]color=blue]]color=blue][size=18]الأزهر والتصوف
للأستاذ الكبير الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي المدرس بكلية اللغة العربية
عندما نقول : الأزهر والتصوف نرجع إلى ماض كريم مشرق ، ونعود إلى حاضر طاهر مكافح ، ونتطلع إلى مستقبل سام رفيع بإذن الله .
ونحن عندما نقول : الأزهر والتصوف إنما نقول : الأزهر والإسلام في أرفع درجاته وأسمى منازله وأكرم روحانياته فليس بين التصوف والإسلام تباين ولا بين مدلوليها فروق فالتصوف هو روح الإسلام وهو الروحية المطمئنة التي تسمو بعلاقة الإنسان بالله وترفع بها عن أدران المادية العمياء وتغمر أضواؤها جوارحه ومشاعره وخطرات نفسه .
والتصوف هو الكمال الروحي بأجلى معانيه وهو التطهير الخلقي بأوسع مدلولاته وهو محاولة التشبه بالأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين وهو الارتفاع بالإنسان من حضيض الظلام إلى قمم النور ، وهو التوحيد الكامل والإيمان المطلق ومحاربة الشرك في كل خطرة من خطرات الإنسان والتفاتة من التفاتاته .
أرأيت الإنسان في الحياة وكيف يسير في صحراء ليست لها حدود ويتنقل على مر السنين بين الأغلال والقيود أليس هو في حاجة إلى معالم تكشف له الطريق وتوضح أمامه الهدف وتجدد في نفسه الأمل وتقوي في روحه العزم على متابعة السير وأليس هو في حاجة إلى أمداد تعينه وتقويه وتطهره وتزكيه وإلى من يحرر نفسه دائماً من أغلال الخوف وأوهام العبودية وطواغيت الحياة .
إن العقيدة هي هذا المنقذ والمطهر والمحرر وإن التصوف هو الذي يملك زمام العقيدة حتى لا تضعف ولا تهن ولا تتبدل حقائقها ولا تفتر أسبابها أمام تطور الحياة وخطوبها وأحداثها وعندما يمشي المسلم الحق في مهامه هذه الحياة ومعه هذا النور ، يجد تلك الصحراء القاحلة قد استحالت إلى جنة وارفة الظلال وإلى واحات ممدودة متصلة تخفف عن نفسه ما أصابها من لفح الهجير وشقاء العيش ووطأة الأحداث وتمد روحه بأسمى معاني القوة والسمو والعظمة في معركة الحياة .
هكذا نفهم نحن في الأزهر حقيقة التصوف وهكذا نؤمن به وننظر إليه مدافعين عنه معتقدين أنه أدى للمسلمين أجل الخدمات وأن له في حياتهم أعظم النتائج والآثار .
وهل يمكن أن ننسى أن أعلام الصوفية في العالم الإسلامي كانوا دعاة التحرر وأبطال الثورات وقادة الإصلاح وحملة مبادئ السمو النفسي والتهذيب الخلقي وهم الذين كانوا يداوون نفوس المسلمين من أمراضها على نمط أرفع مما تسير عليه اليوم المستشفيات النفسية المنتشرة في أوربا لقد كان الصوفيون خلال عصور التاريخ الإسلامي هم أطباء الأرواح ، والدواء الناجح الذي نعالج به أزمات النفس ومشكلات العاطفة وحدة انفعال المشاعر وهم فوق ذلك الذين نشروا الإسلام في نائي الأصقاع وحملوا رسالته إلى مجهول البقاع وهم الذين خدموا الفكر الإسلامي ونشروا الحقيقة المحمدية بيضاء ناصعة في كل مكان وقد كان منهم في كل عصر أعلام خلدت الأيام لهم أروع الصفحات وروى التاريخ عنهم أمجد الذكريات وظلوا بمآثرهم وآثارهم قدوة رفيعة للمسلمين طيلة متعاقب الحقب والأجيال ومواقف العز بن عبد السلام وأشباهه خالدة مأثورة .
ولم يكن زعماء التصوف الإسلامي في شتى العصور يفهمونه على أنه ادعاء الكرامة وحب إظهار الولاية ولا على أنه سبب لمجد أو ذكر أو ثراء إنما كانوا يجعلونه لله خالصاً ويؤمنون بأنه رسالة ومبادئ ودعوة رفيعة تستند إلى دعوة الإسلام ومبادئه الخالدة وكانوا يعملون على نشر الروحية الصافية وإذاعتها بين الناس وكان لعلماء الأزهر الشريف في فهم فلسفة التصوف وشرحها ونشرها في المحيط الإسلامي مقام محمود وذلك منذ أن أنشئ الأزهر في السابع من رمضان عام 361 هـ الثاني والعشرون من نوفمبر عام 972م في عهد الدولة الفاطمية حتى اليوم .
وبرعاية الأزهر أنشئت في مصر دور ومدارس ضخمة للصوفية فأقيمت خانقاه قوصون عام 736هـ وخانقاه البيبرسية التي بناها بيبرس وكانت أول دار أنشئت في مصر على هذا النمط خانقاه سعيد السعداء التي وقفها صلاح الدين الأيوبي على الصوفية ووليها شيوخ عديدون من أعلام العلماء والفقهاء الصالحين .
وكان كتاب الإحياء للإمام الغزالي من الكتب التي كانت تقرأ من قديم في الأزهر وقد شاهدت أستاذنا العلامة الداعية الصوفي المرحوم الشيخ عبد الحليم قادوم الأستاذ في كلية اللغة العربية سابقاً يقرؤه على مريديه في منزله بمنشية الصدر في ندوته الصوفية الأسبوعية التي كان يقيمها وكانت حكم ابن عطاء الله السكندري يدرسها كبار العلماء في الأزهر الشريف وشاهدنا المرحوم الإمام المجتهد العلامة المفتي الشيخ محمد بخيت المطيعي المتوفى عام 1355هـ يدرسها للجمهور بعد صلاة العصر من أيام شهر رمضان في مسجد الإمام الحسين
/*/*/*/*/*/*/*/*/[/color][/size][/color]