نجم النت صاحب الموقع
الاوسمة : عدد المساهمات : 205 نقاط : 47763 السٌّمعَة : 3 تاريخ الميلاد : 15/04/1984 تاريخ التسجيل : 11/05/2011 العمر : 40
| موضوع: حوار في إرث الأسهم المحرمة الثلاثاء 24 أبريل - 6:47 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم إرث الأسـهم المحرَّمـة الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وآله وصحبه وسلم تسليماً . أما بعد : فإنَّ مسألةَ إرثِ الأسهمِ المحرَّمَةِ كأسهم البنوك من نوازل الوقت الملحِّةِ التي تستدعي بحثاً عن حقيقة هذا المال الموروث ، وجهة اكتساب المورِّث له ، وهي بذلك نازلةٌ جديدةٌ تحتاج إلى تأصيل فقهي من الباحثين ، ولأهمية هذه النازلة فقد رأت أمانةُ موقع الفقه الإسلامي جعلَ هذه الورقةَ مادةً للحوار. والحكم في هذه المسألة يختلف بحسب حال المورِّث ، ولا يخلو حالُه من حالات :الحالة الأولى : أن يكون جاهلاً بالحكم الشرعي لهذه المساهمة . الحالة الثانية : أن يكون عالماً بتحريم المساهمة ، ولكنَّه تاب من التعامل بها . الحالة الثالثة : أن يكون عالماً بالتحريم ، ثم أقدم عليه متساهلاً ولم يتب ([1]. ) ومما لاشك فيه أنَّ لكل حالةٍ لَبوسٌ مختلف عن أختها ، وتستدعي نظراً فقهياً مستقلاً، فالجاهل بحكم التحريم ليس كالعالم به المجتريء عليه ، والتائب من الذنب ليس كمن له ذنب غير تائب منه ؛ ولذا فإنَّ دراسةَ كل مسألة دراسةً مستقلةً عن الأخرى أقربُ إلى الوصول إلى جادة الصواب . وقبل الدخول في أحوال المورِّث ، نشير إلى أن َّ لهذه المسألة علاقة بمسألة المقبوض بعقد فاسد ، وقد ذهب جمهورُ الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وجماعة من الحنفية إلى أن المقبوض بعقد فاسد لا يملك ولو اتصل به القبض ، بل يجب فسخه([2]). ومن أبرز أدلتهم : حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّه قال : (جاء بلال بتمر برني ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أين هذا ؟ ) فقال بلال : تمرٌ كان عندنا رديءٌ ، فبعت منه صاعين بصاع ؛ لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوَّه عينُ الربا ، لا تفعلْ ، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به )([3]) . وفي رواية لمسلم : ( فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا ).وذهب أكثر الحنفية إلى أنَّها تُملك إذا اتصل بها القبض ، ولكنه ملكٌ خبيثٌ يجب فسخه ، لكن لو تصرف فيه ببيع أو هبة ونحوه صح([4]).فكأنهم الجميع يتفق على أنَّه لا يملك ، لكن الحنفية تقول : إذا تصرف فيه صح . وإذا كانت لا تملك فما ترتب على المقبوض بعقد فاسد من نماء يجب رده في تفصيلات بينهم([5]). واختار الشيخُ تقيُ الدين ابن تيمية أنَّ المقبوضَ بعقد فاسد غيرُ مضمون ، وأنَّه يصحُ التصرفُ فيه ؛ لأنَّ الله تعالى – لم يأمر برد المقبوض بعقد الربا بعد التوبة ، وإنما رد الربا الذي لم يقبض ، ولأنَّه قُبِضَ برضا مالكه ، فلا يُشْبه المغصوبَ ، ولأنَّ فيه من التسهيل والترغيب في التوبة ما ليس في القول بتوقيف توبته على رد التصرفات الماضية مهما كثرت وشقت ، والله أعلم )([6].) وبعد هذا العرض الموجز ، هل المقبوضُ بعقد فاسد عندما يكون المتعامل جاهلاً أو تائباً يؤثر على هذا القبض ، أم لا يؤثر ؟ هذا ما سوف يتناول في الفصل التالي. فصل في المورث . أولا : إذا كان المتعامل بالحرام ( جاهلاً بالحكم ) معتقداً إباحته ، فلا يخلو حاله من أمرين : الأمر الأول : أن لا يكون قد قبض الأموالَ المحرَّمَةَ ، ففي هذه الحالة لا يحل له أخذُها ، ولا تدخل في ملكه ، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ([7] ، سواء أكان جاهلاً ، أم عالماًً تائباً ، أما متعاملاً متساهلاً بالتحريم . )ولا تدخل هذه الأموال في التركة ، ولا تحل للورثة ؛ لأن من شروط الإرث المتفق عليها : أن يكون المال الموروث مملوكاً للوارث وهذا لم يدخل في ملكه. الأمر الثاني : أن يكون قد قبض الأموالَ المحرَّمَةَ ، فهل يملكها إذا كان جاهلاً بحرمة المعاملة ؟ في هذه المسألة خلاف بين العلماء . القول الأول : أنَّه يملكه ، وله الانتفاع به ([8].) وهذا ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية([9])، والحافظ ابن كثير في تفسيره([10]، وصدر به عددٌ من فتاوى علمائنا المتأخرين ؛ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء([11]، والعلامة الشيخ ابن باز([12]، والعلامة ابن عثيمين([13]، والشيخ ابن جبرين([14]. ))))) القول الثاني : أنَّ الجاهلَ بالحكم لا يملك ذلك المالَ بعد أن نزلت آيات تحريم الربا ، بل عليه إخراجهُ من ملكه والتخلصُ منه . هذا قول الجماهير ، ونقله القرطبي عن جميع المفسرين([15])،وإليه ذهب شيخ الإسلام في بعض فتاويه([16]). ومن أسباب الخلاف بين القولين : هو الخلاف في القاعدة الأصولية وهي : خطاب الشرع هل يلزم المكلف بمجرد وروده أم لا بد من بلوغه إلى المكلف ؟ ثانياً : أنَّ يكون عالماً بالتحريم ، ثم تاب من التعامل المحرم. إذا عقد الإنسانُ عقدًا محرمًا عالمًا بالتحريم ثم تاب ، فهل له تملك المال الحرام ؟ هذه الصورة لا تخلو من أمرين : الأمر الأول : أن لا يكون قد قبض المكاسبَ المحرمةَ ، ففي هذه الحالة يحرم عليه قبضها ؛ لقوله جل وعلا ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين )[البقرة : 278]. وهذا الحكم لا خلاف فيه ([17].) الأمر الثاني : أن يكون قد قبض هذه الفوائد المحرمة ، ففي حل تملك هذا المال للمرابي التائب خلاف بين العلماء . القول الأول : أنَّها حلال للتائب له التصرف فيها ، ولا يجب عليه إخراجها من ملكه . وهذا هو المشهور عن شيخ الإسلام ابن تيمية([18]، وإليه ذهب عدد من المعاصرين منهم الشيخ ابن سعدي([19]، والشيخ عبد الله بن منيع ([20].)))القول الثاني : أن من أربى بعد التحريم ثم تاب ، فيلزمه رد جميع ما أخذه بالربا . وإلى هذا ذهب الجمهور([21]. وهو القول الثاني للإمام ابن تيمية)([22])، وبه صدرت فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ([23] .)ثالثاً: أن يكون عالماً بالتحريم ثم أقدم عليه متساهلاً ولم يتب . لا خلاف بين العلماء أنَّ من كانت هذه حالُه أنَّه يجب عليه إخراج المال الحرام الذي دخل في ملكه ، وإذا كان جمهور العلماء يرون أنَّ التائبَ من المعاملة المحرمة([24]) يجب عليه التخلص من المال الحرام ، فإنَّ هذا من باب أولى ؛ لمفهوم قوله تعالى ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ) [ البقرة :275] وهذا لم ينته فليس له ما سلف ، حتى على قول من قال : إنَّ قبضَ المكاسب المحرمةَ يفيد خروجها من ملك صاحبها إذا كان عالمًا بالتحريم وبَذَلها راضياً فإنَّها تخرج عن ملكه ، لكن هذا الرضا من الباذل والإذن لا يكفيان في نقل الملك فلا يستفيد القابض لها الملك كملكه للمال الحلال فإنَّه لا يستوي الخبيث والطيب ؛ لذا فالواجب على كاسب الحرام أن يتصرف بالتخلص منه بالتصدق ([25]). فصل في الوارث. اختلف الفقهاء في المكاسب المحرمة التي ورثها الوارث من مال المورث هل يجب إخراجها أم أنَّ الإرثَ يُطَّيبُها ويقلبها حلالًا . القول الأول : وجوب التخلص من القدر الحرام في التركة . وهذا القول رواية في مذهب الحنفية ([26])، ومذهب المالكية ([27])، والشافعية ([28])، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ([29] . ) القول الثاني : عدم وجوب إخراج القدر المحرم . وهو قول الحسن البصري ، والزهري ، وسفيان الثوري ، ورواية في مذهب الحنفية([30])، وهو المذهب عند الحنابلة([31])، وهو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ العثيمين([32]).وبناء على ماسبق ، فإنه يمكن اعتبار هذه الأقوال في الأسهم المحرمة :الأول : وجوب إخراج الربح المحرم ، كما هو قول الجمهور ، وقد صدرت فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية (16383)15/299 في شأن الربح المحرم في الأسهم بوجوب التخلص من الربح بدفعه إلى الفقراء ، ويمكن أن يحمل عليه كلام ابن تيمية فيما إذا كان المورث عالماً بالتحريم غير تائب. الثاني : أن الوارث له قيمة الأسهم كاملة ، ويمكن أن يحمل عليه كلام شيخ الإسلام في المورث الذي اكتسب الحرام وكان جاهلاً أو عالماً تائباً .والثالث : وهو قول لبعض المعاصرين أن له نصف القيمة ، ولعله يقصد عند الجهل بمقدار الربح الناتج . والله تعالى أعلم .
([1]) لم يُذكر المتأول باجتهاد أو تقليد في هذه المسألة ؛ لأنه لا يُعلم أن أحداً من المعاصرين أجاز المساهمة في البنوك والشركات التي أصل نشاطها محرماً وإن كان حكم المتأول عموماً سيأتي له ذكر في كلام العلامة ابن تيمية رحمة الله عليه فإنه يرى أنه إذا تاب فهو أولى بالعذر من الكافر فيغفر له ما استحله ويباح له ما قبضه . ينظر : تفسير آيات أشكلت 2/ 578 ، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29 / 267 ، 443 .([2]) بداية المجتهد 2/230 ، المجموع للنووي 9/377 ، كشاف القناع 3/245 ، الجامع الصغير لمحمد بن الحسن 1/322 . ([3]) متفق عليه : أخرجه البخاري ( 2188) ، ومسلم ( 1594 ) ([4]) بدائع الصنائع 5/ 299 ، فتح القدير 6/200 ، حاشية ابن عابدين 7/233 . ([5]) بدائع الصنائع 5/302 ، مواهب الجليل 4/373، 374 ، تفسير القرطبي 3/366 . ([6]) الفتاوى السعدية ص 218 . ([7]) ينظر : أحكام القرآن للجصاص 1/ 569- 570 ، أضواء البيان 1/200 ، التوبة من المكاسب المحرمة . د. المصلح ص 37.([8]) انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 411- 412 . ([9]) تفسير آيات أشكلت 2/952، 593 . ([10]) تفسير القرآن العظيم ، للحافظ ابن كثير 1/ 453 . ([11]) فتاوى إسلامية للمسند 2/ 402 .([12]) فتاوى إسلامية للمسند 2/ 403 ، مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، إعداد وتقديم : الأستاذ الدكتور عبد الطيار ، والشيخ أحمد بن باز 5/43. ([13]) تفسير القرآن الكريم ، للشيخ ابن عثيمين 3/ 375- 376 . ([14]) فتاوى إسلامية للمسند 2/407 .([15]) الجامع لأحكام القرآن 3/230 ، أحكام القرآن للجصاص 1/569- 570، الزواجر ، لابن حجر الهيتمي 1/223 ، أحكام القرآن للكيَّا الهراسي ص234 ، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي 1/200 . ([16]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 309 .([17]) تقدمت الإشارة إلى أن غير المقبوض من المكاسب المحرمة لا يقبض ، وينظر : تفسير الكريم الرحمن ، للسعدي ص 97 ، تفسير القرآن الكريم ، للشيخ ابن عثيمين 3/388 .([18]) لشيخ الإسلام في هذه المسألة رأيان ، هذا القول هو المشهور عنه . وسيأتي رأيه الثاني ، وهو وجوب التخلص منها ضمن أصحاب القول الثاني . ينظر : تفسير آيات أشكلت 2/592- 594 ، مجموع الفتاوى 22/14-22 . ([19]) تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، للسعدي ص 97 ، الفتاوى السعدي ص218 . ([20]) بحوث في الاقتصاد الإسلامي ، للشيخ عبد الله بن منيع ص 34 – 35 . ([21]) انظر : الزواجر، لابن حجر الهيتمي 1/ 223، الجامع لأحكام القرآن 3/ 237 ، فتاوى ابن رشد 1/632 ، المعيار المعرب للونشريسي 9/551 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 308 ، 311 ، 286 . ([22]) وهذا الرأي يعد رأيًا متقدمًا والرأي الذي يقول بجواز المال الحرام للتائب رأي متأخر ؛ لأن كتاب تفسير آيات أشكلت متأخر كما أشار إلى ذلك الإمام ابن عبد الهادي . ينظر : بحث الشيخ عبد المجيد المنصور في رأي شيخ الإسلام في المال المقبوض ، منشور عبر الشبكة العنكبوتية في عدد من المواقع .([23]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية رقم الفتوى 6375 . وفتوى رقم 18057 ، وفتوى رقم 6770 ، وفتوى رقم 16576 . ([24]) باستثناء من ذكر من أصحاب القول بالجواز .([25]) ينظر : التوبة من المكاسب المحرمة ص 39 . ([26]) حاشية رد المحتار 6/433 . ([27]) المقدمات والممهدات 2/617 ، المعيار المعرب للونشريسي 6/47 ، والذخيرة للقرافي 13/ 319 ، فتاوى ابن رشد 1/642 . ([28]) المجموع شرح المهذب 9/428 ، إحياء علوم للغزالي 2/210 . ([29]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 29/307 .([30]) هذا إذا لم يعلم أرباب الأموال فهي حلال فإن علم أصحابها وجب ردها عليهم كما سيأتي في كلام الحموي . والأحناف لهم ثلاثة أقوال في المسألة : أنه حلال مطلقاً ، والثاني: أنه حرام مطلقاً ، والثالث : إن علم أصحابها حرم وإلا فهي حلال . انظر : حاشية رد المحتار لابن عابدين 5/ 104 . والأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي ص 433 ، غمز عيون البصائر للحموي 3/234 – 235 . وقد نبه ابن عابدين على أن هذا القول مرجوح بقوله : ( لا نأخذ بهذه الرواية ، وهو حرام مطلقاً على الورثة ) . المرجع السابق . ولكن من الحنفية من يرى أن التحريم منصب على حالين : الأولى : أن يعلم صاحبه ، والثانية : أن يعلم عين المال الحرام . والله تعالى أعلم .([31]) الإنصاف 8/238-239 ، الآداب الشرعية 1/441-442 .([32]) فتاوى إسلامية للمسند 2/ 378 . | |
|