* بعد التليفزيون..."الدنيا إتـغيرت" فى الريف المصـرى !

بعد التليفزيون..."الدنيا إتـغيرت" فى الريف المصـرى !
- التـليفزيـون فتــح عيــون البنــات علـى الحـريـة والإسـتقلالية.
- قـضـيــة الـبوســنة والهـرســك علــى المصـطـبة!
- حـــــلاق القـــــرية يشـــكــو مــن التـلـيفـزيــــــون.
** رحــلة طويلة مشياً على الأقـدام يأخذها شباب الـريف إلـى البندر كل
يوم ليشاهـدوا الصـور العجيبة جـداً المحبوسة فى صندوق مضىء
موضـوع فى أكبر ميادين البندر أو أكـبر مقاهـيه .. ناس صغيرة جــداً
،ولكنـهم يتحـدثـون مثـلهم ويمشون ويأكلون ويضحكون ويبكون مثلهم
..وتنطـلق آهات التعـجب من أهـل الـريف الـذين يرددون فـى كل مرة "ياما
نسمع وياما نشوف " .. وبعـدها يمضــون عائدين إلى قــراهم ليعاودوا
الـرحلة فى اليــوم التـــالى ..
هكـذا كانت بداية علاقة أهـل الـريف بالتلـيفزيون عند بداية إرساله ..
ولكن الأمر الأن إختلف تماماً .. فلا يخـلو أى بيت فى أى قـرية من
تلـيفزيون وجهـاز فيديـو ولا تستبعد فى الأيام القادمة أن تشاهد "الدش"
الذى يستقـبل الـبث المباشـر موضـوعاً على أسطـح المنازل التـى لـم تعـد
مـن طـين وقـش ..
فكيف أثر التلــيفزيون فى حياة القـــرية؟ وهل غيرت من عاداتها ومن
منطـق تفكـير أهاليها ومن طبيعة العلاقــات التـى تـربطــهـم؟
بعـد أكــثر مـن ثلاثـين عامـاً تلـيفــــزيون .. ماذا حـدث للقــــرية المصــــرية؟!
فـى زيارتنا لقـرى محافظـة الشـرقية محـاولة للإجـابة عـن هـذه التسـاؤلات ..
* زمان كان شـيخ الجـامع فى الـقرية هو قائد الرأى الذى يقوم بتوصيل
الأفكار القومية إلى أهاليها لما يتمتع به من مصـداقية ومكانة كــبرى...
فهل أدى إنتشار التلـيفزيون بما يقدمـه من برامج دينية إلى سحب البسـاط من
تحت أقـدام الشيخ... الشيخ ( مـحمد عبد الفـتاح ) إمام أحـد المسـاجد
بقـرية بالشـرقية يـجيب: { فى الســـنوات العشر الأخيرة التى إنتشر فيها
التليفزيون وأصبح موجـوداً فى كل بيت لاحـظت إن عدد الشباب الذين يجلسون فى
الجامع بعد الصلاة للإستفسار عن أمور دنياهم يقل تدريجياً حتى كاد ينعدم
.. والسبب هو التليفزيون ،ليس بالشكل السلبى الذى يمثله بعض الشباب الذين
يسعون إلى المنازل بعد الصــــلاة لمتابعة المسلسل أو الفيلم أو المباراة .
وإنما بالشكل الإيجابى الذى يمثله الشباب الواعى الذى إستفاد من جهاز
التليفزيون بمتابعة للبرامـج الـدينية ولأحاديث الشيخ الشعــراوى فـأصبحت
حاجته لسـؤالى ضـعيفة بل معدومـة ،فـقد عـرف أصول دينـــه وأمـور دنياه
مـن مشايخ هذا الجـهاز العجـيب ،وبوجه عام فالـتليفزيون وإن كان قد صرف
الشباب عن سؤالى بعد الصــلاة إلا إنه لم يمنعـهم عن قضـاء الفـروض
الخمسـة فـى المسجد ،فقـد لاحـظت أن عـدد الشـباب الذى يحرص علـى أداء
الصـلاة فـى إزديـاد مستـمر } ..
الحــــــياة فـــــى الـــــــــــدوار
* ومـن المعـروف أن الأبنـاء فى الـريف مهما كـثر عـددهم يتزوجون فـى
بيت الأب وكل منهم ينجب ما يشـاء من الأطفـال ليعيش الجميـع تـحت سـقف
واحــد .. فــهل إختلفـت هـذه العــادة بإنتشـــــار التـلـيفزيــون ؟
الحاج (عوضين سيد أحمد ) 60 سنة يقول : بالرغم إن هذا كان موجوداً
وجائزاً حتى وقت قريب جـداً غير إنه الأن غير مقبول على الإطلاق حتى
بالنسبة لغير المتعلمات ،فقد ظهرت بإنتشار التلـيفزيون معان كانت تجهلها
فتيات الـقرية مـن قبل مثل الإســـتـقــلال . والحــــــريــة .
والإســــــتــقـــرار .ورغبة كل فتـاة بأن يغلـق عليها باب يسـتأذنها من
خـلاله كل من يـريد زيارتها ،بينمـا كان الطبيعى أن يظل بيت الفــلاح
مفـتــوحاً لكل من يريد مــاء أو طعــاماً أو آلة من آلات الزراعة .وترتـب
على ذلك متاعب كثيرة لرجل مثلى له 6 أبناء تزوجت اثنـتان معى فـى البيت
قبل أن تدرك الفتيات هـذه المعانى . والآخـرون يطـالبوننى بأربـع بيـوت
مســتقلة .
وتلتـــقط زوجــتـه خيـط الحـديث لتذكــره بإبنتهـما الكـبرى التى تزوجت
منذ عشـر سنـوات دون أن يكـون لهـا أى رأى سـواء فـى الـزواج أو
مستلزماتـه فـى حين أن أختـها تـزوجت الشـهر الماضــى بعـد أن كلفتـهم
ثـمـن شـراء أربــع حجــرات .وبعد أن رفضـت أكــثر من زوج لأنه لا يمتلك
الآلآت الكهربائية التى كانوا يسمــــونها قــــــديماً " كمــالـيـــــات
" أو لأنها ستسكن مـع أهله فى بيت واحد .وكيف إنهمـا عجـزا على إقناعها
بـغير ما تريد .لأن الأعمـال الدرامية التى يقدمها التلــيفزيون جعلت
البنات أكثر وعيا بمعانى الإستـــــقلال ، الإستـــــقرار ، الحـــــرية.
وبهدوء تتحدث أم فاطمـة: إبنتى توقفت عـن مساعدتى فى طـهو الطعـام
.وأصـبحت تقضـى وقتها فى متابعـة برامج المـرأة التى تقـدم لها طرق
العناية بالشعر واليد وطـرق التـفصيل .وبرغـم إننى أتذكر أن أختـها
الكـبرى كانت تساعدنى فى أعمـــال البيت وتسـاعد والدهـــا فى أعمـال
الزراعــة، إلا إنى سعيدة بها فكل شىء يتطور ويجب أن تعيش حياة مختـلفة عن
التى عشناهــا.
ويقول السيد عبد المنعـم : التلـيفزيون له دور كبير فى تـعديل سلوك
أهالى القرى فكل شىء أصبح يتـم بهدوء وواقعية وتعقـل. وقد يصـل الأمـر فـى
المعاملة إلى حـد الإتيكيت تشبها بما يتابعونه فى التليفزيون ..وإن كانت
هذه إحـدى إيجابيات إنتشار التلـيفزيون فى القرى فهناك بعض المأخذ على بعض
البرامج منها برامج الأطفـال التى تقدم العاباً واختبارات ذكاء لا تناسب
طفل القرية الذى لا يتعلم القراءةة والكـتابة إلا عندما يبلغ السادسة من
عمره ويلتحق بالمدرسة رغم قدراته التى قـد تفـوق قدرات طفل المدينة. ولذا
نرجـو مزيـداً من الإهتمـام بهذا الطـفل وهناك فئة الشباب التى تقضى فترة
الأجـازة الصيفـية بأكملها فى مساعدة آبائـهم فى أعمـالهم المختلفة وتخفيف
أعباء هذه الأعمـال عنهم فلماذا لا يفـكر أحد فى أن ينقل برنامجاً من
قرانا ويتـحدث معنا عن مشاكلنا وطمـوحـاتنـا .
أطـفـــــــــــــال الجـيـنــــــز
* وفـى ركن قريب وجـدت مجموعة مـن الأطفــال الذين تتراوح أعمارهم بين
الثالثة و السادسـة يغنـون أغنية مقـدمة مسلسل " ماما نور" ممـا يدل عى
متابعتهم الجيدة للمسلسل ولأعمال التليفزيون بوجه عام. وسألتهم عما
يستفيدونه من مشاهدة التليفزيون فقالت "عايدة وسماح محمود رأفت": لبس
الجينز! وبالفعل وجدتهـما يـرتديان الجينز ويلعبان بـه فـى الأرض
الزراعـية ويضـيفان : إنهما شـاهدا الأطفــال فى برامـج التلـيفزيــون
يرتدون مثل هـذه البناطيل : ويضيف أخـوهم "كامل 6 سنوات" أنا تعلمت من
التلـيفزيون أن أكـره الإنجلـيز لأنهم عذبوا ( أحمد عبد العزيز ) فى مسلسل
{المــال والبنـون}: وتعلمت أيضاً من نفس المسلسل أن أسمع كلام والدى ولا
أقرب المال الحرام . ومن مسافة قريبة يقف حلاق القرية مراقباً حديث
الأطفــال ثم يقترب قائلاً التليفزيون لم يعلم الأولاد التمرد على الملابس
الريفية وإستبدال الجلباب بالجنيز فقد . بل علمهم أيضاً تصفيف شعرهم حسب
الموضة وأصبحوا يذهـبون إلى المدينة المجاورة لتحقيق هذا مهمـا كلفهم ذلك
من مال يضطـرون آباءهــم لدفعــه . ولم يعــد أحــد يطلبنـى لأحلـق له
غــير كبــار الســن.
ويقــول شيخ تجاوز السبعين يجلس تحت شـجرة مجاورة : هذا التطور لا دخل
للتليفزيون فيه. فكثرة الفلوس هى التى جعلت الأبنـاء يلجأون للتقـليد ولبس
الجينز وتصفيف الشعر على الموضة. فطموحات الإنسـان تزداد مـع زيادة
المـال فــى جـيبه.
الــبــوســـنـة والهــــــرســك
* وفـى حـقل أخـر جلـس عـدد مـن الزراعيين يتحاورون حـول مشـكلة
المسلمين فى البوسنة والهرسك فإقترح أحـدهم أن يجمع مالا لهؤلاء الضحايا
مما أثار دهشتنا من وعيـهم المتخـفى تحت ملابسـهم البسـيطة . وعندما
سألتهم أجمعــوا على إنهـم على عـلم تام بما يدور فى العالم كله وقالـوا
إنهم تابعـوا سـقوط الإتحـاد السوفييتى وتطــورات حـرب الخليـج من خـلال
التلــيفـزيـون . وأصـبحت أخبـــار العـالــم محـل إهتمامهـــم بعد أن
كانــوا لا يسمعـون غير مسلسلات الراديو فى الغــيط ويتناقشون حول
قضــاياها .
الــحــــب الســــــــــــــهــــل
* ولأنه شاب فى الثامنـة عشرة من عـمره فـقد قـال ( محمد عبد الهادى ) : ظهور الحب كبطـل فـى بعــض
المسلسلات والأفـلام التلـيفزيونية ونقل بعض الأعمـال إلى مجتمع النـوادى والصـداقات بين الأولاد و البنـات
أدى إلى نوع من الإستسهال فى علاقـة الحب بل وفى التعامل مع المعنى على
مستوى الإنسان ونفسه وأصبـح من السهل أن أذهب وغيرى لنصرح للفتيات
بمشاعر لــــم تنضـــج بعــــد . بل ومن الأسـهل أن تقـبل الفتيات وتسـتمر
العـلاقات تحت اسـم الحب . هـذا لم يكن يحدث قـــبل أن يقــرب لـنــا
التلــــيفزيون المســافـات . ومـن الأشكال التـى إنتشرت فى القـرية بعد
إنتشار التلـيفزيـون صورة المرأة المتحكمة فى زوجها والمسيطرة
عليه وهى صـورة دعمها التليفزيون عند الزوجات اللاتى لديهن الإستعداد له
والأزواج الذين لديهم الإستعداد للخضوع.
* ويقول( محمد السيد اسماعيل ) : إنتشار التلـيفزيون غير العديد من عادات
وتقاليد القرية حيث كان التزاور سمة أصيلة من سماتنا . فأصبح لا يقل إلا
فى المناسبات لأن الناس يلتفون حول التلـيفزيون فى جميع الأوقات يخشون أن
يفوتهم جـزء من المسلسل أو الفـيلم أثناء الإنتقـال من بيت لآخـر ، وأن
كانت هـذه إحـدى سـلبيات التلــيفزيون فإيجابياته عديدة وأهمها رفـع مستوى
الثقافى لأهـالى القـرية والعمل على محو الأمية والإهتــمام بالطـفل حتى
أن نسبة الإصـابة بالأمـراض عند الأطـفال قلت بشكل ملحوظ كما قل عدد
الأطـفال فى القــرية بعد حملات تنظيم الأسـرة التى نظـمها التلـيفزيون
وأصـبح كل زوجين يكتفيان بطفـلين على الأكــــثر.
الــنداهــــــــة الأوروبــيـــــــة
* ولأن التليفزيون يزيد من تطلعات الشباب وطموحاتـهم يقـول (محسن عبد
المنعــم): نشأت وأصدقائى فى الأرض نتابع آبائنا بشغف وبرغبة فى معـرفة
أصـول الـزرع والحصـد ، وبينما كانت المعرفة بأصـول الزراعة أقصى أمانينا
أثناء فترة دراستنا الأولى إلا إننا وبعد التخرج من دبلـومات الزراعـة
والصـناعة والتـجارة كـبر بداخلنا طموح آخر للسفر لا للحصـول على المال
ولكن من أجل التـعرف على الحياة الخارجية،ولم تعـد الأرض هـى الحلم
الأوحـــد ،وقد أجمعت وأصدقائـى على أن هذا التحول الداخلى الذى إسـتوقفنا
كثيراً ســــببه العالم الجـديد الجمـيل الذى نقـلته إلينـا المسلسلات
الأجـنبية التى يذيـعها التليفزيون ويقــول (إبراهـــيم إسمــاعيل) : برغم
تخرجى هذا العام من كلية الإعـلام إلا أننى ولدت وأعيش الأن فى القرية
وأري أن التليفزيون يمثل لها نقلة حضـارية فهـو يجعل الإنسان عصـرياً
متحـضراً قـادراً على معــرفة ما يدور فى العالم من أحـداث وما وصـلت إليه
الإختـراعات الحديثة أيضاً، ولقد قضى التلـيفزيون على بعض العـادات
السيئة لأهـل القـرى وقد حثهم على التعليـم وعدم إخـراج أبنائهم من
المدارس ليساعدوهم فى العمل. وإن كان لــم يقضـى بعد على عادة الهــروب
والتسرب من المـدرسة . و أيضــاً على مقـاومة عـادة الـزواج المبكـر
للبنات والتغاضـى التام عـن سـن الزواج القانـونى، كما قامت برامجـه بدور
التنمية الأقتصـادية والزراعية كبرنامج " ســـرالأرض" الذى عرف الفلاح
بطريقة إستخدام البذورومقاومة الآفـــات وإستـــخدام الآلآت الحـديثة فـى
الزراعـة ،ولذلك نرجـو تعديل موعد إذاعـة مثل هـذه البرامـج التى غالبـاً
ما تـذاع فى وقت الظــهيرة وهـــو وقت القــيلولة بالنسبة للفـــــلاح
،ولى ملحوظة أخرى على " برامج التوعية " وهى المباشرة فى توصيل الفكـرة ..
ويتحدث الحاج ( عبد المنــعم اسماعـيل ) عن التــقدم التى أحـدثه
التليــفزيــون بالقرية من خلال متابعة الأطـفال لبرامج التليـفزيون أصبحت
لديهم قدرة فائقة على الإستيعاب والفهـم وأصبح ما كان يدركه الطفل قديماً
فى 20 عاما يدركه الأن فى 20 شهرا، وفى المقابل تظهر إحدى سلبيات
التلـيـفزيون وهى تكالب الأطفــال والشباب على المشاهدة وإبتعادهم عن
مساعدة آبائـهم فى العمل وأقترح على المسئولين فى التلــيفزيون أن يعالجوا
المشكلة التى أوجــدوها حتى يصبح أثره كله إيجــابياً . بحيث تقــوم
برامجــه بعمل الكتاتيب التى تعلمنا فيها أصـول دينـنا ودنيانا وأرى أيضاً
أن برامج التليفزيون غرست فى الأبناء حب الظهور والتقليد وأصبح الولد-
والبنت أيضا- يطالب آباه بمـا فوق طاقته عند الزواج وأخيرا يقول : ( أحمد
اسماعيل ) للتلــفزيون أثــار إيجابية عديدة على سكان القــرى فقد أكسبتنا
برامجه ومسلسلاته فى الحديث لغــة هادئة كنا نفتقدها فقد كان التعامـل
بين الشباب تعاملاً خشنا ، كما ساعد علـى تنمية القــدرات الذهـنـية
والفكــرية للأمـى والمتعلم .. وهذا ما حدث فى السنوات العشر الأخيرة فلم
أكن أنا وجيلى على وعى كاف بالمهارات التى تقدمها برامـج التليـفزيون وكنا
نتعامـل معه كوسيلة للمتعة فقط . ولى ملحوظة على المسلسلات التى تـدور
أحـداثها فى الريف مــثل مسلسل " السـبنسـة " وهــى ظهــور شخصية العمدة
المستبد الطماع الذى يريد أن يأخذ الأراضى من الفلاحين بالباطل وهو دائماً
أيضاً يريد الزواج من فتاة صغيرة ويـهدد آباها ان لم يقبل وأنا كشاب ولدت
وعشت فى الريف لم أر هذه الصــورة لا فى قريتــى ولا فى القرى المجاورة