ـ الطبع على القلب أو موت
القلب معناه غياب الإحساس بالقيمة :
ـ الدنيا عبارة عن حجرة هادئة تماما وساكنة ،
وداخل هذه الحجرة يوجد رجل يلهو ويلعب وسط هذا الجو الهادئ ، وخارج الحجرة توجد
نار هائلة تقترب وتوشك أن تشتعل بالحجرة ، والرسل جاءت تدق الباب بشدة وتنادي بصوت
عالي : احذروا النار احذروا النار ! ، وتنادي على من في الحجرة أن ينظر إلى الشباك
ليرى النار ، وتدله على ممر للنجاة وسط النار يؤدي إلى حدائق وقصور فيها الأمان
والمتع والملذات ( الجنة ) ، فسمع الرجل النداء ورأى النار من الشباك ، ولكنه تجاهل
الأمر وتغافل عنه كأنه لم يسمع النداء وكأنه لم يرى النار من الشباك وكأنه لم يفهم
ما قالته الرسل ، واستمر في لعبه ولهوه وسط الجو الهادئ داخل الحجرة ، ولم تتأثر
مشاعره ولم يتحرك للهرب ، فكأن هذا الرجل لا سمع له ولا بصر له ولا عقل له ولا
مشاعر له وكأن جوارحه لا تعمل فكأنه ميت ، فرغم أن هذا الرجل يلعب ويلهو لكنه في
الحقيقة ميت ! ، فمهما أخذت تنادي فيه : احذر النار ! فكأنما تكلم ميتا لا روح فيه
: (( إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا
مُدْبِرِينَ ))، (( إِنَّمَا
يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ
يُرْجَعُونَ ))، (( لِيُنْذِرَ
مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ )) ، وهو
كالأنعام يأكل ويشرب ويتناسل وينام لكن البهائم لا تفقه خطاب البشر مهما ناديتها :
(( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ
آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ
هُمُ الْغَافِلُونَ ))
فما زالت الرسل تدق الباب وتنادي وهو يستمع إليهم وهو يلعب مثلما [/b]
يستمع إلى أمر تافه أو لا قيمة له : (( اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ
ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ،
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ )
ـ ويمكن تشبيه ذلك بأن الرسول (ص) جاء
إلى الناس ليحذرهم من أن هناك خطر عظيم سوف يجتاحهم ، هذا الخطر هو جيش جرار جاء
ليقضي عليهم ، فكان طائفة منهم لم يتأثروا ولم ينتبهوا لخطورة الأمر ولم يشعروا
بالخوف والرعب ، ومن أثر ذلك أنهم لم يتحركوا من مكانهم ولم يهربوا وكأن شيئا لم
يكن وكأنهم لم يسمعوا وكأنهم كالحائط الذي لا يحس ، وبقوا مكانهم منشغلين بحياتهم
وطعامهم وشرابهم ، فهؤلاء جاء الجيش إليهم فقضى عليهم ، وطائفة أخرى تحركت مشاعرهم
وشعروا بالخوف ولاذوا بالفرار فنجو من الجيش ، وهذا المثل هو ما أوضحه الرسول (ص) ففي
الحديث : (( إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال يا قوم إني
رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعه طائفة من قومه
فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش
فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت
به من الحق )) ، ومعنى
" أنا النذير العريان " أصله أن الرجل كان إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم
بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم ،
وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر وأغرب وأشنع منظرا فهو أبلغ في استحثاثهم في
التأهب للعدو وقيل معناه أنَا النَّذِير الَّذِي أَدْرَكَنِي جَيْشُ الْعَدُوّ ،
فَأَخَذَ ثِيَابِي ، فانفلت منهم ، فَأَنَا أُنْذِركُمْ عُرْيَانًا .
ـ وفي الحديث : (( وكان إذا ذكر الساعة
احمرت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه نذير جيش يقول صبحكم مساكم )) ، وفي
الحديث : (( لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قريشا فخص وعم فقال يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار ))، وفي حديث
آخر : (( مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب
التي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فذلك مثلي ومثلكم
، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني فتقتحمون فيها ))