إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سئيات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) آل عمران/102
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب/70 -71
ثم أما بعد ......
فإن الصلاة أعظم قواعد الإسلام , وأرفع أعمال الإيمان , وأقرب وسيلة إلى الرحمن, وهي مفزع التائبين, وملجأ الخائفين, وبضاعة العاملين , وقرة أعين العابدين تجلو صدأ قلوبهم بأنوارها, وتهتك حجب نفوسهم بأسرارها, وترشدهم بمنارها إلى فَخَار مقاصدهم وأغوارها .
فهم في رياض أنسها يترددون, وفي ظلال أشجارها يتقلبون, ومن طيب نسيمها يتنسمون, وإلى مرافئها يتسنمون, وفي جميع ملاذها يتفكهون ويأكلون ويشربون .
قال الإمام الحافظ العلاَّمة ابن القيم رحمه الله تعالى :
الصلاة قد وُضعتْ على أكمل الوجوه وأحسنها التي تعبَّد بها الخالق تبارك وتعالى عباده من تضمَّنها للتعظيم له بأنواع الجوارح من نطق اللسان وعمل اليدين والرجلين والرأس وحواسه وسائر أجزاء البدن,كلٌ يأخذ لحظه من الحكمة في هذه العبادة العظيمة المقدار, مع أخذ الحواس الباطنة منها,وقيام القلب بواجب عبوديته فيها.
فهي مشتملة على الثناء والحمد والتمجيد والتسبيح والتكبير وشهادة الحق والقيام بين يدي الرب مقام العبد الذليل الخاضع المدبَّر المربوب , ثم التذلل له في هذا المقام, والتضرع, والتقرب إليه بكلامه ,ثم انحاء الظهر ذلاً له وخشوعاً , واستكانة , ثم استوائه قائماً ليستعد لخضوع أكمل له من الخضوع الأول, وهو السجود من قيام , فيضع أشرف شئ فيه وهو وجهه في التراب خشوعاً لربه , واستكانة وخضوعاً لعظمته وذلاً لعزته , قد انكسر له قلبه ,وذلَ له جسمه , وخشعت له جوارحه,ثم يستوي قاعداً يتضرع له ويتذلل بين يديه ويسأله من فضله , ثم يعود إلى حاله من الذل والحشوع والاستكانة, فلا يزال هذا دأبه حتى يقضي صلاته , فيجلس عند إرادة الانصراف منها مُثنياً على ربه , مسلماً عل نبيه, وعلى عباده, ثم يصلي على رسوله, ثم يسأل ربه من خيره وبرّه وفضله, فأي شئ بعد هذه العبادة من الحسن, وأي كمال وراء هذا الكمال, وأي عبودية أشرف من هذه العبودية . اهـ
فلما كانت هذه منزلة الصلاة وفضلها كان ولابد من آدائها على الوجه الأكمل وعلى النهج النبوي السوي .
والصلاة عماد الدين والركن الركين , وأساس هذا الدين, فكان من المتحتم المحافظة عليها .
ومن وسائل المحافظة على الصلاة : تسوية الصفوف.
هذه السنة التي أصبحت مهجورة بين المسلمين , وللأسف بين بعض الملتزمين بالسنة, إلا من رحم ربك .
ويكفي من آثار عدم تسوية الصفوف , هذا الوعيد النبوي « لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » .
ووالله لقد تحقق وعده ,فالمرء من هؤلاء يدخل الصلاة ويخرج منها لا يدري ما قرأ إمامه في الصلاة, ولا يشعر إلا والإمام يقول : السلام عليكم ورحمة الله. وما هذا إلا لأننا ضيعنا هذا الواجب, ألا وهو تسوية الصفوف.
وأنا في هذا البحث حاولت أن ألملم خيوط هذا الموضوع وأسبكه في عِقد منظوم, وأرصعه بالجواهر النبوية, والآثار السلفية, عسى أن أكون وفيت به وأن ينال حسن القبول من الرب قبل العبد, هو ولي ذلك ونعم الوكيل وعليه توكلت وإليه أُنيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .