السيدة زينب والليلة الكبيرة
تكتسب “الليلة الكبيرة” لمولد السيدة زينب، بنت الإمام علي الذي يقام في نهاية شهر رجب من كل عام أهمية خاصة، ليس فقط لكونه “المولد” الأشهر من بين موالد الأولياء الصالحين في مصر، وإنما لما تشهده تلك الليلة الختامية للمولد من مظاهر احتفالية تستمر لنحو أسبوعين يشارك فيها آلاف من مريدي “السيدة الطاهرة الشريفة” لا فرق في ذلك بين مثقف وأميّ، ريفي أو من أبناء الحضر.
ويبدأ حي السيدة المعروف في مصر في استقبال “زوار الست” منذ منتصف شهر رجب من كل عام حيث يضرب هؤلاء خيامهم إلى جوار ضريحها ومسجدها في مظاهر احتفالية كبرى قلما يوجد مثلها في أي مكان آخر في مصر، باستثناء المولد الكبير للإمام الحسين في الحي الذي يحمل اسمه، ومولد العارف بالله السيد احمد البدوي في طنطا، وسيدي عبد الرحيم القناوي في مدينة قنا.
وتقدر أجهزة الأمن المصرية عدد المشاركين في المولد السنوي لحفيدة الرسول الكريم بنحو مليون شخص يتدفقون على القاهرة من كل حدب وصوب في جموع غفيرة، دفعت هيئة النقل العام إلى تخصيص عدد كبير من السيارات ل”خدمة المولد” تقل الزائرين من محطة “باب الحديد” في ميدان رمسيس إلى المشهد الزينبي في حي السيدة بأجور رمزية.
ويرتدي الميدان الكبير للحي الشعبي العريق في مثل هذه الأيام من كل عام أزهى ثيابه استعدادا لاستقبال رواد المولد، فتنتشر على جانبيه وفي مواجهة الضريح محلات باعة الحلوى وألعاب الأطفال جنبا إلى جنب مع السيرك الشعبي وسرادقات الإنشاد الديني، وخيام الطرق الصوفية وعربات الألعاب الشعبية، وباعة المأكولات والتسالي.
ويعد السيرك الشعبي احد أبرز ملامح الاحتفال بالمولد في مصر، وتحترف عائلات -يرجح باحثون شعبيون أن تكون أصولهم من الغجر- تلك المهنة التي يعتمدون عليها في رزقهم بشكل رئيسي، ويقدم السيرك الشعبي ألوانا مختلفة من فنون الترفيه والمسرح الشعبي فضلا عن بعض الألعاب البهلوانية التي تعتمد على خداع النظر.
وعلى امتداد الميدان الواسع في حي السيدة زينب تنتشر سرادقات الإنشاد الديني التي يحرص أهالي الحي العريق على إقامتها مشاركة منهم في الاحتفال بالمولد.
ويشارك المنشدون الشعبيون في تلك السرادقات فيقدمون لجمهورهم الحاشد العديد من قصائد المدح النبوي وفي مقدمتها “بردة البوصيري” وقصائد كعب بن زهير وغيرهما من قصائد أقطاب التصوف التي تتغنى بمحبة آل البيت.
لكن الاحتفال بالمولد لا يقتصر عند هذا الجو الروحاني والاجتماعي المثير، فإلى جوار سرادقات الصوفيين تستقبل المقاهي الشعبية روادها بفرق الرقص الشعبي وإلى جوار شوادر الإنشاد الديني، يصدح المغنون الشعبيون بأغنياتهم للسكارى حتى منتصف الليل.
ولا يعرف المؤرخون أحدا قبل الفاطميين احتفل بمثل تلك الموالد في مصر فقد كانوا هم أول من ادخلوها إلى البلاد، واحتفلوا بالمولد النبوي احتفالا عظيما، وأكثروا خلاله من عمل الحلوى وتوزيعها كما ذكر القلقشندي في “صبح الأعشى”، لكن هذه الاحتفالات توقفت تماما في العام 488 هجرية بعدما استوزر الخليفة المستعلي بالله الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي وكان الوزير رجلا قويا لا يعارض أهل السنة كما قال “ابن الأثير” في كتابه “الكامل”.
ويقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا: لانتشار البدع في الموالد أنكرها العلماء حتى انهم انكروا اصل اقامة المولد، ورأيي انه لا بأس من الاحتفال بالمولد النبوي في هذا العصر الذي كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده في غمرة الاحتفالات الأخرى التي كادت تطغى على المناسبات الدينية، على أن يكون ذلك بالتفقه في السيرة، وعمل آثار تخلد ذكرى المولد كبناء مسجد أو معهد أو القيام بأي عمل خيري.
ومن هذا المنطلق يرى الشيخ عطية صقر انه “يجوز الاحتفال بموالد الأولياء، حبا لهم وإقتداء بسيرتهم” لكنه يشترط في ذلك البعد عن كل المحرمات مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من اكل وشرب أو مسابق أو لهو، ومن عدم احترام بيوت الله، ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب والعقيدة.
منقووووووووول