترفع رجلاً وتخفض أخرى ولا
تضرب برجلها ليُعلم ما يُخفي من زينتها إذ جاءت إحداهما تمشي على استحياء
تمشي وهي خجلى تمشي والحياء يملأ قلبها وفي قراءه قالوا فَجَاءتْهُ
إِحْدَاهُمَا تَمْشِي / عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ
حتى في كلامها حياء، لا ترفع صوتها ولا تجهر بالكلام ولا تتجرء على محادثة
الرجال، بل إذا كلمت رجلاً كلمته وهي تنتفض من الحياء ترتعش من الخجل.
أما في زماننا نرى المرأة إذا كلمت الرجال ترفع صوتها أعظم من الرجال،
والله إننا في البيوت لا نسمع أصوات رجال لا نسمع إلا أصوات النساء، في
الطرقات لا نسمع أصوات الرجال يهمس الرجال همساً، وتمشي المرأة وللأسف
الشديد بين المحجبات بل ربما بين المتنقبات تمشي في الطريق وترفع صوتها
وتحكي عن حالها والرجال من حولها يسمعون فلا يمرُ أحدهم إلا وقد عرف قصة
حياة هذه المرأة وطبيعة بيتها ومايدور في منزلها ومن أولادها ومن بناتها
وما يفعل زوجها فلا يمضي الرجل من طريقه إلا وقد عرف كل شيء عن هذه المرأة
تذهب إحداهن إلى التاجر أو إلى البائع تحدثه بجرأةٍ عجيبة كأنه حلال لها أن
تقف أمامه وتُحدث وتتعامل معه بجرءة أما في الزمن الأول الذي وصف ربنا بنت
الرجل الصالح لما قال فجاءتة إحداهما تمشي على استحياء قالت كلاماً بغير
خضوع ولا خنوع وبغير ميلٍ ولا لفت نظرٍ ولا جذبٍ ولا انتباه، إحداهن فيهذا
الزمان إذا كلمت زوجها تتكلم بصوتٍ جهير أعلى من صوت زوجها وربما نبرات
زوجها أقوى وربما نبراتها أقوى من نبرات زوجها، فإذا تكلمت مع رجلٍ أجنبي
سمعت بلبلاً يغرد سمعت بلبلاً يتكلم بخنفٍٍ وكلام من الخيشوم وخنوع، حتى
الملتزمات نسأل الله السلامة والعافية.
أين الحياء الذي يمنع من أن تتكلم مع رجل إلا لضرورةٍ وإن تكلمت، تكلمت
والحياء يملأ قلبها إن رأس مال المرأة حياؤها ولا خير في وجهٍ قل ماؤه،
احفظ عليك حياءك فإنما يدل على فعل الكريم حياؤه، الدليل على الحياء الفعل
الدليل على الحياء القول أما هذه الجرأة لا تنفع ولا تُغني لهذا كما رُوي
وقد تُكلم في صحة هذه القصة من سير أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله
عنه أنه كان يمر أو يعس حتى نعرف حياء المرأة القديمة كيف كانت تحفظ زوجها
في غيبته كيف كانت تحفظ زوجها في عدم حضوره إن كان موجوداً وإن كان غير
موجود لأنها تعلم في كل حال أن الله معها يراقبها ويطلع عليها لهذا قالوا
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت فيه الوعيد أي بقدر حيائك تُجازى هذه المرأة مر
أمير المؤمنين عمر في الليل فسمع امرأة تقول :
تطاول هذا الليل وازور جانبه وليس إلى جنبي خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيئ غيـره لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحيـاء يكفنـي وأكرم بعلي أن تنال مراكبـه
تقول هذه المرأة وكأنها تناجي ربها وكأنها تتضرع إلى ربها وكما قيل إن
زوجها خرج مجاهداً في سبيل الله وطال غيابه واشتاقت إلى زوجها فكأنها تناجي
ربها أو تحدث زوجها من بعيد فتقول:
تطاول هذا الليل وازور جانبه وليس إلى جنبي خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيئ غيـره لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحيـاء يكفنـي وأكرم بعلي أن تنال مراكبـه
الحياء يكفها الحياء يمنعها مخافة ربي أولاً والحياء يكفني إنه درسٌ للنساء
كما إنه درسٌ للرجال أن يحفظ الرجل زوجته في غيبتها وأن تحفظ المرأة زوجها
في غيبته وأن تعلم أن الله مطلعٌ عليها
فوالله لولا الله لا شيئ غيـره لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحيـاء يكفنـي وأكرم بعلي أن تنال مراكبـه
أكرم ما يعطى المرء أعظم ما يعطى المرء امرأةٌ صالحة إن غاب عنها حفظته في
نفسها ومالها ولا تكون المرأة فاضلة إلا بحيائها ولا تكون المرأة مؤمنة إلا
بحيائها فإن الحياء يرفع قدرها عند ربها ويدنيها من مرضاته ومنفضله ومن
خيره يقول ابن القيم رحمة الله عليه ومن عاقبة المعاصي - كما في الداء
والدواء - : ومن عقوبة المعاصي نزع الحياء، ومن عقوبة المعاصي نزع الحياء
فلا ترىالإنسان إلا مقيتاً مبغضاً فاحشاً متفحشاً لأنه لا حياء في قلبه.
أما الحيي فلا تراه يتكلم إلا بخير ولا يأمر إلا بخير ولا يفعل إلا خير في
السر والعلانية لأنه يعلم أن الله مطلع عليه وأن الله عز وجل يراه إنها
الآية العظمى التي نتعلم منها مراقبة الله عز وجل،
الحياء خُلق الإسلام الأعظم نفتش عليه في أنفسنا وبيننا.
اعلم أن الحياء قسمان كما قال أهل العلم : من حيثُ الخِلقة فهو كسبي وخَلقي
ومن حيث الحكم هو مذموم وممدوح
فالحياء الممدوح : هو الذي يمنع صاحبه من فعل القبيح ويدفعه إلى فعل الحسن من الأقوال والأفعال.
أما الحياء المذموم : هو الذي يمنع صاحبه من العلم ويمنع صاحبه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فربما لا يصلي أحدنا في جماعة، فإذا قلت له لما لا تصلي في جماعة ؟
يقول يا أخي أنا أستحي أن أخرج من بيتي وأقف بين الصف والناس يروني وأنا أقوم وأركع وأسجد فأنا أستحي.
هذا حياء مكذوب هذا حياء مذموم هذا حياء يمنع صاحبه الحياء المذموم هو الذي
يمنع صاحبه من أن يأتي إلى درس العلم لأنه إذا قيل له : لما لا تحضر دروس
العلم وتأتي كما يأتي طلبة العلم إلى دروسهم ومعهم كتبهم وأقلامهم ومعهم ما
يسجلون فيه خواطرهم ؟
يقول : أناأستحي أن يراني الناس وقد كبرت أو يراني الناس وأنا شيخ وآتي إلى مجلس العلم.
فهذا هو الحياء المذموم، الحياء المذموم الذي يقع صاحبه في خطأ ويمنعهأن
يسأل عن حكم هذه المسأله فتراه لا يحسن يتوضئ ولا يحسن يصلي وربما طلق
زوجتهثم إنه يستحي أن يسأل ويقول أنا أستحي أن أسأل عن ديني حياء، هذا حياء
مذموم لهذا قال مجاهد وهو قول ابن عباس أيضاً قال : لا يطلب العلم مستحيي
ولا مستكبرٌ، لايطلب العلم مستحي ولا مستكبرٌ يمنع من العلم الإستحياء أما
المؤمن الحييُ الحقيقي فإنه لا يستحي من أن يسأل عن دينه حتى في أدق الأمور
كما في الصحيحين من حديث أمسلمة رضي الله عنها أنها قالت : جاءت أم سُليم
الرميصاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت : يا رسول الله إن
الله لا يستحيي من الحق وكثير من الناس يقول لا حياء في الدين، كيف ؟
والدين كله حياء والإسلام كله حياء والحياء هوالإيمان إنما الصحيح أن تقول
إن الله لا يستحيي من الحق لأن الله قال عن نفسه {إِنَّ اللَّهَ لاَ
يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً }البقرة26 وأخبر النبي
عنه : ( أن الله عز وجل حييٌ كريم يستحيي من العبد أن يمد إليه يديه ويردها
صفراً خائبتين)، إن الله عز وجل حيي، فقالت أم سُليم : يا رسول الله إن
الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة غسلٌ إن هي احتلمت ؟ فضربت أم سلمه
على صدرها وقالت : لقد فضحت النساء يا أم سُليم، ثم قالت : وهل تحتلم
المرأة ) إنها تستحي من هذه الكلمة لكن أم سُليم التى ملأ الحياء قلبها لم
تستح أن تسأل رسول الله عن دينها في سؤال محرج، في سؤال دقيق بل سيأتي
الكلام على ما هو أعظم من هذا فلا تستحي، (قالت أم سلمة : فضحت النساء يا
أم سُليم، وهل تحتلم المرأة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ما
فضحت النساء يا أم سلمه ففيما يشبهها ولدها، إن كانت لا تحتلم ففيما
يشبهها ولدها).
وفي الصحيحين أيضاً منحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن المهاجرين
والأنصار قد اختلفوا، اختلف المهاجرين والأنصار في الرجل إذا جامع زوجته
ولم يُنزل، هل عليه غسل أم لا يجب عليه الغسل، قالت الأنصار لا يجب عليه
الغسل وقال المهاجرون بل يجب عليه الغسل فقال أنا أشفيكم آتيكم بالجواب
والدواء الشافي لمن سأل عن الجواب الكافي ثم ذهب إلى أم المؤمنين عائشة
وقال لها يا أماه إني سائلك عن مسألة وإني أستحيي فقالت سل ما كنت تسأل عنه
أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك، وأزواجه أمهاتهم، قال إذا أتى الرجل زوجته
ولم يُنزل هل عليه غسل ؟ قالت عائشه المملوؤة بالحياء، عائشه التي ضُربت
مثلاً في الحياء كما في الصحيح أنها رضي الله عنها كانت إذا دخلت حجرتها
وقد دُفن فيها النبي وأبوها أبو بكر فكانت تخلع ثيابها أو تنزع خمارها ثم
تجلس في حجرتها فلما مات عمر واستأذن أن يدفن مع النبي وصاحبه، كانت عائشة
إذا دخلت حجرتها شدت عليها ثيابها وقالت كان في الأول أبي وزوجي أما الآن
فعمر موجود، كانت تستحيي من الميت.
نحن لا نستحي من الحي لا نستحي من الأعداء لا نستحي من اليهود والنصارى إذ
يضحكون علينا بل يأتون لنا بالثياب العارية وألوان التبرج ولا نستحي أن
نفعل هذا.
عائشة التي ضُربت مثل للنساء تستحي من عمر وقد مات وتستحي أن تضع ثيابها أي
درجة في الحياء يبلغها عبدٌ مثل هذه الدرجة التي بلغتها أم المؤمنين ومع
حياءها لما سألها أبو موسى قالت : (على الخبير وقعت نعم الرحمن فاسأل به
خبيراً ومن أعلم بحديث رسول الله من أم المؤمنين عائشه، على الخبير وقعت
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إذا جلس بين شُعبها
وجهدها فقد وجب الغسل أنزل أم لم ينزل)، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم قال : (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل).
هذا كلام هذا هوالحياء في الصحيح أيضاً أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال لها النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم : خذي فِرصة ممسكةً فتتبعي بها أثر الدم) أو خذي فَرصة
ممسكةً أي قطة قطنٍ فتوضئي بها ثم أشاح النبي بوجهه حياء صلى الله عليه
وعلى آله وسلم، قالت عائشه فأخذتها من يدها وعلمتها كيف تتوضئ أو كيف
تتطهر، تسأل عن كل صغيرة وكبيرةٍ من شأنها ومن أمر دينها
اعلم عبد الله أن الحياء قسمه ابن القيم في مدارج السالكين إلى عشرة أقسام، فالحياء أقسام عده كما قال ابن القيم :
· حياء الجناية
· وحياءالتقصير
· وحياء الأجلال
· وحياء الكرم
· وحياء الحشمة
· وحياءالاستصغار
· وحياء النفس
· وحياء العبودية
· وحياء الشفقة أو حياء الحب لمن يحب
· وحياء المنزلة والشرف
أقسام الحياء عشرة :
أولها كما قال ابن القيم حياء الجناية وضرب مثلاً بفعل أبينا آدم لما أكل
من الشجرة وبدت لهما سوءاتهما وكان آدم لا يعرف العورة قبلها لا هو ولا
حواء فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما، انكشفت عورتهما فأخذ آدم يجري
في الجنة ويفر، عجيب في الحديث بيان أن الحياء جبلي خلقي في نفس الإنسان
فطر الله الخلق عليه لأن آدم ما كان يعرف العوره فلما انكشفت عورته في أول
مرة بدأ يجري في الجنة يبحث عن ستر يتستر به، أنظر إلى أبينا وليس في الجنة
إلا هو وزوجته لكن الحياء يمنعه أن يمشي عارياً فأخذ يبحث عن ستر.
في زماننا يتكشف الشباب في الشوارع بسوءاتهم وإن شئتفاذهب إلى الشواطئ
والبلاجات وانظر هناك كيف تتكشف العورات والسوءات ثم بعد ذلكإن سألت إحداهن
أو أحدهم قال إني أستحي، أين الحياء وقد فعلت ما فعلت ؟
قال له الله عز وجل : يا آدم أفراراً مني، لما تفر لما تجري لما تهرب أفراراً مني ؟
قال لا بل حياءً منك يا ربي.
أما حياء التقصير فهو حياء الملائكة وهو الحياء الذي عرّفه الإمام الجنيد
هي رؤية الآلاء والنعم ورؤية التقصير فينشأ بينهما حالة تسمى الحياء.
الملائكة لما تفيق يوم القيامة وتُبعث أول ما تقول : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ثم ما عبدناك حق
عبادتك.
ثم حياء الإجلال : هو أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل العظيم من قومك.
إن أحدنا إذا وقف أمامعظيم أو كبير أو مسؤول أو شخصية بارزة، يقف ولا يتحرك
حياءً منه، هذا الحياء هوحياء الإجلال، فإن كان في قلب العبد إجلالٌ لله،
كان في وجهه حياءٌ لله وهو على قدر معرفة العبد بربه يكون حياءه منه فعلى
قدر المعرفة يكون الحياء.
أما حياء الكرم : هو حياء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
كما ذكر في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم لما بنى بالسيدة زينب بنت جحشٍ وصنع طعاماً من ثريدٍ
ولحم وأمر أنساً أن يأمر أصحابه ليأتوا ليأكلوا من وليمة رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم، فدخلوا فأكلوا حتى لم يبق أحد إلا ثلاثة نفر بقوا
في البيت في بيت رسول الله يتحدثون، فسأل النبي أنساً : هل بقي أحد ؟ قال
ما بقي الكل أكل فأراد النبي أن يدخل ليبني بزوجته، فوجد النفر الثلاثة
يجلسون ويتكلمون فاستحيى النبي منهم حياء الكرم ورجع ومر على نسائه، كيف
وجدت أهلك يا رسول الله، ثم مر النبي على سائر بيوته فقال مثلما قال لعائشه
وقلن مثلما قالت عائشه قال ثم عاد النبي فوجد النفر الثلاثة يتحدثون
فاستحيى النبي أن يأمرهم أو يكلمهم ثم عاد وخرج فقال أنس فكأنما أخبر النبي
أو أخبرته أنهم قد خرجوا فرجع النبي فبنى بالسيدة زينب.
وفيها نزل قول الله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ
غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا
طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ
كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي
مِنَ الْحَقِّ[ { الأحزاب53}.
وهناك حياء الحشمة : وهو حياء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب إذا قال كما في
الصحيح : كنت رجلاً مذاء كنت رجلاً مذاءيعني أمذي كثيراً أي رجل صحيح
البدن قوي البدن صحيح متين كان يكثر أن ينزل منه المذء وهو علامة العافية،
قال فاستحييت أن أسأل رسول الله لمكان ابنته مني، يعني استحيى عليٌ أن يسأل
النبي إني رجل أمذي أو مذاء لأن ابنة النبي تحت علي قال فأرسلت المقداد بن
الأسود فسأل النبي عن المذي فقال يتوضئ منه أو يُتوضئ منه حكمه حكم البول.
أما حياء الاستصغار : فهو استصغار النفس أو حياء النفس من النفس، كأن للإنسان نفسينأحدهما تستحيي من الأخرى.
وحياء الشرف : هو أن يستحي الرجل العظيم أن يفعلالفعل القبيح أو يستحي الرجل العظيم أن يفعل الفعل القليل.
فإذا كنا في مجلس وتصدق الناس على مسكين بجنيه وجنيه وكان هناك شريف في
القوم أو عظيم في القوم فإنه يستحي أن يتصدق بجنيه كغيره من الناس فربما
أخرج مئه، إذا قيل له لما تصدقت بمئه وتصدق غيرك بجنيه ؟ قال : إني أستحي
أن أتصدق بجنيه فهو حياء الشرف.
فهذه أقسام الحياء وهذه ما يجب أن يتصف بها العبد أو يحرص على الاتصاف بها.
أين هذا الحياء مما نرى في زماننا من قلة الحياء ؟
إذا قل ماء الوجه قـل حيـاؤه ولا خيـر في وجـه إذا قلمـاءه
يعيش المرء ما إستحيا بخيـر ويبقى العـود مـا بقـي اللحـاء
فالحياء هو الساتر هو الحاجز هو المانع الذي يمنع العبد أن يفعل السوء
والشر، إنه في زماننا ترى عجباً من أفعال الناس حتى بين الملتزمين، تراه
يفعل أفعال لا يسمى هذا بحياء ولا يذكر أبداً من أفعال الحيين أبداً، أو
أهل الحياء أبداً.
إن الحياء صفةالرحمن والله عز وجل يحب لعباده أن يتصفوا بصفاته، فإذا اتصف
العباد بصفات اللهأحبهم وأدناهم وقربهم فالله عز وجل عليم يحب العلماء
وكريم يحب الكرماء وحيييحب أهل الحياء.
ترى كثيراً من الناس أو كل الناس ويسمي نفسه ملتزماً في يوم عرسهأو في يوم
زواجه يجلس بجوار عروسه بين النساء الكاشفات المتبرجات ثم يُلبس زوجتهبما
يسمى بالشبكه ثم يقال له قبلها أو أكلها أو شربها فيأكل هو وهي من فم واحد
ويشرب هو وهي من فم واحد وربما قبلها امام الجميع ويصيحون زد أخرى فيزيد
أخرىيقولون الثالثة إن الله وترٌ يحب الوتر فيقبلها الثالثة الله أكبر عجيب
وبينالملتزمين وربما أن زوجته التي تجلس بجواره متنقبه أو محجبه أو عابده
طائعة ويُفعل بها هذا وهو يفعل هذا ويقول هذا يوم عرس كأن يوم العرس مسقوط
من حسابه وكأن يوم العرس يوم نزع الحياء وهو بذلك حقيقة لا ترى فيه حياءً
إلا عند من رحم ربناعز وجل فنسأل الله السلامة والعافية، والحياء خير كله
الحياء لا يأتي إلا بخيرالحياء كله خير.
أقول ما سمعتم وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بالقرآن العظيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن والاه
أما بعد عباد الله من المسلمين والمؤمنين اعلموا وفقنيالله وإياكم لطاعته
أن الحياء صفة رب العالمين لهذا يقول شيخ الإسلام بن القيمرحمة الله عليه :
(من وافق الله في صفة من صفاته قادته إليه - أي إلى ربه - وأدخلته عليه
وقربته منه وصيرته محبوباً له)، من وافق الله في صفة من صفاتهقادته إليه
وأدخلته عليه وقربته منه وجعلته محبوباً له أي صار الله محبوباًللعبد وصار
العبد محبوباً للرب فكان خلق الحياء هو خلق الإسلام الأعظم وهو صفة المرأة
الفاضلة ولا تصح امرأة ولا دين بغير خلقٍ أبداً وكان أنبياء الله فيالذروة
من خلق الحياء كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال
قالرسول الله صلى الله عليه وسلم : (كان موسى حيياً ستيراً أو ستيراً لا
يُرى من جلده شيئ حياءً من الله – اسمع اسمع لترى درجة الحياء في قلوب
أنبياء الله إلى أيدرجةٍ وصلت - (كان موسى حيياً ستيراً لا يُرى شيئ من
جلده من جلده – أي لا يُرى منبدنه شيئ إلا ما كان من الضروري أن يُرى الوجه
والكفين وربما بعض الرأس وما سوىذلك لا يرى من بدن نبي الله موسى عليه
وعلى نبينا الصلاة والسلام – (كان موسى حيياً ستيراً لا يُرى من جلده شيئ
حياءً من الله فقال بنو إسرائيل إن موسى لا يستتر إلا من برص في جلده أو
أُدره) ما الذي يجعل موسى يحرص على أن يستتر لا بد أن يكونبعيب كما يدعي أو
يزعم كثيرٌ من الناس خاصة الفاجرات من النساء، تقول إن المرأة لاتتحجب ولا
تتنقب إلا إذا كان شكلها قبيح أو شعرها قصير أو شعرها أكرت لا يستقيم على
حال.
يعيبون عليها في سترها فقالوا كما قالت بنو إسرائيل على نبي الله موسىإنه
لا يستتر إلا لبرص في جلده أو أُدره فأراد الله عز وجل كما يقول ابن كثير
فيتفسيره في قول الله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا [
{الأحزاب69} أن موسى نزل يوماً يغتسل ووضع ثيابه على حجر ثم خرج من مغتسله
فأخذ الجخر ثياب موسى وفر وجعل موسى يجري وراءه ويقول ثيابي يا حجر ثيابي
حتى مر على بني إسرائيل ورأوه أنهجميل جميل الجلد طيب البدن لا عيب فيه
فلهذا قال الله تعالى : [لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى
فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا].
الحياء بلغمن الصالحين أعلى الدرجات سُئل أحد الصالحين ما بلغ حياءك من الله ؟
قال : لا أمُد رجلي في خلوتي حياءً من الله لا أمُد رجلي في خلوتي حياءً من الله.
هذاأبو موسى الأشعري رضي الله عنه عبد الله بن قيس يقول سُئل مرةً ما بلغ حياءك منالله ؟
قال : لا أغتسل إلا جالساً ولا أنزع ثيابي إلا وأنا جالس حياءً من الله .
و في سنن الترمذي بسندٍ صحيح من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال :
يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك
أو ما ملكت يمينك. عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من
زوجتك أو ماملكت يمينك قلتُ يا رسول الله الرجال بعضهم في بعض – يعني بين
الرجال وبينهم كم نكشف – قال إن استطعت أن لا يرى عورتك أحدٌ فافعل قلت يا
رسول الله أرأيت إن كنت خالياً قال إن الله أحقُ أن يُستحيى منه.
الحياء يمنع أحدهم أن يمد رجله في خلوته
الحياء يمنع عائشه أنتخلع خمارها في حجرةٍ دُفن فيها عمر
أين حياءنا ؟
أين نساءنا ؟
أين بنات هذا الزمان ؟
هذا الزمان أين رجال هذا الزمان ؟
أين شباب هذا الزمان ؟
الذي يمشي إذا دخل الصيف فيشورتٍ قصير لا يغطي إلا العوره ويمشي يستعرض
عضلاته بل ربما يستعرض عظامه كأنه هيكلٌ عظميٌ يمشي يستعرض عظامه تنكشف
سوأته وتظهر عورته ولا يستحي لا من الله ولا من الناس ثم تراه يلبس ما يسمى
بالشورت القصير المهلهل المقطع الممزق من أسفل وتنكشف عورته وتبدو سوأته
ولا يستحي لا من أهله ولا من جيرانه ولا من الناس حوله ولا من الله الذي
ينظر إليه بل إن بلغت قمة نزع الحياء كما أخبر النبي من حديث أبيهريرة رضي
الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تفنى هذه الأمه
حتى يباشر الرجل المرأة بين الناس، لا تفنى هذه الأمه حتى يباشر الرجل
المرأة بين الناس ويقول خيرهم يومئذٍ هلا واريتها وراء الحائط)
يأتي على الناس زمان يباشر الرجل المرأة أمام أعين الناس، جاء الزمان والله
إن ما نراه في الأفلام وفي المسلسلات بل نراه في الواقع على الشواطئ
والبلاجات بل ربما رأيناه حاضراً في الشوارع والطرقات، كان في الزمن الأول
في مكان مظلم في الخرابات، أصبحفي هذا الزمان في المكان المضيئ لا يستحي لا
من الله ولا من الناس وخيارهم يومئذ من يقول له هلا واريتها وراء جدار.
أما في هذا الزمان فلم يعد خيار لم يعد أحدٌ يأمربالمعروف ولا ينهى عن
المنكر بل زادت الجرأة لما نزع الحياء بأن تخرج إحداهن وتدافع عن زناها
وتحارب عن زناها وتحارب عن الطفل الذي جاءها من زنا وتزعم أنهاعلى حق وأن
الناس جميعاً على باطل ويبارك الناس لها ويصفقون لها لأنها كسبت قضيةزنا
ونسبت إلى رجل لا يصح النسب إليه إن كان بحق أو بباطل العجيب أنها لا تستحي
لامن الله ولا من الناس بل يصفق الناس لها علانية تُعلن زناها تُعلن قلة
حيائها بل الأعجب من ذلك أن يأتي أبوها وأمها ليدافع عنها رغم أنها تزوجت
بغير ولي، تزوجت رغمأنها فعلت الفعله بغير علم أبيها ولا بعلم أمها وإلا
لكان زواجاً شرعياً ونبينا يقول : أيما امرأة زوجت نفسها فزواجها باطل باطل
باطل، ونحن نقول إنه حلال وإنهمشروع هل هذا الذي أخبر به النبي إنه من
معالم النبوة التي يخبر أنه سيأتي زمان على الناس لا يكون فيه حياء المراة
تراها متنقبة في لحظة ثم تخلع نقابها فإذا مر بهاالرجال لا تنزل نقابها إلا
إذا كان الرجل مقابلاً لها أما من بعيد فتقول لا يرانيأو من الشباك أو في
البلكونه تنزع نقابها وتقول إنها حيية.
أين الحياءالذي منع أم المؤمنين عائشه أن تخلع أو تنزع ثيابها أو تخلع خمارها في بيت أو في حجرة دفن فيها أمير المؤمنين عمر.
في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث أبي هريرهرضي الله عنه أنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وستون – كما في رواية البخاري- أو
بضع وسبعون – كما في رواية مسلم الإيمان بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة
أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من
الإيمان.
قال أهل العلم وتسمية النبي للحياء أنه من شعب الإيمان دلالة على عظم هذا
الخلق في الإسلام، والحياء شعبة من الإيمان أو الحياء من الإيمان .
و في سنن الترمذي بسند حسنه الشيخ الألباني وهو صحيح موقوف وضعفه بعضهم
مرفوعاً إلى النبي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه – لنبين ما هي
علامة الحياء ما هي مظاهر الحياء كيف تعرف هل أنت حيي بصدق أو بحق هل أنت
حيية بصدق وبحقأم غير ذلك - قال عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأصحابه يوماً استحييوا من الله حق الحياء قالوا إنا نستحيي من
الله والحمد لله قال لا من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى
والبطن وما حوى وليذكر الموت والبِلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا.
مظاهر الحياء حددها النبي أوموقوف على عبد الله بن مسعود إذ يقول :
استحييوا من الله حق الحياء أي أن هناك حياء مكذوب وحياء صدق حق قال
استحييوا من الله حق الحياء قال أصحاب النبي : إنا نستحيي من الله والحمد
لله ولم يقولوا نستحيي من الله حق الحياء لأنهم يعيبون على أنفسهم فإن كان
هناك تقصير ففينا يا رسول الله لا يزكون أنفسهم وهم أدب الصحابة مع النبي،
قالوا إنا نستحيي من الله والحمد لله قال الحياء من الله حقاً أن يحفظ
الرأس وما وعى والرأس فيه العينان والأذنان واللسان والشفتان فمن كان حيياً
فليحفظعينيه من محارم الآخرين وليحفظ لسانه من العيب والوقيعة في الأعراض
وليحفظ أذنه من سماع الغناء والقنى والغُنى أن يحفظ جوارحه فليحفظ الرأس
وما وعى والبطن وما حوى والبطن فيه المأكل وفيه الفرج فلا يأكل إلا حلالاً
ولا يأتي إلا حلالاً ثم وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة
الدنيا.
هذه حقيقة الحياء وهو الميزان الذي نزن به أنفسنا عباد الله هل ما نراه في
بنات الجامعات في الجامعه من عُري حتى يبدو نصف بطنها أو كل جسمها، هل هذا
من الحياء هل هذا من الدين هل هذا من الإيمان ؟ هل ما نراه من تراقص الشباب
والشابات هل هذا من الحياء ؟ كل هذا يحتاج إلى مراجعة في ميزان الحياء
الحق، أن نراجع به أنفسنا وخاصةً تراجع النساء نفسها في هذا الخلق العظيم.
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الحياء والحياة وأن يعيننا على أنفسنا وعلى شياطيننا
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين
ربنا هيئ لنا من أمرنا رشداً ربنا اغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا وارحم ضعفنا وتولىأمورنا
اللهم حلنا بحلة الإيمان وزيننا بزينة التقوى واكسنا بثياب الحياء اللهم
ارزق نساءنا وبناتنا الحياء ارزق شبابنا الحياء وارزقنا واجعلنا من أهل
الحياء
اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مؤمنين مسلمين واحشرنا في زمرة خير النبيين واسقنا من يد نبيك شربة هنيئة لا نظمئ بعدها أبداً
بحولك وقوتك يا أرحم الراحمين
عباد الله من المؤمنين والمسلمين أكثروا من الصلاة والسلام على خاتم النبيين
سائلين الله عز وجل أن لا يفضح أمرنا و لا يكشف سترنا ولا يخيب رجاءنااللهم
إن كشفنا عوراتنا فاسترنااللهم لا تفضحنا ولا تكشف سترنا ولا تخيب رجاءنا
اللهم لا تفضحنا بين يديك ولا بين يدي خلقكيوم العرض عليك
اللهم إنا نسألك سؤال العبيد الضعفاء المساكين سؤال من ذلتلك رقبته وفاضت
لك عينه وخضع لك قلبه وخضعت لك جوارحه أن تستر علينا فيالدنيا والآخرة
اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك نسألك يا
الله يا مغيث يا عليم يا سميع لا تكشف سترنا ولا تفضح أمرنا
اللهم أنا أتيناك بذنوب كثيرة فاستر علينا بسترك الذي لا ينكشف اللهم إنك
أعلم بنا منا فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلننا أنت
المقدم وانت المؤخر وأنت على كل شيئ قدير
إلهي وسيدي أسألك بحولك وقوتك أنتديم علينا عافيتك وسترك وأن تجعل آخر كلامنا من الدنيا
لا إله إلا الله محمد رسول الله
صلوا وسلموا عليه كما أمركم ربكم في كتابه
يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
اللهم صلي وسلم عليه كلما ذكرك الذاكرون
و غفل عن ذكرك الغافلون