الباب الأول: الفرائض
أول خطوات الطريق
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، أي أخرجه البخاري ومسلم (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحجِّ البيت، وصوم رمضان)
قوله صلى الله عليه و سلم (بني الإسلام على خمس)
يعني أنّ هذه الخمس لا يقبل الإسلام بدونها، بمعنى مثلما تبني بيتا تضع
الأساس، وهو أن تؤمن وتعتقد أن دين الإسلام دين حقيقي وصحيح، وهذه هي
الشهادتين، ثم تقيم الأعمدة التي يقوم عليها المبنى، وهي الصلاة والزكاة
والصوم والحج. ولعلك تسأل وما الدليل على أنه لا يقبل الإسلام بدونها؟
فنقول: أولاً: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته، أي أخرجه
البخاري ومسلم كما قلنا، وهي من أعلى مستويات الصحة في الحديث، (أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،
ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم
إلا بحق الإسلام و حسابهم على الله تعالى) وكان صلى الله عليه و سلم لا يشن الغارة على قوم حتى يتأكد من عدم سماع آذان الفجر، وكان يوصي سراياه بذلك.
من حقك أيضا أن تتساءل ، في هذا الحديث ذكر صلى الله عليه و سلم ثلاثا من
الخمس فقط و هم الشهادتين و الصلاة و الزكاة ، فأين الصوم و الحج ؟ فنقول
أن تلك الأركان الثلاثة يكون الحكم عليها من الظاهر و من أظهرها فهو مسلم
حتى و إن كان نفاقا لذلك ختم صلى الله عليه و سلم الحديث بقوله ( و حسابهم على الله تعالى) فأما الصوم ففي الحديث القدسي لمسلم و أحمد و النسائي ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به ) أي أن الصوم علاقة خاصة بين العبد و ربه . فيمكن للعبد أن يظهر الصوم و يفطر في الخفاء لذلك ؛ فحسابه على الله تعالى .
و أما الحج ، فقد قال صلى الله عليه و سلم في حديث آخر سوف نذكره بعد قليل ( و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) فتقدير الاستطاعة بين العبد و ربه أيضا .
ثانيا : قال العلماء بالسير : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و
استخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده ، و كفر من كفر من العرب ، عزم أبو بكر
على قتالهم ، و كان منهم من منع الزكاة و لم يكفر ، و تأو، في ذلك،فقال له
عمر رضي الله عنه ، كيف تقاتل الناس و قد قالوا لا إله إلا الله ، و قد قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ….)
إلى آخر الحديث ، فقال الصديق : إن الزكاة حق المال و قال : و الله لو
منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على
منعه ، فتابعه عمر على قتال القوم .
مقامات الطريق :
ما سبق كان الأساس و الأعمدة ، فأين باقي مبنى الدين ؟ أين الأسقف و الحوائط والأبواب و الشبابيك و الدهانات ؟
إنه موجود بالتأكيد ، ولكن أين ؟ أخرج الإمام مسلم عن أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه
و سلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى
عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه و آله و
سلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه و قال : يا محمد أخبرني
عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : (الإسلام
أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، و تقيم الصلاة ، و
تؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.) .) قال : صدقت . فعجبنا له يسأله و يصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ، قال : (أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله واليوم الآخر ، و تؤمن بالقدر خيره و شره.) قال : صدقت ، قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : (أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.) قال : فأخبرني عن الساعة ، قال : (ما
المسئول عنها بأعلم من السائل ، قال : فأخبرني عن أماراتها ، قال: أن تلد
الأمةُ ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في
البنيان.) ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال : (يا عمر أتدري من السائل؟) ؟) قلت : الله و رسوله أعلم . (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ).
هذا الحديث قد اشتمل على جميع الأعمال الظاهرة و الباطنة ؛ و علوم الشريعة
كلها راجعة إليه ، و متشعبة منه، لما تضمنه من جمعه علم السنة . فهو كالأم
بالنسبة للسنة ، كما سميت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من جمعها لمعاني
القرآن . و فيه دليل على تحسين الثياب و الهيئة و النظافة عند الدخول على
العلماء والفضلاء ، فإن جبريل عليه السلام أتى معلما للناس بحاله و مقاله .