الأمن النفسي وأهميته المراد بالأمن النفسي : هو
أن تكون النفس آمنة مطمئنة عند وقوع البلاء أو توقعه ، بحيث لا يظهر عليها
قلق معيب أو جزع كثير ، ولا اضطراب في الأحوال ، أو ترك للأعمال ، أو
التهويل من شأن المصائب ، أو التعظيم لمخططات الأعداء تعظيماً يفضي إلى
اليأس والهوان ، والإحباط والانزواء . أهمية الأمن النفسي : تتمثل
أهميته في الجوانب التالية : 1 ) الثبات . 2 ) البعد عن مرضي اليأس
والإحباط . 3 ) إكتمال الشخصية الإسلامية . 4 ) الثقة الكاملة بمعية الله
ونصره . مقومات الأمن النفسي : أولاً : الإيمان العميق : الإيمان
العميق بالله تبارك وتعالى ، ومعيته لعبيده المؤمنين ، وتثبيته لهم في
الشدائد ، وإعانته إياهم في النوائب ، يكسب المؤمنين أماناً واطمئناناً
عجيبين ، إذ شعورهم بأنهم موصولون بالقوة العظمى في الكون شعور رائع يملأ
جوانحهم بالرضى والتسليم والطمأنينة .
وقد ذكر المؤلف شواهد وأدلة
عديدة من القرآن والسنة على علاقة الإيمان بالأمن النفسي من قصص الأنبياء ،
ومواقف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .
ونذكر هنا مثالاً واحداً فقط من الشواهد مما ذكره المؤلف : فبنو إسرائيل
لما لحقهم فرعون وجنوده ، وضاقت بهم الأرض ، وظنوا أنهم مأخوذون لا محالة ،
كانت لدى موسى عليه السلام طمأنينة عجيبة مستولية عليه ، وثبات كبير :
(فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا
إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ
فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ
وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا
الْآخَرِينَ) [ الشعراء : 16 – 66 ] . فقول موسى عليه السلام (إِنَّ مَعِيَ
رَبِّي سَيَهْدِينِ) علامة على الإيمان العميق بالله تعالى ، ودلالة على
الطمأنينة والأمن النفسي اللذين إن تحققا للعبد فاز وسعد . ثانياً : التوكل على الله : والتوكل
مهم جداً في باب الأمن النفسي ، لأن العبد إذا قدم كل ما يستطيع ، وبذل ما
يقدر أن يبذله من أسباب ، فإنه لا يبقى له إلا أن يفزع إلى مولاه ، ويلقي
بنفسه بين يديه ، ويطمئن إليه ، ويثق تمام الوثوق بأن الله تعالى حافظه
ومانعه من أعدائه . و من الأدلة على علاقة التوكل بالأمن النفسي قوله تعالى
: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ
يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ
عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا
تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [ آل عمران : 173 –
175 ] . وقد قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في بيان أهمية التوكل في
تحقيق الأمن النفسي : " حسبنا الله ونعم الوكيل ، قالها إبراهيم عليه
السلام حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا
(إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ... الآية ) . ثالثاً : ذكر الله تعالى : وقد
ورد في كتاب الله ما يدل على ذلك ، فقد قال سبحانه : (الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [ الرعد : 28 ] . وقد بين النبي صلى الله عليه
وسلم في أحاديثه أثر الذكر في تحقيق الأمن النفسي في : 1 ) أذكار الصباح
والمساء . 2 ) أحاديث مخصوصة في باب الذكر جالبة للأمن النفسي : أ – دعاء
الهم والكرب . ب – الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . ج – قول : الله ،
الله ربي ولا أشرك به شيئاً . د – ذكر الخروج من المنزل . هـ - الذكر
المطلق .
وقد ذكر المؤلف الأدلة على ذلك ، ونذكر منها حديث أسماء بنت
عُميس رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا
أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب – أو في الكرب – الله، الله ربي ولا أشرك
به شيئاً". [أخرجه أبو داود في سننه ، وانظر عون المعبود : 4/386]. رابعاً : الدعاء : والمطلوب
أن يتعلق المؤمن بالدعاء في أحوال الرخاء حتى يستجيب الله له في الشدائد ،
فقد قال صلى الله عليه وسلم : "من سره أن يُستجاب له عند الكرب والشدائد
فليكثر الدعاء في الرخاء". [أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، وأقره
الذهبي : 1 / 729 ] . وقد ذكر المؤلف جملة من الأدلة القرآنية والنبوية على
أنواع من الأدعية تحقق الأمن النفسي ، مثل : لا إله إلا أنت سبحانك إني
كنت من الظالمين ، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : لا إله
إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا
استجاب الله له بها " ، وفي زيادة : فقال رجل : يا رسول الله صلى الله
عليه وسلم : هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال صلى الله عليه
وسلم : " ألا تسمع إلى قول الله تعالى : (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ
وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)" . [ أخرجه الحاكم وقال صحيح ، ووافقه
الذهبي : 1 / 684 – 685 ] . كما ذكر المؤلف ست قصص جميلة مروية عن السلف في
أثر الدعاء في جلب الأمن النفسي والتخلص من الشدائد ، يحسن الرجوع إليها
في الكتاب . خامساً : معرفة شأن القضاء والقدر : هناك
بعض القواعد في قضية القضاء والقدر مفيدة جداً في تحقيق الأمن النفسي ،
وهي : 1 ) مقادير الخلائق فُرغ منها . 2 ) ما نزل بالعبد من بلاء لم يكن
ليتجنبه ، وما هُدد به من مخاوف وبلاء لا يصيبه منه إلا ما قدره الله عليه .
3 ) كل قضاء الله تعالى وقدره خير وإنما الشر بالنسبة للعبد . 4 ) القضاء
والقدر قائمان على حقيقتين عظيمتين وهما : العدل الكامل والعلم الشامل .
وقد ذكر المؤلف الأدلة على تلك القواعد ، وبين أثرها في تحقيق الأمن النفسي
. سادساً : معرفة شأن الابتلاء : المؤمنون
معرضون للابتلاء ، وذلك سنة من سنن الله تعالى . قال سلطان العلماء العز بن
عبدالسلام : فحال الشدة والبلوى مقبلة بالعبد إلى الله تعالى ، وحال
العافية والنعماء صارفة للعبد عن الله تعالى .
وقال الغزالي : إذا رأيت
الله تعالى يحبس عنك الدنيا ، ويكثر عليك الشدائد والبلوى ، فاعلم أنك
عزيز عنده ، وأنك عنده بمكان ، وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه ، وأنه
يراك ... أما تسمع إلى قوله تعالى : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنَا) [الطور : 48] ، بل اعرف منته عليك فيما يحفظ عليك من صلاتك
وصلاحك ، ويكثر من أجورك وثوابك ، وينزلك منازل الأبرار والأخيار والأعزة
عنده . وقال الأستاذ عبدالله علوان : إن الذين يتصدون للدعوة ، ويسيرون في
طريق الإصلاح والتغيير والهداية لابد أن يتعرضوا للمحنة ، ولا بد أن
يواجهوا بأس الحياة وضرَّاءها ويخطىء من يظن أن طريق الدعوة دائماً محفوف
بالورود والرياحين ، ومفروش بالزينات والسجاجيد ، ومغتص بالمودعين
والمستقبلين ، بل على الداعية أن يعلم أن الطريق قد تكون مفروشة بالصخور
الكبيرة العاتية ، والأشواك اليابسة المؤذية ، والأشقياء العتاة المجرمين ،
فإن لم يكن معتاداً على الثبات والاحتمال ، متروضاً على الصبر والمصابرة ،
فإنه ينهزم في أول لحظات المحنة ، ويتقهقر في أول لمحات البلاء ، ويقعد مع
القاعدين اليائسين المثبطين . وقال سيد قطب : إنها سنة الله القديمة في
تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة وليكونوا لها أهلاً : أن يدافع
أصحاب العقيدة عن عقيدتهم ، وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر
، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة ، حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم
تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة ، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة . سابعاً : الصبر على المصائب والمكروهات :
فالصبر يحقق الأمن النفسي كما قال تعالى : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة : 155 – 157] .
والصبر طريق النصر كما وعد الله تعالى بقوله : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) [السجدة: 24] . والصبر
يهون من كيد الكافرين ، كما قال تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا
يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
[ آل عمران : 120 ] . وجعل الله الصبر أحد شروط النصر الخمسة ، كما قال
تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً
فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال : 45 –
46 ] . ثامناً : الاطلاع على المبشرات المثبتات : وهي
كثيرة ، فأما الأدلة عليها في القرآن ، فمنها : 1 ) قوله تعالى : (إِنْ
تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [ محمد : 7 ] ، فنرى اليوم جماعات وهيئات
ودولاً وأفراداً ينصرون الله بما يستطيعون ، ودائرة النصر في اتساع ، وهي
تكسب مواقع جديدة في جوانب السياسة والإعلام والاقتصاد والتعليم . 2 ) قوله
تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً
فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [ الأنفال : 45 –
46 ] ، فنحن نرى اليوم جماعات كثيرة من المجاهدين تنطبق عليها هذه الأوصاف
في فلسطين والشيشان وكشمير . ثم ذكر المؤلف أدلة أخرى من القرآن الكريم .
وأما الأحاديث النبوية فهي – أيضاً كثيرة ، منها :
عن أبي قبيل قال :
كنا عند عبدالله بن عمرو فسئل : أي المدينتين تُفتح أولاً : القسطنطينية أو
رومية ؟ قال : فدعا عبدالله بصندوق له حَلَق فأخرج منه كتاباً ، فقال
عبدالله : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تُفتح أولاً : القسطنطينية أو
رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مدينة هرقل أولاً ، يعني
القسطنطينية " . [ أخرجه أحمد ، ورجاله ثقات ، وانظر مجمع الزوائد : 6 /
222 ] .
ثم ذكر المؤلف أدلة أخرى من السنة . وأما الدراسة التاريخية
التتبعيّة فتدل دلالة أوضح من الشمس في رابعة النهار أن الإسلام قادم بقوة ،
ومن النقاط الدالة على ذلك : أ – وعي المسلمين بالمؤامرات الدولية
والمكائد التي تحاك ضدهم . ب – السير الحثيث للتخلص من الربا والمعاملات
غير الإسلامية في كثير من الدول الإسلامية ، وإنشاء المؤسسات المالية
الإسلامية التي تقارب المائتي مصرف وشركة إسلامية . ج – التزام كثير من
أفراد الجيوش العربية والإسلامية بالإسلام ضباطاً وجنوداً . د – التزام
النساء بالإسلام . هـ - انتشار الثقافة الإسلامية الصحيحة الواعية والكتب
الكثيرة التي تتحدث عن عظمة الإسلام ، وانتشار المفاهيم الإسلامية الصحيحة .
و – انتشار الإعلام الإسلامي انتشاراً عجيباً . ز – بزوغ الصحوة الإسلامية
في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري . ح – الرغبة العارمة لدى
ملايين الشباب والشابات في عمل شيء لرفع الذل عن الأمة ورفعها إلى سدة
السيادة العالمية من جديد . وختم المؤلف كتابه الرائع ، الصغير في حجمه ،
الكبير في محتواه بهذه الوصية : إخواني ، لا يفت في عضد أعداء الإسلام شيء
أكثر من تفاؤلكم بالنصر ثم العمل على تحقيقه ، ولا يفرحهم شيء قدر فرحهم
إذا يئستم وأعرضتم وتوليتم ، فالله الله ، فهذه أيام من أيام الله تعالى
شديدة ، العامل فيها ليس كالعامل في أيام الرخاء ، فأروا الله تعالى من
أنفسكم نصرة وحماساً وعملاً صالحاً مبروراً ، عسى الله أن يمن علينا بأن
يقر أعيننا بنصر الإسلام وأهله ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .