.قال تعالى " إنا كل شئ خلقناه بقدر " وقال عز وجل " وخلق كل شئ فقدره
تقديرا " وقال سبحانه وتعالى " وإن من شئ إلا عندنا خزآئنه وما ننزله إلا
بقدر معلوم " وقال تعالى " ما أمصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا
في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " يؤمن المسلم بقضاء الله
وقدره وحكمته ومشيئته وحكمته وإرادته وتدبيره والمسلم لا يحيل شيئا من شأن
القضاء والقدر بل المسلم يوجب كل ذلك ويحتمه فالقضاء والقدر هما علم الله
تعالى الأزلي بكل ما أراد إيجاده من العوالم والخلائق والأحداث والأشياء
وتقدير الخلق وكتابته في اللوح المحفوظ كما هو حين يقضى بوجوده كميته
وكيفيته وصفته وزمانه ومكانه وأسبابه ومقدماته ونتائجه بحيث لا يتأخر شئ من
ذلك عن وقته ولايتقدم عما حدد له من زمان ولا يتبدل في كميته بزيادة أو
نقصان وذلك لسعة علم الله تعالى الذي علم ماكان وما يكون ومالم يكن لو كان
كيف يكون فما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن ولربطه تعالى الوجود
كله بقانون السنن الذي يحكم كل أجزاء الكون على حد سواء قال تعالى " وعنده
مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة
إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين "
وقال تعالى " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " وقال رسول الله
عليه وسلم " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " وقال عليه الصلاة السلام " إن
النذر لا يرد قضاء " وقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله ابن قيس " ألا
أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " وقال صلى الله
عليه وسلم لابن عباس " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم
ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك
إلا بشئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " هذا النوع من القدر
يجب الإيمان به ويجب الرضا به والتسليم لله تعالى فيه على وفق رضا الله
تعالى وبناء على مشيئته وحكمته وواقع على أساس تدبيره لملكه وخلقه وإنه
مامن حادثه تحدث في الكون إلا ولله تعالى فيها حكمة عالية مقصودة ومن هنا
قبح بالمرء أن يسخط من هذه الأحداث المقدرة له بل عليه أن يؤمن بها وليعلم
أن هذه الأمور والقدر من عند الله كما جمل به أن يقابلها بكامل الرضى
ومطلق التسليم وللرضا بهذا القضاء نتائج سارة وثمرات طيبة فأنه يكسب صاحبه
مضاء العزيمة إذ من اطمأنت نفسه إلي أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما
أخطأه لم يكن ليصيبه خلت جميع أعماله من الحيرة والتردد وانتفى من حياته
القلق والإضطراب لأنه لا يحزن على ماض ولا يغتم لحاضر ولا يؤلمه هم
المستقبل وبذلك يكون أسعد الناس حالا وأطيبهم نفسا وأصلحهم بالا وأهداهم
خاطرا وأنه يكون من أشجع الناس عقلا وقلبا وأكرمهم قولا ونفسا إذ من عرف أن
أجله محدود ورزقه معدود فلا الجبن يزيد في عمره ولا الشح يزيد في رزقه
نافس في البطولات وسابق في المكرمات والإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان
فقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعريف الإيمان " الإيمان أن تؤمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره " هذا
التعريف يدلنا أن القدر ركن من أركان الإيمان فيجب الإيمان به وبما يصيب
الإنسان من خير أو شر فالإيمان بالقضاء والقدر هو وسيلة إلي ترك الحزن على
مافات من متاع الحياة الدنيا وترك الفرح الحامل على البطر والتكبر والغرور
بما يؤتي الإنسان من حطام الدنيا ومتاعها الزائل كما هو وسيلة إلي الصبر
والتحمل والطمأنينة