قاعدة فقهية:
تأليف:وليد بن راشد السعيدان
راجعه:سلمان بن فهد العودة
[القاعدة السابعة عشر
من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه ومن أتلفه ليدفع ضرره عنه فلا اعلم
– رحمك الله تعالى – أن الأصل أن كل من أتلف شيئًا فإن عليه ضمانه ، وهذا
الأصل قد دلت عليه الأدلة الشرعية ، لكن هذا الأصل ليس على إطلاقه وإنما
يخص منه الجزء الثاني من هذه القاعدة ، وذلك أن الإنسان إذا تعمد إتلاف شيء
فلا يخلو من حالتين : إما أن يكون لضرورة وإما لا ، فإن كان أتلف مال غيره
بلا ضرورة فهو ضامن مطلقًا ، وأمـا إذا أتلفـه للضرورة فلا يخلو من حالتين
: إما أن يتلفه حتى يدفع الضرورة به ، وإما أن يتلفه ليدفع ضرره عنه ،
والحالتان مختلفتان وبيان اختلافهما هو أن الضرورة إذا قامت بالإنسان كجوعٍ
ونحوه ووجد حيواناً لإنسان آخر فذبحه ليأكله فإنه في هذه الحالة أتلف مال
غيره ليدفع به الضرورة عن نفسه ، وأما الثانية كأن يصول عليه حيوان مفترس
لغيره فيدفع ضرره عنه بقتله . ففي الحالة الأولى لم يصدر من المُتْلَفِ
أيَّ أذىً وإنما حصل الاعتداء عليه ، وفي الحالة الثانية لم يحصل من
المُتْلِفِ تعدٍ وإنما الأذى حصل من المُتْلَفِ فدفع المُتْلِفِ أذى
المُتْلَفِ عنه ، فبان الفرق بينهما . إذا
علمت هذا واتضح الفرق فاعلم أنه إذا تعدى أحد على مال غيره بإتلاف لقصد
الانتفاع بمال الغير فإنه متعدٍ وكل متعدٍ فهو ضامن لما أتلفه ، ومن دفع عن
نفسه أذى غيره فالواجب عليه أن يدفعه بالأسهل فالأسهل فإن أدى دفاعه عن
نفسه إلى إتلاف المتعدي فإنه في هذه الحالة لا ضمان عليه لأنه لم يتعد
وإنما دفع الأذى عن نفسه وهذا واضح - إن شاء الله - ويتضح أكثر بذكر الفروع
على كلا الأمرين :
منها : من صال عليه إنسان يريد عرضه أو نفسه فإنه يجب عليه
مدافعته بالأسهل فالأسهل ، فإن اندفع بالتخويف لم يجز له ضربه ، وإن اندفع
بضربه لم يجز جرحه ، وإن اندفع بجرحه لم يجز قتله ، وإن لم يندفع إلا بقتله
فله قتله ولا ضمان عليه ولا دية ولا كفارة ؛ لأنه لم يقتله لينتفع به
وإنما قتله ليدفع ضرره عنه . هذا بالنسبة للمدافعة عن العرض والنفس ، وأما
المال فإن المدافعة عنه جائزة لو تركها الإنسان لم يأثم ، وكذا المدافعة عن
النفس حال الفتنة لا تجب بل تركها أولى لقوله : ( فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ) وقوله : ( فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك ) .
ومنها : من أصابته مجاعة فوجد حيوانًا فأتلفه بالذبح ليدفع
به ضرورة الجوع فإنه يضمنه لأنه أتلفه لينتفع به وكل من أتلف شيئًا لينتفع
به ضمنه
ومنها : إذا صال على المحرم صيد فله دفعه بالأسهل فالسهل ،
فإن لم يندفع إلا بقتله فله ذلك ، وليس عليه ضمانه لأنه أتلفه ليدفع ضرره
عنه لا به.
ومنها : لو خرجت شعره في مكانٍ من جسد المحرم فآذته كما لو
نزلت على عينه ونحو ذلك فله قلعها ولا فدية عليه ؛ لأنه أتلفها ليدفع ضررها
عنه .
ومنها : لو أشرفت سفينة على الغرق فألقى رجل متاع غيره في
البحر فإنه يضمن ذلك المتاع ؛ لأنه أتلفه لينتفع هو بالبقاء ، لكن لو سقط
عليه متاع غيره من الأعلى فأبعده عن نفسه فأتلفه فلا ضمان ؛ لأنه أتلفه
ليدفع ضرر المتاع عنه ، ومن أتلف شيئًا ليدفع ضرره عنه فلا ضمان عليه .
ومنها : لو قلع شوك الحرم لأذاه أي لأن الشوك مؤذٍ فلا ضمان
على القالع ؛ لأنه أتلفه ليدفع ضرره عنه ، لكن لو احتاج إلى إيقاد نار
فقلع الشوك أو غصن شجرة ضمنه ؛ لأنه فعل ذلك لينتفع به . وعلى ذلك فقس .
مسألـة : لو سأل سائل وقال : في حديث أنس في الصحيحين أن النبي رخص لكعب بن عجرة أن يحلق رأسه ويفدي مع أن رأسه كان يتساقط قملاً فهو أتلفه ليدفع ضرره عنه فكيف يضمن الفدية ؟
الجواب : هذا سؤال جيد ، لكن يتضح الأمر إذا قلنا : هل أتلف
كعب بن عجرة شعره ؛ لأن الأذى صدر من الشعر ذاته أم أن الأذى صدر من القمل
ولكن لا يمكن إتلاف القمل إلا بذلك ؟ الجواب هو الثاني فالشعر لا أذى منه
وإنما الأذى حصل من القمل فالأذى من غير الشعر فيكون هو أتلف الشعر لينتفع
هو بإتلاف القمل فيكون أتلفه لينتفع به ، ومن أتلف شيئاً لينتفع به ضمنه ،
فلا إشكال حينئذٍ ، والله تعالى أعلم .