عوامل قيام الحضارة وانهيارها في القران الكريم
"القران الكريم يبين لنا أن الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا دعاة عبادة وتقوي ومعلمي شريعة فحسب بل كانوا مؤسسي مدنيات وحضارات وكانت مواقفهم وسيرهم عبرا وهم قدوة ونماذج تحتذي في البطولة والصبر والتفاني في خدمة الانسانية فصارعوا الباطل وقاوموا الظلم وجاهدوا في الله حق جهاده " " وأنه ماسقطت حضارة ...الا في ساحة الفساد الأخلاقي والعقيدي والانصراف عن طريق الأنبياء والرسل " واذا أردنا الاستدلال علي صحة هذا الكلام فعلينا أولا أن نبرز مظاهر تلك الحضارات ودور الانبياء فيها
1-اختراع الكتابة
يقول موسكاتي : " لاريب أن هذا الاختراع أعظم ماأسهمت به شعوب سوريا وفلسطين قديما في مضمار الحضارة " (الحضارات السامية : موسكاتي) وعن فضل الكنعانيين (وهم أهل سوريا وفلسطين )علي العالم بسبب هذا الاختراع يقول محمود شاكرفي كتابه (موسوعة الحضارات ) :للكنعانيين فضل كبير علي العالم باكتشافهم الأبجدية أي الحروف الهجائية التي اقترنت باسمهم وهي ظهرت بصورة تدريجية بين الأقوام العربية فقط ويمكن اعتبارها أصل الحروف العربية في الوقت الحاضر "
وهناك من يذهب الي أن سيدنا ابراهيم علي السلام هو الذي اكتشف الحرف ويستشهد علي قوله ذلك بالكتاب والسنة وبالأبحاث العلمية المتخصصة في هذا الشأن مثل دكتور علي سكيف حيث يقول : بينت الآيات الكريمة المصدر الذي استوحي منه ابراهيم عليه السلام الحرف في قوله تعالي : (هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك الا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ) يونس :5 ، فمنذ ذلك الوقت استعمل العرب الحروف مقام الأرقام في كتاباتهم والتي اكتشفها ابراهيم عليه السلام بوحي من الله من منازل القمر "
وأما الدليل علي ذلك من السنة عن ابن عباس قال : (حينما سئل النبي (ص)عن أول من كتب بالحروف العربية قال : اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ) وهذا يعني أنه تعلمها من أبيه عليه السلام وهو أول من كتب بها " واختراع الكتابة احدي مظاهر الحضارة المعينية العربية وأهم انجازاتها
2-اكتشاف أول صك للنقود
الحضارة العربية كان لها الفضل في اكتشاف أول صك للنقود في العالم سبق الصك اليوناني بأكثر من ألف عام وهذا ماتشير اليه الآيات في زمن يوسف عليه السلام في قوله تعالي : (وشروه بثمن بخس دراهم معدودات وكانوا فيه من الزاهدين ) يوسف : 20 ويستدل علي ذلك بما عثر عليه من نقود كانت موجودة في هذه لحضارة كما يذهب الي ذلك د . علي سكيف الذي يقول بأن العلماء والبحاثين الغربيين اعتبروا أن اليونانيين هم أول شعب يكتشف صك النقود في العالم القديم عام 680 ق.م لكي لايحتكر العرب هذا الاكتشاف اضافة الي اكتشاف الحرف رغم عثورهم علي بعض النقوش المعينية فيها نصوص تفيد وجود النقد والتعامل به في معاملات البيع والشراء منهم "نيلسن" الذي يقول : مما يؤكد وجود النقد والتعامل به في الحضارة المعينية ورود ذكر بعضها مع اسماء ملوك معينيين وقتبانيين في تدوين عقود زراعية أو ضرائب ....وقد يجوز أن تكون قد ضربت قبل أيامهم بأمد طويل وأنها كانت مستعملة قبل أيامهم في الأسواق ولذلك أشير اليها في تلك الكتابات "
دور أنبياء هذه الحضارة في بناء الاقتصاد القوي
لقد كان للأنبياء في هذه الحقبة التاريخية من مسيرة الحضارة الانسانية دور بالغ الأثر في نهضتها سواء كان بالأثر الفعلي الملموس أو بالقواعد النظرية الداعية الي الكسب المشروع ونبذ الاستغلال وايفاء الكيل كما وجدنا ذلك عند قوم شعيب ونبي الله ابراهيم ويوسف الذي بحسن تخطيطه وادارته للأزمة الطاحنة من مجاعة تهدد البلاد كان لكل أثر في الازدهار الحضاري والنشاط التجاري فعم الرخاء والعدل في البلاد وفلاسفة الحضارة والتاريخ يجمعون علي ضرورة الصفوة لقيام الحضارات وأنه مامن حضارة تقوم الا كان للصفوة من أبناء أمتها دور عظيم في نشأتها " وبالتالي فالأنبياء والرسل والسائرين علي دربهم هم أولي بالاقتداء بهم لأنهم خير من خدموا الانسانية" ومن دلائل ذلك في هذه الحقبة التاريخية
دور سيدنا ابراهيم في تنشيط التجارة
"أيام وصول سيدنا ابراهيم عليه السلام الي منطقة مكة كانت الخطوط التجارية تمر بعرفة وليس ببطن الوادي حيث بيت الله وذلك لانعدام الماء والناس والزرع منه فكان أول من سكن الوادي وهو علي هذه الحال اسماعيل عليع السلام وأمه هاجر ومع ظهور ماء زمزم بدأ الوضع يتغير ودلت الطير ركاب القوافل الي التغيرات بالوادي وما ان أعلن ابراهيم الحج وبدأ الناس يلبون دعوته حتي اتخذ بعض الناس بطن الوادي سكنا مما مهد قيام نقطة خدمات للقوافل والحجاج فتمصر بطن الوادي مع الوقت حتي غدا محطة استراتيجية غاية في الأهمية (ينظر الي أطلس تاريخ الاسلام : حسين مؤنس)
وهكذا تحول بطن الوادي تدريجيا الي ممر تجاري بعد أن تحولت اليه خطوط القوافل المجاورة لتوفر المياه وتكاثر الناس فيه بالمقارنة مع زمن ماقبل دخول ابراهيم عليه السلام وفي هذا قال تعالي : (واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره الي عذاب النار وبئس المصير ) البقرة :126
دور نبي الله يوسف في التخطيط المحكم للاذدهار الاقتصادي
وعن هذا الدور الاقتصادي الذي خص به سيدنا يوسف في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي كادت تعصف بالبلاد يقول الشيخ متولي الشعراوي في تفسيره لقوله تعالي عن يوسف : (اجعلني علي خزائن الأرض ) أي اجعلني أتولي الاقتصاد وقوله : (اني حفيظ عليم ) أي عندي من الخصال مايتطلبه العمل ويقول القاسمي في تفسيره لتلك الآية حينما قال يوسف للملك اجعلني علي خزائن الأرض اني حفيظ عليم ) أي ولني خزائن أرضك اني علام بوجوه التصرف والتدبير ولذلك ازدهر اقتصاد مصر في عصره عليه السلام وعلي يده ولحسن تصرفه وتخطيطه حقق ازدهارا لعل مصر لم تعرف له مثيلا منذ ذلك الوقت "وسادها العدل بعد الظلم والوفرة بعد سنين القحط الاحتياج "(سيد قطب :في ظلال القران الكريم ) ومن تمكين يوسف في الأرض نستخلص أهم سنن التمكين للمؤمنين لعل أولها الصبر والثبات ثم العلم والحكمة وفضل الله من قبل ومن بعد فسنن الله أن يأتي التمكين بعد الابتلاء كما حدث ليوسف وكما سنري عند بني اسرائيل فكان موسي عليه السلام يفقه سنن الله في وراثة الأرض ولذلك كان يقول لقومه : (استعينوا بالله واصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )الأعراف :128 فسنن الوراثة من خلال هذه الآيات ثلاث : الاستعانة بالله والصبر (علي مشقات الطريق بالفعل الايجابي وليس السلبي الذي يعني الجبن والاستسلام ) ، وأنها تكون لعبادة الله (والعبادة هنا بالمفهوم الشامل كمثل قولنا العمل عبادة وليس قاصرا علي أداء الطقوس الدينية المعروفة) ،ولله الأمر من قبل ومن بعد وكان موسي يخاطب قومه بفقه هذه السنن التي لم تتبدل ومازالت حتي اليوم فهي عوامل النصر والتمكين والظفر والعزة (سنن القران في قيام الحضارات وسقوطها : محمد هيبشور، الناشر المعهد العالمي للفكر الاسلامي ، في ظلال القران الكريم )
نبي الله شعيب ونصائحه لقومه بالكسب المشروع
يمثل نبي الله شعيب امتدادا لسلسلة الأنبياء السابقين الذين جاءوا حاملين لواء التوحيد في يد والعمران والحضارة في اليد الأخري حيث أتي في مرحلة تحول الانسان في مجتمعه الي صورة بشعة فضاعت انسانيته وانتزعت الرحمة من قلبه وتحول المجتمع الي غابة يأكل القوي فيها الضعيف وحين تشوه الصورة الانسانية بهذه الدرجة نتيجة التكالب المادي علي متع الحياة يبعث الله الأنبياء في محاولة لتصحيح هذا الاعوجاج والانحراف عن الفطرة السليمة وحين يتأبي الانسان علي الطاعة ويستكبر ويصر علي العصيان يكون العقاب الالهي هو الحل الأمثل لتطهير البشرية من هذا النوع من البشر ليستخلفهم أناسا هم أجدر بالعيش والعمران وهذه سنة الله في الأرض وهذا ماحدث مع قوم نبي الله شعيب فبسبب الغش أهلكهم الله
والشيخ الشعراوي يؤكد هذه الحقيقة من خلال تفسيره لقوله تعالي : (أوفوا الكيل ولاتكونوا من المخسرين . وزنوا بالقسطاس المستقيم . ولاتبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) الشعراء : 181-183 فالآيات تنهي عن النقص في الكيل والميزان عند البيع والشراء ...وكل شيء ينقص بالأخذ أو بالتصرف فيه عن غير رأي واذن صاحبه يسمي بخسا للشئ . وفي قوله تعالي عن شعيب ونصحه لقومه والتي تكررت في مواضع عدة من القران كتأكيد أن لا نقع في مثل ماوقعوا فيه يقول تعالي : (وياقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين . بقيت الله خير لكم أن كنتم مؤمنين وماأنا عليكم بحفيظ ) هود :85 ،86 يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره : الله سبحانه وتعالي قد حدد حركة الحياة التي تفسد في الأرض فلو أنه أباح الربا مثلا فسيزداد الغني غني والفقير فقرا وهذا مانراه في عالمنا اليوم فالغني الفاحش والفقر المدقع يخل بميزان الحياة وتنشأ عنه الحوادث والكوارث والارهاب والعداء المستحكم بين الشعوب والأفراد ولذلك قيد الله حركة المال هنا . كذلك تقييد حركة المال في الميزان حتي لا ينتشر الفساد في المجتمع فقوانين الله سبحانه وتعالي في حكم المال وحركته في الحياة هي لصالح البشر وكان يجب عليهم أن يطالبوا بها
وعلي هذا فنبي الله شعيب كان مصلحا اقتصاديا من الطراز الاول لما يؤدي اليه الاخلال بمبدأ العدل واشاعة الظلم الي انهيار بنيان المجتمعات التي أراد الله بها أن تؤسس علي التقوي واشاعة المحبة والتآلف بين أفراد المجتمع وهذا ما خلا منه قوم شعيب فقوله تعالي : (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) الأعراف : 86 أنهم كانوا يأخذون العشور من أموال المارة وكانوا أول من سن ذلك ويتوعدون الناس ويخيفون السبل ويقطعون الطريق علي القوافل التجارية الذاهبة والآيبة بين شمال الجزيرة وجنوبها ويفرضون عليها مايشاءون من المعاملات الجائرة مع أنه لم تكن هناك دواع اقتصادية تدفعهم الي هذا الجور والنهب والاغارة والحرابة التي مارسوها بحكم موقع بلادهم الجغرافي (ينظر لقصص الانبياء لابن كثير ، وقصص الانبياء الشيخ الشعراوي ، سنن القران في قيام الحضارات وانهيارها )
ذو القرنين والتمكين في الأرض
كما مكن الله سبحانه ليوسف عليه السلام فنشر الرخاء والعدل والايمان والحضارة في ربوع موطنه ذلك مكن لذي القرنين فما من أرض يطأها حتي تكون مولدا للحضارة والتي يضع أسسها من الأمن وعبادة الله ومحاربة الفساد والمفسدين
وقد تذكر الكثير من الروايات بأنه أسلم علي يدي ابراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هو واسماعيل عليه السلام واختلفت الروايات بين كونه نبي أوعبد صالح فتح البلاد ونشر فيها التوحيد وكان الخضر وزيره (قصص القران : بن كثير )
ويسجل القران صفحات مشرقة في سيرة رجل من رجال العلم والتمكين هو ذو القرنين الحاكم النموذجي والقائد القدوة الذي قمع يأجوج ومأجوج المفسدين في الأرض والذين كانو يهاجمون القوم ويغيرون عليهم فعرضوا علي ذي القرنين أن يقيم لهم سدا مانعا في وجوههم مقابل خراج من المال هو أجرعمله فتطوع بعمله دون مقابل قائلا : (مامكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ) الكهف :95 فيسر الله له أسباب الحكم والعمران والرزق وأعلن دستور حكمه العادل في القوم الذين وجدهم عند عين حمئة قال تعالي : (أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الي ربه فيعذبه عذابا نكرا . وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاءا الحسني وسنقول له من أمرنا يسرا ) الكهف : 87 ،88 (في ظلال القران الكريم ج /4 )
وكان ذو القرنين من الذين قال الله فيهم : (الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) الحج : 41 قال القاسمي في تفسيره : في الآية تأكيد لما وعد الله من اظهار أهل الحق واعلاء كلمتهم (محاسن التأويل )
فالاستخلاف عد من وعود الله التي لا تتخلف للذين آمنوا وعملوا الصالحات في كل عصر فالايمان والعلم الصالح من سنن الاستخلاف أما الذين يملكون الأرض ليفسدوا فيها وينشرون البغي والجور والرعب فينحدرون بتلك الأمم التي تولوا عليها الي مدارك الغبن والضنك ويسوقونها الي مهاوي الهلاك والدمار فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض وفق السنن التي ارتضاها لعباده في الاستخلاف وهؤلاء الناس المستخلفون هم البلايا علي هذه المجتمعات التي سلطوا عليها (في ظلال القران الكريم : ج/4)
وبناءا علي ماسبق يتضح لنا أن عوامل قيام الحضارة في أي بقعة من الأر ض لابد لها من عوامل أهمها الايمان والعلم والعمل والقوة والعزيمة الصادقة وثقة في الله بأن النصر للحق وهي تلك الصفات التي تتحلي بها الصفوة أو القيادات الربانية لتبثها الي نفوس أفراد المجتمع فينتشر الأمن ويعم الرخاء كما كان ذلك واضحا وجليا في عمل يوسف وذي القرنين وهذه سنة الله التي لا تتبدل لنهضة أي مجتمع انساني عبر التاريخ
دور أنبياء بني اسرائيل في الحيلولة دون انهيار حضارة قومهم
يبرز نبيان خلال التاريخ العاصف لمملكة يهوذا : أشعياء وقت سقوط اسرائيل وأرميا حين سقطت أورشليم وأسفار الأنبياء المتقدمين تعرض علينا التاريخ المتأخر لمملكتي يهوذا واسرائيل وتتنبأ بسقوطهما علي أنه نتيجة لآثامهما لا مفر منه (الحضارات السامية القديمة) فكان انهيار حضارة مملكتي يهوذا واسرائيل وكما سنري نتيجة بلوغ أعلي قمة منحني الانحراف العقائدي والسلوكي فأرسل الله اليهم الأنبياء يتوالي الواحد بعد الآخر لموعظتهم وتحذيرهم دون جدوي من هؤلاء
1-نبي الله أشعيا بن أمصيا
قال بن كثيير : وكان قبل ذكريا ويحي وهو من بشّر بعيسي ومحمد عليهما السلام وكان في زمانه ملك اسمه "حزقيا " علي بني اسرائيل وكان سامعا مطيعا لأشعيا فيما يأمره به وينهاه عنه من المصالح وكانت الأحداث قد عظمت في بني اسرائيل وقصدهم ملك بابل "سنحاريب " وفزع الناس فزعا شديدا ولكن الله أهلك جيش سنحاريب وعندما عاد من بقي منهم وأخبروهم بما حدث قال السحرة والكهنة لسنحاريب ان أخبرناك عن شأن ربهم وأنبيائهم فلم تطعنا (قصص الانبياء والمرسلين )
وهكذا يتجلي لطف الله بعباده لاسيما في أوقات الشدة وان لم يكن هناك توازن مع المعتدين عليهم في القوة المادية ولكن بقي عنصر الايمان هو العاصم من هذا البلاء العظيم قال تعالي : (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل علي الله فهو حسبه ان الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا ) الطلاق :2،3 وكان عمر بن الخطاب مما يقوله لجيوشه ناصحا لهم بضرورة التمسك بالدين "انما تنتصرون علي أعدائكم بعصيانهم لله " وهنا نتعلم أن القوة المادية مهما عظمت من جانب الأعداء فان الله أقوي وأعظم وكما يقول تعالي : (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير )الأنعام : 18
ولكن سنجد بني اسرائيل ينكرون فضل الله عليهم ونجاتهم لهم من أعدائهم فعظمت ذنوبهم وفسادهم وكما نقل بن كثير عن بن اسحاق قوله : " لما مات حزقيا ملك بن اسرائيل رج أمرهم واختلطت أحداثهم وكثر شرهم فأوحي الله الي أشعيا وقام فيهم فوعظهم وذكرهم وأخبرهم عن الله بما هو أهله وأنذرهم بأسه وعقابه ان خافوه وكذبوه فلما فرغ من مقالته عدوا عليه وطلبوه ليقتلوه فهرب منهم فمر بشجرة فدخل فيها فجاءوا بالمنشار فرضوه علي الشجرة فنشروها ونشروه معها" فانتقم الله منهم بجيوش بختنصر فدمرهم وقبله أرسل الله اليهم النبي آرميا فكذبوه
2-نبي الله آرميا (وقصة خراب بيت المقدس )
في قصة نبي الله آرميا سنجد تفصيلا دقيقا لعوامل سقوط حضارة بني اسرائيل فلقد أمر الله سبحانه نبيه آرميا وعظ بني اسرائيل وتحذيرهم غيهم وفسادهم قال وهب بن منه : " أوحي الله الي نبي من أنبياء بني اسرائيل حين ظهرت فيهم المعاصي أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم قلوبا ولايفقهون وأعينا ولا يبصرون وآذانا ولا يسمعون فسلهم هل سعد أحد ممن عصا بمعصيتي وهل شقي أحد فيمن أطاعني بطاعتي أما أحبارهم فأنكروا حقي وأما قراؤهم فعبدوا غيري وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما علموا وأما ولاتهم فكذبوا عليّ وعلي رسلي خزنوا المكر في قلوبهم وعودوا الكذب ألسنتهم واني أقسم بعزتي وجلالي لأبعثن عليهم ملكا جبارا قاسيا له عساكر كقطع السحاب يعيدون العمران خرابا ويتركون القري وحشة ...وان يسألوا لم أعطهم وان بكوا لم أرحمهم ..." (رواه بن عساكر في تاريخه ج/2 )
وفي رواية أخري يقول الله تعالي : "ياآرميا لو أن قومك حفظوا اليتامي والأرامل والمساكين وابن السبيل لكنت الداعم لهم وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها طاهر ماؤها لاتبور ثمارها ....اني كنت لهم بمنزلة الداعي الشفيق أجنبهم كل قحط وكل عسير ...حتي صاروا كباشا ينطح بعضهم بعضا فياويلهم ثم ياويلهم انما أكرم من أكرمني وأهين من هان عليه أمري ان من كان قبل هؤلاء من القرون يستخفون لمعصيتي وان هؤلاء القوم يتبرعون بمعصيتي تبرعا فيظهرونها في المساجد والأسواق وفي كل ذلك لاينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب اني أبتدأ عبادي برحمتي ونعمتي فان قبلوا أتممت واذا غيروا غضبت واذا غضبت عذبت وليس يقوم شئ لغضبي .." فلما بلّغهم آرميا رسالة ربهم وسمعوا مافيها من الوعيد والعذاب عذبوه وكذبوه وسجنوه فبعث الله عليهم بختنصر الذي أذاقهم سوء العذاب وبطش فيهم بطش الجبارين قال ابن الكلبي : ومنذ ذلك الزمان تفرقت بنو اسرائيل في البلاد فنزلت طائفة منهم الحجاز وطائفة يثرب وطائفة وادي الفرق وذهبت شرذمة منهم الي مصر ..." (الطبري في تاريخه وقصص القران لابن كثير )
فبنوا اسرائيل ظلموا أنفسهم وعصوا أنبياءهم وأنكروا فضل الله عليهم فحرفوا تعاليمه التي أرسلها علي لسان أنبياهم " فالظلم من أكبر عوامل سقوط الحضارات حيث يؤدي الي فقدان التوازن في كافة مجالات الحياة في علاقة الانسان مع نفسه ومع الله ومع غيره فيعم الفساد الحياة الانسانبة كافة كما قال تعالي : (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين . فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون ) الروم : 41 -43 (سنن القران في قيام الحضارات وسقوطها )
فحين جاءت دورة بني اسرائيل الحضارية بعد أن نصرهم الله علي فرعون بهلاكه وأورثهم الأرض كان ذلك منوط بسنة الاستقامة بالاعتقاد السليم والعمل الصالح وهذه سنة وشرط للاستمرار وللأستخلاف ليس خاصا ببني اسرائيل وحدهم ....ولما كان انحرافهم في تاريخ الانسانية كانحراف الفراعين أو أشد نزعت من أيديهم الوراثة وسلبوا التمكين والملك بنفس السنن العادلة وسلطت عليهم سهام المؤمنين تارة وسهام الجبارين أمثالهم تارات أخري (زوال بني اسرائيل حتمية قرانية : للشيخ سعد التميمي ، ونحن والحضارة الغربية )
عمارة بيت المقدس
في المنفي أدرك بنو اسرائيل فداحة آثامهم وعملوا علي غسل خطاياهم من الذنوب التي حدت بهم الي هذا المصير ورجعوا الي ربهم يلتمسون المغفرة وكما يقول موسكاتي : "التفت المنغمسون في مهنتهم السياسية الي دينهم يلتمسون فيه العزاء وقامت نهضة روحية عميقة في هذه المرحلة الجديدة تعبر عنها رؤي حزقيال في المنفي ...فوجدنا الوحدانية العالمية بعد ان تحررت من قيود المشاكل السياسية الضيقة تتحد مع الأمل في حياة دينية جديدة تدور حول المعبد بعد أن يبني من جديد ويظهر نبي كبير سماه الباحثون أشعيا الثاني وهو يدعو الي الوحدانية الخلقية النقية ويري في الشقاء وسيلة للتطهر أقامها الله فهنا كما في سفر أيوب تصل اسرائيل الي فكرة التطهر التي تحدد نهاية تاريخها القديم وفي عام 538 ق.م فتح الفرس بابل وسمح " كورش " لليهود بالعودة من المنفي وبناء المعبد من جديد (الحضارات السامية القديمة ص 119 ) والقران اشار الي هذا الحدث من خراب واعادة عمارة بيت المقدس في قصة عزير عليه السلام في قوله تعالي : (أو كالذي مر علي قرية وهي خاوية علي عروشها قال أنيّ يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ...)البقرة : 259 فأمر ملك الفرس آنذاك وكان عادلا بعودة بني اسرائيل لأرضهم وعمارتها ورد الله عليهم ملكهم حتي غلبت عليهم الروم بعد ظهور النصاري ولم يقم لهم قائمة بعد ذلك (قصص الأنبياء : بن كثير )
نشأة أسطورة الأرض الموعودة الأولي والثانية (سنة التداول الحضاري )
تاريخ بني اسرائيل جرت عليه سنة الله في التداول الحضاري والمداولة في الواقع تكون مبنية علي أعمال الناس وهي سنة من سنن الله في الاجتماع البشري فتكون الدولة مرة للمبطل ومرة للمحق وانما المضمون دائما لصاحب الحق أن تكون له العاقبة من وراثة أهل الباطل وقد ذكر القران هذا التداول الحضاري في بني اسرائيل وبين أسبابه فقال تعالي وقضينا الي بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا . فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا . ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا . ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فاذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا ) الاسراء : 4-7
وحدث الاعجاز التاريخي في القران وصدقت النبوة وسلط الله علي بني اسرائيل من قهرهم وشردهم دون خلق الله ثم قال الله لهم : (عسي ربكم أن يرحمكم وان عدتم عدنا ) الاسراء : 8 في أي زمان وفي اي مكان فالجزاء حاضر والسنة ماضية (في ظلال القران الكريم ج4 )
ولقد عاد بنو اسرائيل الي الفساد في الأرض ومحاربة الحق فسلط الله عليهم المسلمين في القرن السادس الميلادي فأخرجوهم من الجزيرة العربية وعادوا الي عادتهم فسلط الله عليهم عبادا آخرين وحتي كان العصر الحديث فسلطت عليهم أمم وقادة ظالمون مثل هتلر وعادوا الآن الي الفساد والظلم ونحن في انتظار وعد الله فيهم (سنن القران في قيام الحضارات وانهيارها نقلا عن زوال اسرائيل حتمية قرآنية للشيخ أسعد التميمي امام المسجد الأقصي)
فالظلم في أبشع صوره الحاصل الآن للفلسطينين علي يد اسرائيل لايمكن للعدالة الالهية أن تغفل عنه وكما يقول تعالي : (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملي لهم ان كيدي متين ) القلم : 44 ،45 وقوله سبحانه : (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الأنفال : 30 . (واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) الاسراء : 16 . هذه بعض الاشارات القرانية للمصير الذي ينتظر الظالمين ، تثلج بها قلوب المؤمنين اذا أخذوا بأسباب النصر التي دعي اليها الله وأهمها الصلاح قولا وعملا خلقا وسلوكا (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) الأنبياء : 105
فما بالنا ببني اسرائيل الذين جمعوا بذور الانهيار والسقوط الحضاري بين جنباتهم وأهمها الادعاء والافتراء علي الله وممارسة التكذيب عليه سبحانه وعلي العالم الأجمع من خلال نشأتهم لأسطورة الأرض الموعودة والتكذيب علي الله ورسوله قد وجدناه الأساس في انهيار وسقوط الحضارات السابقة خاصة حين تصل الي درجة الاعجاب بنفسها والغرور بقوتها المادية متجاهلة سنن الله في البقاء والاستمرار في هذه الأرض وعدم الاحتياط بالعبرة مما حدث للأمم السابقة وهذا حال بني اسرائيل في الماضي والحاضر
فمن احدي بذور هذا الانحراف والتكذيب علي الله ماكشف عنه العلماء المتخصصون علي اختلاف مللهم من ادعاءات اليهود بالأرض الموعودة والتي تبدأ قصتها بعد سبيهم لبابل حيث عمدوا وهم في المنفي الي جمع المدونات الاسرائيلية الموروثة وأضافوا اليها وأصبح لليهود كتاب مقدس أطلق عليه اسم التوراة في أواخر القرن الرابع أو بداية القرن الثالث قبل الميلاد (كمال الصليبي : البحث عن يسوع ،ص 31 ) ومن ضمن مايحويه هذا الكتاب المقدس وثيقة عقارية توزع الاراضى بجبال عسير والتى سبوا من جزء ميكرسكوبى منها بأرض تبلغ 550 كم طولا و 200 كم عرضا وتمتد من الطائف الى حدود اليمن ، وزعوها كقسائم سكنية لكل سبط من أسباط اليهود ، وبقيت هذه الوثيقة العقارية المزورة والتى تحوى أسماء المناطق والقرى والقبائل العسيرية بين الناس حتى يومنا هذا كشاهد على التزوير لكتاب الله . ومع تطور علوم اللغات القديمة فى القرن العشرين أدى ذلك الى اكتشاف تطابق الاسماء التى وردت فى أسفار التوراة المحرفة مع تلك القائمة والبائدة بعسير ، وكان الدكتور أحمد داود وكمال الصليبى وزياد منى هم الرواد فى اكتشاف ما كان يخشى أئمة اليهود اكتشافه يوما ما ..." (اختطاف جغرافيا الأنبياء، ص522 ،523 ).
التزوير الثانى – الارض الموعودة الثانية :
بعد فشل التزوير للسيطرة على أمصار عسير حيث انتشروا فى بقاع الجزيرة العربية مستوطنين الأمصار التجارية آنذاك كمكة وخيبر ويثرب ومأرب ومنوف بالقبط وغزة بالشام وغيرها من الأمصار الاستراتيجية لممارسة مهنة التجارة والتى تخصصوا فى امتهانها منذ زمن يوسف عليه السلام ، حاول اليهود فى عهد بطليموس السيطرة على أمصار الشام والتى تكاثروا فى بعضها وذلك بوضع ترجمة محرفة للتوراة السريانية أثناء نقلها الى الاغريقية بمباركة بطليموس ، فحذف اسم مصر و مصريين واستبدال بالقبط والقبطيين ونقلوا أسماء الأنبياء الى العراق و الشام والقبط وأخفوا هوية فرعون موسى الحقيقية قابوس وحرفوها اسقاطا على رعميس
(زاهى حواس عالم الآثار المصرية المعروف يؤكد أن فرعون موسى لم يتم بعد تحديده من بين ملوك المصريين حتى الآن وبسؤاله كان رمسيس الثانى هو فرعون موسى فأجاب : " أبدا ..فرعون موسى مات غريقا وهم لم يجدوا أى دليل على ذلك أنه المومياء .. " مقابلة جريدة الأيام البحرين وفراس السواح فى كتابه " الحدث التوراتى والشرق الأدنى القديم ص 198" يذكر أن واقعة الخروج لبنى اسرائيل من مصر والتى ذكرتها التوراة القديمة والتى وضعت زمانها ابان حكم رمسيس الثانى لا تجد أى سند من التاريخ المصرى القديم ، فأتت سجلات العصر الذى يعتبر من أكثر فترات التاريخ المصرى توثيقا دون ذكرهم رغم الجهود الكبيرة التى بذلها المؤرخون حتى الآن ، فقد فشلوا فى ايجاد أساس تاريخي لقصة الخروج ، وبقيت النصوص المصرية صامتة صمتا مطبقا عن هذا الحدث المركزى فى كتاب التوراة)وهذا دليل واضح على التزوير اليهودى (ينظر الى ص138 -148 ، وفيه مناقشة نبوءات الرسول الأكرم (ص) بشأن مصر ) ،(كتاب جغرافيا الأنبياء وفيه اثبات أن القبط هو الاسم الأعرف لبلاد وادى النيل بالمقارنة مع اسم مصر المعروف اليوم والذى ساهم فى نشره تحريفات اليهود).
أحد ملوك القبط وفرعنوا جميع ملوك القبط فأسقطوهم فى الوثنية والتجبر واستفادوا من ظاهرة اليمن القائمة فأحلوا نهر الفرات الأصل بالجزيرة بهذا الفرات بالعراق ، وهكذا ألزموا أنفسهم بقدسية ما كتبت أيديهم ونشروه فى العالم تحت هذا الادعاء جيلا بعد جيل ، وهم يعلمون أن الله يرى ما يفعلون ، وهكذا قطع أئمة اليهود كل علاقة لليهود بالجزيرة العربية بما تحوى من مقدسات أصيلة كمكة وجبال السراة حيث كان موسى وفرعون وكل الأنبياء عليهم السلام ومسارح الأحداث (اختطاف جغرافيا الأنبياء ص522 ، 523 ) ، والتى أشار اليها القرآن كثيرا فى مخاطبته لأهل مكة (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ) الأحقاف:27 وهى تلك القرى التى انهارت حضارتها نتيجة ظلمها وتكذيبها لأنبياء الله وعصيانها ، وكلها كانت بالقرب من مكة زمانا ومكانا .
وفى هذا الصدد يؤكد د.كمال الصليبى هذا الزيف اليهودى بقوله : "الوعد الذى قطعه "الرب" يهوه لأبرام العبرانى على ما تقوله التوراة العبرية (التكوين 18:15 ) جاء بالترجمة العربية كما يلى : " لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصريم الى النهر الكبير .. نهر فرات (نهرفرت)
فهل يعقل أن يكون بنو اسرائيل قد تصوروا فى زمانهم وهم الشعب الصغير الذى قضى معظم تاريخه فى ظل الامبراطوريات المصرية والعراقية العظيمة بأن أرضهم الموعودة تمتد فعلا من النيل المصرى الى الفرات العراقى لتشمل معظم بلاد الشرق الأدنى بما فيها الشام بأسره ؟ أو هل للوعد الوارد فى سفر التكوين تفسير جغرافى آخر ؟ فهناك اجماع بين علماء التوراة بأن سفر التكوين لم يوضع الا فى وقت متأخر وذلك بعد مدة طويلة من قيام مملكة (محل اسرائيل) والتى تشمل مرتفعات السراة من عسير وهى اسرائيل وما يليها غربا من جبال تهامة ووهادها وهى يهوذا ، وواضعوا سفر التكوين قالوا بأن هذه الأرض الموعودة لجدهم ابراهيم تمتد من منطقة جيزان عند حدود اليمن الى وادى أضم ومرتفعات الطائف المحاذية لهذا الوادى فى جنوب الحجاز ، وهكذا فان نهر مصريم فى وعد يهود لابرام العبرانى لم يكن نيل مصر بل وادى لية أو أحد روافد وادى لية الذى ينبع من الجبال اليمنية ...وهذا الوادي عرف في الأزمنة التوراتية باسم نهر مصريم أو نحل مصريم نسبة الي قرية من حوض هذا الوادي تعرف اليوم بالمصرم أما " النهر الكبير" نهر فرت فهو بدون أدني شك وادي أضم حيث هناك الي اليوم قرية " الفرت " وقريبا الفرات السفلي " وشعبة الفرات " اذن لم يكن هناك لانيل مصري ولا فرات عراقي في وعد الرب يهو كما تصوره التوراة في الأصل (التوراة جاءت من جزيرة العرب ،ص 259 ، 260 )
وهذا التحريف اليهودي أشار اليه القران الكريم في قوله تعالي : (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ) النساء : 46 وفي هذه الآية اشارة واضحة وبالغة الدقة في الوصف الي العمل الذي كانت تقوم به فئة دون غيرها من أحبار اليهود وهم المعروفون بالمسورتين (أي أهل التقليد ) ...وعلماء التوراة اليوم بما فيهم العلماء اليهود يعرفون تماما أن ضبط المسورتين للتوراة لم يكن صحيحا في مواقع كثيرة وقد قامت عدة محاولات لاعادة النظر في هذا الضبط ...ولم تف بالمطلوب حتي الآن لأن التحريف الذي أدخله الضبط المسوري علي النص التوراتي هو أضخم بكثير مما يتصوره علماء التوراة (1) وكثير هي الدلائل التي يشير اليها كتاب الدكتور كمال الصليبي والتي تنفي نظرية الأرض الموعودة تلك كما أيده الكثير من العلماء الذين سبق ذكرهم والذين قادتهم الصدفة المحضة أثناء دراستهم العلمية لكشف اللثام عن هذه الادعاءات اليهودية الباطلة
(1 ) لقد تعرض هذا الكتاب لحملة ضارية كانت نتيجتها منع دار نشر عالمية بالغاء تعاقد نشره حيث يثبت أن أحدلث العهد القديم ساحتها جنوب غرب شبه الجزيرة العربية وليس فلسطين ويستند في ذلك الي أدلة اكتشفها في مجال اللغة والآثار ويقارنها بالمألوف والسائد من الجغرافيا التاريخية للتوراة ويرد علي الهجوم الذي تعرض له من جانب الأوساط العربية بقوله : " ان البعض يتهمني بأني أوجه اليهود الي عسير لكي يستردوها وأنا أجيب أنا ومن يقول هذا القول فانما يعرف بحق الدعوة الصهيونية ويؤمن بصحتها من حيث المبدأ وهكذا نكون كمن يوافق علي حق شعب في أن يعود الي الأرض التي كان موجودا فيها منذ ألفي سنة "