إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا,
من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 102].
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء:1 ].
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}
[الأحزاب].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي؛ هدي محمد – صلى الله عيه وسلم-, وشرّ الأمور محدثاتها,
وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, كل ضلالة في النار.
أما بعد عباد الله:
لقد اقتضت حكمة الله - عز وجل - أن يكون الناس بعضهم فوق بعض
{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف: 42].
شاء الله - عز وجل - أن يكون الناس في هذه الحياة, بعضهم يخدم بعضًا.
فأرباب الحرف وأصحاب الصناعات يخدمون غيرهم ممن يحتاجون إلى هذه الحِرفِ والصناعات.
وكذا الطبيب؛ يخدم من يُعالَج عنده, والمهندس يبني لمن يريد البناء.
والمجتمع يتماسك ويتآلف, وينتظم عقده بهذا النظام الفريد, الذي أودعه الله - عز وجل –
ولو شاء ربك لجعل كل الناس أغنياء؛ ولكن وقتها من يقوم بالحِرف!!
ومن يبني ومن يُعمّر !!
ومن يداوي ومن يُعالِج!!
إنها حكمة الله - عز وجل - والله - عز وجل - إذ شاء ذلك وأراده في الكون؛ فإنه سبحانه وبحمد راعى حق الأجير.
فأمر - صلى الله عليه وسلم – "أن يُعطى الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"(1)
والحديث رواه البيهقي في سننه وهو حديث صحيح.
إنها وصية نبوية نابعة من هذه الشريعة السمحة؛ أن يعطى العامل أجرة عمله, وأن يُوفّى حقه كاملاً غير منقوص.
والله - عز وجل - قرر هذا في مواضع من كتابه, أن كل نفسٍ تُجزى بما عملت.
وهذه قاعدة تقوم عليها أمور الحياة, وعليها الحساب يوم القيامة
{وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [ النحل: 93].
فهذا في الحساب الأخروي أمام الله - عز وجل - .
والله - جل وعلا- بيّن أنه سبحانه وبحمده, وهو الحكم العدل الذي لا يظلم أحدًا
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [ النساء: 40].
بيّن الله - عز وجل - أنه لا يضيع أجر عاملٍ أبدًا ..
قال
الله تعالى: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ
عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي
سَبِيلِي وَقَاتَلُوا
وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ
الثَّوَابِ}[ آل عمران: 195].
فانظر - حفظك الله -
انظر
إلى الخالق الذي خلقنا وأمدنا بالنعم, الذي أعطانا القوة لعبادته, ومع هذا
يكافئنا ويثيبنا على عبادتنا, التي إن حصلت فهي بمحض كرم منه وهو الكريم -
سبحانه وبحمده -
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ... }.
فلا ضياع لعمل عاملٍ عمل من أجل الله, تعبد لله, أخلص لله العبادة.
الله - جل وعلا - لا يضيع هذا العمل, ولا يضيع أجر هذا العمل؛ بل يوفيه أجره غير منقوص.
قال الله تعالى: { لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}[ يس: 35].
فالله - عز وجل - بيّن أن العامل ينبغي أن يُوفّى أجره, وأن العمل من أجله سبحانه وتعالى - يُوفى أجره.
فكذلك في الدنيا, ينبغي إذا استأجرت أجيرًا أو عمل عندك عامل أن توفيه أجره غير منقوص.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول
"إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس"(2).
انظر إلى التوجيه النبوي الشريف, حيث يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
من جعل الله أخاه المسلم تحت يده يقوم على خدمته ويعمل عنده, عليه أن يحسن إلى هذا العامل,
وان يوفيه حقه, فليطعمه مما يطعم, ويلبسم مما يلبس.
وانظر في قصة موسى - عليه السلام - لما ركب السفينة, وهم قد استأجروا السفينة لتبحر بهم,
ومع هذا لما قام الخضر ليخرق السفينة؛ غضب موسى وقال
{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا}[ الكهف:71].
وانظر إلى الخضر لما أجاب بعد ذلك قال
{أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ
سَفِينَةٍ غَصْبًا} [ الكهف: 79].
وفي الآية إيجاز بالحذف؛ أي يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا.
فكان الملك ظالمًا؛ يأخذ السفن السليمة غصبًا.
والخضر ماذا فعل ؟؟
خرق السفينة لتصبح معيبة؛ فلا يأخذها الملك الظالم, فلولا كان هناك ملك ظالم يأخذ كل سفينة غصبًا؛ ما جاز إتلاف السفينة.
لأنها مالٌ فلا ينبغي أن يُتلف, ولأنه مستأجر لهذا المكان, فلا ينبغي أن يتعدى عليه.
ولكن لما كان الملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا؛ خرقها الخضر حتى يحفظها لهؤلاء المساكين الذين يعملون في البحر.
سبحان الله !!!
إنه شرع الله, وإنه دين الله.
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[ النساء: 82].
انظر كيف ضمنت الشريعة حق العامل, وحافظت عليه.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن أن كل إنسانٍ راعٍ, وكل مسئول عن رعيته؛
" فالرجل في بيته راعٍ ومسئول عن رعيته, والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها,
الخادم في مال سيده راعٍ ومسئول عن رعيته, فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"(3).
فهذا الخادم الذي يعمل عندك, قد استأمنك الله - عز وجل - أن توفيه حقه وأجره, إن كنت تريد وجه الله - عز وجل -
وإن كنت تريد الجزاء من الله - تبارك وتعالى -
ولتعلم أيها المسلم؛ أن هذا الخادم ما عمل عندك إلا لحاجته للعمل, وإلا لحاجته للمال, وإلا لما رضي لنفسه بذلك.
فكونه يحتاج للمال, ويبذل ويتعب, ويجد وينصب, ثم أنت تمنعه حقه !!
إن هذا لظلم بيّن يعاقب الله - عز وجل - عليه بالعقوبات الرادعة في الدنيا قبل الآخرة.
لأن هذا المال الذي يُوفّاه الأجير هو نظير عمله, وليس منّةً وفضلاً؛ بل هو مقابل تعبه ونصبه في العمل.
فطالما أنه قد عمل وأتعب نفسه, فهو يستحق الأجرة من غير منّةٍ منك عليه, فذاك محض حقه كاملاً ينبغي أن يؤدَّى إليه.
ومن أراد أن يكافئه الله - عز وجل - بعدم ضياع عمله وسعيه في الدنيا؛ فليوفِّ من يعمل تحت يده حقه كاملاً.
فإن الله - عز وجل - حكم عدل, إن الله يجزي بمقدار مثقال ذرة خيرًا ..خيرًا, ويجزي بمقدار ذرة شرًا .. شرًا.
فلتحذر
أيها المسلم, فإنك إن قمت بواجبك وحقك الواجب عليك تجاه من يعمل تحت يدك
من وفائه لحقه كاملاً؛ فإن الله - عز وجل - يجزيك بهذا الخير خيرًا يوم
القيامة.
وإن قصرت وما قمت بحقك وواجبك تجاه من يعمل تحت يدك؛ فإن الله - عز وجل - يجزيك بهذا الشر شرًا.
اسمعوا أيها الحبة إلى ما ورد في الصحيحين من قصة الثلاثة نفر حين آواهم المبيت إلى غارٍ فدخلواه,
ثلاثة أشخاص سافروا في صحراء جرداء, يقطعون الطريق.
وهم في سفرهم هذا, جنَّ عليهم الليل, فما وجدوا مكانًا يبيتون وينامون فيه غير غارٍ داخل الجبل.
فسقطت صخرة سدت عليهم باب الغار, فانسد باب الغار وهم في داخل الجبل.
ماذا بقي ؟؟ ... حياة أو موت.
إنه موت محتم إن لم يرحم أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين, سبحانه وبحمده.
انقطعت الأسباب, ولم يبقَ إلا انتظار الفرج من رب الأسباب - سبحانه وبحمده -.
فقالوا إنه لا ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.
لا سبيل للنجاة, ولا للخلاص إلا أن تُمد الأيدي إلى السماء, فيُدعى الله - عز وجل - بأصلح عمل, بأخلص عمل.
كل واحدٍ منكم أيها الثلاثة عليه أن يتذكر عملاً عمله خالصًا لوجه الله.
فتخيل نفسك يا عبد الله في هذا الموقف, ما هو هذا العمل الذي يقرع به باب السماء, ويستنصر به رحمات الرحيم.
سبحان أرحم الراحمين.
مُدت الأيدي, فكل منهم يدعو.
وسنأخذ الشاهد؛ وهو أحد هؤلاء الثلاثة ختصارًا للخطبة.
قال أحدهم " اللهم إنه كان عندي أجير يعمل, فلما انقضى اليوم أعطيته أجرته وقال هذا أقل من حقي ( رفض الأجرة وانصرف ).
قال فأخذتها ونميتها له, فما هي إلا سنوات حتى عاد, قال أين أجرتي ؟؟
قال انظر إلى هذا الغنم بين جبلين, هذا أجرتك.
قال أتهزء بي !!
( كنت أعمل عندك, تعطني أجره قليلة, أطلب الزيادة لا تعطيني, والآن تقول عنم بين جبلين !!).
نعم أيها الأحبة...
الرجل
أمين, كان يعطيه حقه في البداية, والعامل يريد زيادة فما أعطاه.. فلما
انصرف؛ نمى له المال, ما استهلكه؛ بل نمّاه وأصبح غنم بين جبلين.
سبحان الله !!!
كم سنة مرت وهو يطعم هذه الغنم ويرعاها ويحرسها ويحميها, حتى صارت بين جبلين.
هذا عدد لا يدخل تحت حصر, كيف يُعدّ هذا العدد ؟؟!!
فانطلق الرجل يسوق الغنم ... ما ترك منها غنمًا واحدة"(4).
انظروا إلى الدعاء...
اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ( ليس طلب لشهرة ولا لفخر, ولا لمكانة, ولا لسمهة ).
اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك؛ فاصرف عنا ما نحن فيه, فتحركت الصخرة, وبعد قليل خرجوا يمشون.
تحرك الحجر, بهذا العلمل الخالص لوجه الله - عز وجل - .
فاحرص أيها المسلم - بارك الله فيك - على أن تقوم بهذا الحق, فإن الله - عز وجل - يكافئك عليه في الدنيا والآخرة.
وإذا كنا قد استمعنا واستمتعنا بتلك القصة الثابتة في الصحيحين, وفيها تحرك الصخر لهذا العمل الصالح؛ فكيف بالجزاء في الآخرة !!
الدنيا لا تساوي جناح بعوضة, ولو كانت تساوي جناح بعوضة ما سقي فيها كافر شربة ماء.
ولكنها عند الله أهون من ذلك؛ فإن كانت وهي هيّنة؛ يُفرج الله - عز وجل - فيها الكروب بسبب هذا العمل الصالح؛ فكيف بالدار الآخرة.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى, وأقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية.
الحمد لله كما ينبغي أن يحمد,
وأصلي وأسلم على النبي أحمد,
صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد أيها الحبة في الله:
ولئن
كان الشرع الحنيف قد حرص على أن يُوفّى العامل أجره غير منقوص؛ فإن الله -
عز وجل - قد أوجب على العمّال أن يعملوا فيما استُؤمِنوا عليه.
فهم رعاة ومسئولون عن هذه الرعية أمام الله - عز وجل -
فكل من كان يعمل أجيرًا في عمل خاص, سواءًا في الخدمة أو في عمل مكتبيّ أو إداريّ فإن عليه أن يقوم بما اتفق عليه صاحب العمل.
أن
يوفِّ العمل حقه بالساعة والدقيقة والثانية, وألا ينقص من هذا العلمل
شيئًا, حتى لا يُعرَّض هو أيضًا للمسئولية أمام الله - عز وجل -
وأما الأعمال الحكومية, فالله المستعان...
إن الحساب فيها أشد, لأن كل درهم تأخذه من هذا المال من الوظيفة الحكومية؛ إنما هو من مال الدولة.
فينبغي
أن تقوم بما التزمت به فترة الدوام كاملاً, وألا تقصر في جزءٍ منها, لأنك
إن قصرت فإنك ما تكون صاحب عمل خاص فقط؛ بل تكون الدولة بأكملها, فالحساب
فيها شديد.
ورحم الله علماءنا ومشايخنا, لقد كانوا يتحرجون من استعمال الورق الخاص المكتبي في أمور خاصة بهم.
فالدولة توفر أوراق للكتابة فيها في الوظائف لأجل العمل لا لأجلك أنت, فاكتب فيها لمصلحة العمل.
وإذا كان هذا الشئ اليسير يحاسب عليه, فكيف بالشئ الك
كيف بمن يتقاضى أجر في ساعات الدوام ولا يقوم بما يجب عليه ويلزم عليه.
ورحم الله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
لقد
كان ينظر إلى نفسه وهو الخليفة انه عامل عند المسلمين, فكان إذا جلس,
وجاءه شخص يكلمه في مصلحة العمل في الليل والظلام, يشعل السراج الذي هو من
الزيت الذي اشتُريَ من بيت مال المسلمين.
فإذ بمن يكلمه في مصلحة العمل يقول : كيف حالك يا أمير المؤمنين ؟؟
- انتقل الكلام من كلام العمل إلى كلام شخصي -
فأطفأ السراج وأشعل سراجًا آخرًا.
مالك يا أمير المؤمنين .. تطفئ السراج الأول وتشعل سراجًا آخرًا ؟؟
قال نعم .. لأن هذا الزيت الذي اشتُريَ من بيت مال المسلمين, فلا ينبغي أن يُصرف إلا لمصلحة المسلمين.
وأنت تسألني عن حالي, فهذا من الزيت الذي اشتريته من مالي.
أيها الأحبة...
ليس هذا خوفًا وورعًا؛ بل هذا حق واجب, سوف يسئل كل إنسانٍ عن العمل الذي استؤمن عليه.
فإذا حددت الدولة ساعات الدوام, فيجب الالتزام بها وعدم التقصير فيها, والالتزام كاملاً بحق العمل.
عندئذٍ يبارك الله - عز وجل - وتتنزل البركات, ويصبح في المال بركة, وفي الوقت بركة, وفي الجسد بركة.
إنها بركة أكل الحلال وعدم التجاوز والتهاون في مصلحة العمل.
أيها الأحبة في الله...
ننتقل إلى إلى موضوع آخر عارضٍ في هذه الجمعة, حيث تقوم جمعية الشارقة الخيرية, بمشروع خيري اسمه سلة الخير.
وهذا المشروع فيه من الخير الشئ الكثير.
الوقف ... حسنات تأتيك وأنت حيّ وتأتيك بعد الوفاة, طالما أن الوقف موجود.
إذا أوقفت شيئًا لله كـ ( برادة ماء ), كل من يشرب منها, طالما بقيت هذه البرادة, يصلك الخير والأجر في الدنيا, وحتى وأنت في قبرك.
يزيد هذا في حسناتك, لأنه من الصدقة الجارية.
فهذا الوقف, كمثل هذا المسجد - أسأل الله - عز وجل - أن يجرزي خيرًا من بناه -
هذا الوقف الذي هو عمل وقفي؛ حسناته تذهب لصاحبه في الدنيا, وأيضًا في الآخرة, طالما أن الوقف باقٍ.
قد يثقل على بعض الناس ... من عنده هذا المال الكثير حتى يبني كمثل هذا المسجد الرائع ؟؟!!
جاءت امرأة تحمل ألفي درهم إلى جمعية الشارقة الخيرية.
وقالت: أريد أن أبني مسجدًا لله.
ألفي درهم... ماذا عساها تقدم !!
شئ يسير جدًا جدًا, يحتاجون إلى أضعاف أضعاف هذا المال.
أيتها المرأة الفاضلة لا يمكن أن المال يكفي لبناء مسجد.
المرأة حزينة ولا تستطيع أن ترجع لأنها تريد أن تقوم بهذا العمل.
فأخبرتهم أنها جمعت كل ما عندها من أجل أن تأتي بالألفي درهم من أجل بناء المسجد.
حزن الإخوة في الجمعية الخيرية لأجل هذه المرأة, وفكروا في عمل يستطيعون به إكرام هذه المرأة وأمثالها ممن يملك ولو درهمًا واحدًا.
فقالوا لماذا لا نجمع درهمًا مع خمسة دراهم مع عشرة مع مائة مع ألف في سلة واحدةٍ وتسمى سلة الخير .
سلـــــــــة الخيــــــــر
مجموعة أموال ممن يريدون الوقف, وممن يريدون الحسنات في الدنيا وفي الآخرة.
فتجمع الأموال ويكون بها عمل وقفيّ واحد.
هذا العمل؛ لو كل واحد من المجموعة أراد أن يقوم به بمفرده؛ ما استطاع.
فجمعوا أموال المحسنين ومن يريدون العمل الوقفيّ, وجمعوها في سلة الخير.
هذا هو المشروع الذي تقوم به جمعية الشارقة الخيرية في هذه الفترة.
فأسأل الله - جل وعلا - ألا يحرمنا وإياكم الأجر.
فكل من أراد أن يكون له رصيد من الحسنات الباقيات ولو بالدراهم المعدودات؛ فإن بإمكانه الآن أن يشارك.
فلا تترددوا بارك الله فيكم.
اللهم إنا ندعوك وأنت أحق من دعي, ونرجوك وأنت أحق من رجي.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها, دقها وجلها.
اللهم إنا نسألك مغفرة لذنوبنا وسترًا لعيوبنا.
اللهم كما جمعتنا في هذا المكان؛ اجمعنا في جناتٍ ونهرٍ, في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ أو عملٍ,
ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب منها من قول أوعمل.
ربِّ آتِ نفوسنا تقواها, زكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين, ونفس كرب المكروبين, واقضِ الدين عن المدينين,
واشفِ جميع مرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الأمن في البلد والصلاح في الولد, اللهم أصلحنا وأصلح بنا,
واهدنا واهدِ بنا, واجعلنا سببًا لمن اهتدى.
اللهم أصلح جميع حكّام المسلمين, واجعلهم رحمةً على رعاياهم يا ذا الجلال والإكرام.
إلهنا .. ما سالناك من خيرٍ فأعطنا, وما قصرت عنه آمالنا من الخيرات فبلغنا.
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون, وسلامٌ على المرسلين والحمد لله ربِّ العالمين.
الهوامش...
(1) سنن البيهقي/ كتاب الإجارة/ باب: لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة/ رقم 11434.
* وحسنه الشيخ الألباني في الصحيح الجامع برقم: 1055.
(2) صحيح البخاري/ كتاب العتق/ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العبيد إخوانكم، فأطعموهم مما تأكلون)./ رقم: 2407
* مسند الإمام أحمد / مسند الأنصار.
(3) صحيح البخاري/ كتاب الأحكام/ باب: قوله تعالى{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}/ رقم: 6719.*
صحيح مسلم / كتاب الإمارة/ باب: فضيلة الإمام العادل. وعقوبة الجائر،
والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم/ رقم: 1829.
(4)
صحيح البخاري/ كتاب الإجارة/ باب: من استأجر أجيرا فترك أجره، فعمل فيه
المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره فاستفضل./ رقم: 2152.
* صحيح مسلم/ متاب الرقائق/ باب: قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال/ رقم: 2734.