حدثتني ذاكرتي بمشهد قديم، ظل مطوياً سنوات طويلة لكنه بدأ يلح علي بالبواح، منذ أن عصفت بالأمة تيارات الفتن، وصار يضيق علي الخناق ليجبرني على إحياء سيرته.
هو مشهد حزين، لامرأة مؤمنة، لبست الحجاب رغماً عن أهلها، ثم أسدلت خمار العفة على وجهها، ومضت تحث أبناءها نحو مستقبل يرفل بالإيمان والصدق والإخلاص.
كان الخمار صلة بينها وبين الصحابيات، وقمة الامتثال لأوامر الله، فكانت سعادتها به لا توصف.. إلى أن جاء اليوم الذي نزع منها هذا الدرع انتزاعاً، وكأنما سلبت فلذة من كبدها معه.. كان يوماً أسوداً قمطريراً، قعد لها عدو الله بالمرصاد وقال: أميطي اللثام لأرى وجهك يا امرأة أجابته بصلابة: لم؟ ألم تر نساءً من قبل؟ فرد بدناءة وخسة: بلى ولكني أود أن أراك أنت، فرفضت وأبت أن تكشف عن وجهها لهذا الخنزير وأصرت إصراراً ملأه غيظاً، فما كان منه إلا أن أخرج رشاشه وغرزه في كتفها. عندئذ، لم يكن بينها وبين الموت إلا طلقة رصاص.. لكن زوجها ارتعد لهذا الموقف وصرخ في زوجته: فلترفعيه هيا! فلما أبت مدّ يده ورفعه.. ليرى ذاك الخنزير وجهاً مضيئاً بنور الله، وتكتحل عيناه بالظفر.. بعد ذلك، مضت السيارة محشرجة مسرعة. فرمته المرأة المغلوبة على أمرها: قبح الله وجهك!. فصرخ بأعلى صوته: انقلعوا، انقلعوا، وأطلق رشاشه في الجو معبراً عن ثورته العمياء.
كل هذا، وأولادها الأربعة يراقبون المشهد دون تعليق سوى دموع خائفة اغتالت قلوبهم حين رأوا أمهم مهددة بالسلاح!
وعادت المرأة المنكسرة إلى بيتها، دامعة المقل، دامية الفؤاد، وألقت بالخمار على الكرسي مقسمة ألا تعود إليه أبداً، ما دام الباطل يتبختر على الطرقات ويذل الناس ويملي عليهم أوامره المتغطرسة، وليس من الصواب أن تعرض حياتها للخطر لا لأجلها، بل لأن أولادها وزوجها بحاجة ماسة إلى إرشادها وحنانها.
هذه قصة امرأة مسلمة مع الخمار في بلد عربي يعتز بكفره، ويخجل من حقه.