لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد بدأت مقالي بهذا السؤال والذي قد يتلعثم في الإجابة عليه كثيرون! فهل هو فعلاً سؤال صعب؟ لتجرب أنت الأن أن تجيب.
هل جربت أم استعجلت واستسهلت فجرت عيناك الأسطر لترى الإجابة؟
إن الفرق أحبتي بين شعبان العام 1430هـ، وشعبان الماضي 1429هـ هو عام مر من أعمارنا!!
عام كامل ستجده حتمًا ولابد مسطرًا في صحيفتك يوم القيامة... عام هجري كامل أي: ما يزيد على الثلاثمائة يوم بكل ساعاتها، بل بكل دقائقها وثوانيها! وإذا كان ابن رجب -رحمه الله- نقل في لطائفه أن إبراهيم النخعي -رحمه الله- كان يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ويقول: "اليوم تعرض أعمالنا على الله -عز وجل-!" فكيف بأعمال عام كامل؟!
يا الله! ما أشد غفلتنا عما يراد بنا!! يا ترى ماذا صعد في هذا العام من أعمالنا؟!
كيف هي مكانتنا عند الله من خلال هذه الأيام؟
ترى من المقرب السعيد، ومن المبعد التعيس؟
من ذا الذي تقرب إلى الله في هذا العام بالفرائض فأحسنها وأتقنها، وأتبعها بما أمكنه من النوافل؟
من غض فيها بصره عن المحارم؟ من صان سمعه عن الغيبة والنميمة؟ من حفظ يده أن تمتد إلى حرام.. ورجله أن تمشي إلى حرام؟
هل من أكلة استجلب بها عبد غضب ربه عليه طوال هذه الثلاثمائة؟
هل من كلمة استوجب بها عبد الهوي في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب خلال هذه الثلاثمائة يوم؟
هل من خلوة سها فيها عبد وغفل عن نظر الله إليه، واطلاعه عليه فأفسح لنفسه في المعاصي فعصى ربه وهو ينظر إليه ومطلع عليه؟
عباد استوجبوا الجنة في هذه الثلاثمائة.. وآخرون استوجبوا النار في خلال هذه الثلاثمائة أيضًا، أناس طويت صحائفهم وختمت بالإحسان فهم يتقلبون في درجات الجنان، وآخرون طويت صحائفهم وختمت بالعصيان فهم يكبكبون في دركات النيران.. وكل هذه في الثلاثمائة يوم!
طاعات الخلوات تعطرت بها نسمات الهواء وهي ترفع إلى فاطر الأرض والسماء..
دمعات الأسحار زادت الوجوه نورًا وإشراقـًا.. والقلوب لذة ومحبة..
صدقات الإسرار تقبلت من لدن الكريم الرحيم الغفار..
عطش الهواجر وظمأها استحال ريًا لدى الكريم المنان..
جلسات الذكر ختمت بالثناء في الملأ الأعلى لأصحابها..
قلوب تعلقت بكلام ربها وعكفت على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.. ختمات وختمات.. وتلاوات عاطرات.. وتدبر وعظات، ودروس حاضرات..
درجات راقيات.. ومنازل شريفات حازها وفد الرحمن ومحبو القرآن.. ومديمو الصيام.. والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، والمعلقة قلوبهم بالمساجد والجماعات.. وطالبوا العلم في الحلقات؛ ترى: لو اطلعت على لما أعد الله لهم في الجنة الآن كم يكون شوقك للحاق بهم.. وحسرتك على ما فاتك وحصلوا؟!
وكيف لو كان العبد في المقابل قد أتى في العام نفسه بما أسقطه من عين مولاه.. وأبعده عن قربه وصفاه؟!
كم هي السيئات في هذه الثلاثمائة، بل في دقائقها ولحظاتها؟ كم تكون؟ كم في اليوم؟ كم في الساعة؟ كيف يكون اللقاء؟
كم يكون الحمل ثقيلاً؟! كم يكون الوزر مسيئًا؟!
كيف يكون الحال عند الميزان؟ كم هو قدر هذا العام في الميزان؟؟
كيف يكون السير على الصراط؟
كيف إذا ذكَّر الرب -جل جلاله- عبده بذنوب الثلاثمائة يوم؟! أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟
أتذكر تلك الكلمات الآثمة التي نلت بها من ديني وشرعي؟
أتذكر تلك العبارات التي استهزأت بها من أوليائي؟
أتذكر تلك النظرات الفاجرة إلى محارمي؟
أتذكر تلك الخطوات إلى ما فيه غضبي؟
أتذكر تلك الكتابات التي تسببت بها في ظلم خلقي؟
ترى كم ذنب تذكر به أخي؟!
يا الله.. رحمتك رحمتك.. عفوك عفوك..
يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله.. كم كنا غافلين.. كم كنا متكاسلين.. كم وكم.. في هذه الثلاثمائة يوم ويزيد، ولكن بعد هذا كله ماذا تريد؟
نعم لعلك تسألني هذا السؤال، وعليك أجيب فأقول: حان وقت المراجعة.. جاء وقت الحساب.. جاء الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، ومرة أخرى أنت مازلت على قيد الحياة، ولم توسد في التراب دفينـًا خلال هذه الثلاثمائة، بل أبقاك حيًا، وقرأت هذه الذكرى أليس لأنه يحبك؟
فماذا أنت فاعل إذن؟؟
تجد الإجابة -إن شاء الله- في المقال التالي بعنوان: "لماذا شعبان؟؟".
وأختم فأقول: "أحبتي في الله: اعلموا أنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ولن تروا من الشر إلا أسبابه، والخير بحذافيره في الجنة، والشر بحذافيره في النار، والدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر، ولكل دار بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
لك شأن وللناس شأن فلا تقلدن في دينك الرجال، وإن المؤمن أسير في هذه الحياة الدنيا يسعى في فكاك رقبته من النار، ويعلم أنه مؤاخذ عليه في سمعه وبصره ولسانه، وسائر جوارحه، فارفق بنفسك؛ فالأمر إما جنة وإما نار، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه، وكانت هذه التذكرة؛ ليهون موقفنا بين يدي الله -عز وجل-، ويقصر ولا يطول، وحتى إذا وقع التقرير بالذنوب أتذكر... فإنا لنطمع في لطيف الخطاب بعدها: "عبدي: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم".
فأري الله من نفسك خيرًا فقد أتي شعبان... نعم أتى شعبان، يقول الشاعر:
مـضى رجب وما أحـسنـت فـيه وهـذا شـهـر شـعـبـان المبارك
فـيا مـن ضـيع الأوقـات جـهـلاً بحـرمتها أفـق واحــذر بـوارك
فـسوف تـفـارق اللـذات قـسـرًا ويخلي الموت كرهًا منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا بـتـوبة مـخـلص واجعل مدارك
على طـلب السلامة مـن جحـيم فخير ذوي الجـرائم من تـدارك
اللهم اغفر لنا، وارحمنا، واهدنا، وعافنا، وارزقنا.