في مصر، وعلى الرغم من الإحصاءات الرسمية التي تقدر عدد من فاتهن قطار الزواج من الشابات فوق الخامسة والثلاثين بنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون فتاة، غالبيتهن يعشن في العاصمة والمدن الرئيسية، فان هناك من يشكو من زواج البنات.
في كثير من قرى مصر بات تجهيز مستلزمات زواج الفتاة، وكذلك الهدايا التي يقدمها أهل العروس للعريس بعد الزفاف، يمثل قلقا وازعاجا كبيرين، بعدما صارت هذه التجهيزات والهدايا تتكلف الاف الجنيهات في وقت تئن فيه الأسر الريفية من وطأة الفقر والحاجة.
نموذج واقعي
في منطقة العياط، جنوب القاهرة، ومع كثرة أنواع وأغراض السلع المعمرة والأدوات المنزلية، صارت الأسرة مكلفة بتجهيز ابنتهم العروس بكل ما تحتاج وبما لا تحتاج، فقط لان ابنة فلان أو علان تجهزت بمثل هذه الأشياء.
لكن هذا قد يكون أمرا يسيرا، باعتبار أن الأم الريفية تبدأ في تجهيز مستلزمات زواج ابنتها عادة عندما تبلع البنت العاشرة وأحيانا قبل ذلك بكثير. ويشمل ذلك العشرات من الأطباق والملاعق والسكاكين وأدوات المائدة والبياضات والمفروشات والسلع المعمرة من غسالة ملابس وأطباق وتلفزيون وخلاط وثلاجة وجهاز فيديو، وحديثا، أضيف الحاسب الآلي والمكواة وملابس الأطفال المتوقعين، وأثاث غرفة أو غرفتين إذا اقتضت الضرورة.
تقول أم سامية انه في فترة الخطوبة تتولى أسرة العروس رد الهدايا التي يقدمها العريس. فمثلا إذا قدم العريس فاكهة في سلة، يتعين على أهل العروس إبقاء هذه السلة وإعادتها مملوءة بالطيور المنزلية ومنتجات الألبان والفاكهة وغيرها من الهدايا الى والدة العريس. وهكذا طوال فترة الخطوبة.
العشاء الكبير
ليلة الزفاف تقوم أم العروس بتحضير وجبة دسمة من الطيور البلدي ومنتجات اللحوم المختلفة والمحشيات، لزوم تغذية العروسين في ليلة العمر. ويتم نقل هذه المائدة على رؤوس السيدات إلى بيت العريس لتراها أمه وتتذوقها ثم تنقلها بدورها إلى شقة الزوجية.
وفي اليوم التالي يتم إرسال وجبة مشابهة تتقاسمها أسرة العريس. وفي اليوم الثالث يتم إرسال الفطير 'المشلتت' في حدود خمس صينيات كبيرة الحجم.
في الخميس الأول بعد الزفاف يتم إرسال 'أول عشاء' وجبة ضخمة جافة كهدية) ويتكون من كمية كبيرة من الأرز الجاف والدقيق والفراخ الحية واللحم والمعكرونة بالإضافة إلى مبلغ من المال.
ويتكرر ذلك كل خميس ويتحمل التكلفة احد إخوة العروس أو احد أعمامها كل مرة. ثم يأتي الدور على 'العشاء الكبير' وكان يقدم فيه حتى وقت قريب خروف مع جوال دقيق وغيره من المواد التموينية بكمية تكفي أسرة العريس كاملة لأسبوعين على الأقل.
وقد صار هناك تقليد الآن بأن يقوم والد العروس بشراء 'غويشة' (سوار) أو 'غويشتين' ذهب لابنته ويحملها إليها في أول زيارة منه لها بعد الزفاف.
وفى كل عيد، أو مناسبة، يتم تقديم هدايا مختلفة، بعضها نقدي، من جانب أسرة العروس إلى العريس وأسرته ويستمر ذلك حتى بعد إنجاب الطفل أو الطفلين الأولين.
تفاخر مكلف
تقول أم سامية انها تقلد، في ما تفعله، جيرانها على الرغم من أن ذلك يعرض أسرة العروس لضائقة مالية كبيرة ويدفع بعض الآباء للاستدانة وبيع أصول مهمة.
في ذات القرية، قام عضو بإحدى الجمعيات الخيرية بدعوة الآباء لمناقشة الأمر والتوصل إلى اتفاق ودي يسمح بتخفيف الضغوط على الأسر، فكانت النتيجة فشل ذريع لاختلاف الآباء حول من يقوم أولا بتخفيف سقف طلباته، أهل العريس أم اهل العروس.
كما إن بعض الأمهات وبخن أزواجهن على هذا الاتفاق وخالفن التوصيات لمجرد أن ابنة فلانة أو علانة توفر لها كذا وكذا.
زغاريد مرهقة
الآباء والأمهات في الريف المصري، كما في المناطق الحضرية، يعيشون صراعا مريرا من اجل زواج الأبناء مع كثرة عددهم. لكن، يبدو أن الوهن أصاب معظمهم مع ارتفاع التكاليف وتعدد المتطلبات التي ربما كان الغرض من معظمها مجرد حفظ المظهر أمام الآخرين.
والى أن تجد هذه المشكلة حلا يبقى معدل العنوسة في مصر مرشحا للتصاعد، حتى وان انطلقت زغاريد زفاف هنا أو هناك.