سأل
سائل عن قوله سبحانه وتعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، وما العذر عنها في عدم
وصول ثواب القرآن إلى الميت؟
فأجبته:
بأن العلماء اختلفوا فيها على ثمانية أقوال:
أحدها:
أنها منسوخة بقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمانٍ} أدخل الأبناء
الجنة بصلاح الآباء، قاله ابن
#216#
عباس.
وإنما جاء نسخاً وإن كانت خبراً لجوازه إذا كان بمعنى الأمر والنهي على ما قيل.
#217#
القول
الثاني: أنها خاصة بقوم إبراهيم وقوم موسى عليهما السلام، فأما هذه الأمة فلهم ما
سعوا وما سعى لهم غيرهم، قاله عكرمة، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم للتي
سألته أن أبي مات ولم يحج قال: ((حجي عنه)).
#218#
القول
الثالث: أن المراد بالإنسان هاهنا الكافر، فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له،
قاله الربيع بن أنس.
القول
الرابع: ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، أما من باب الفضل فجائز أن يزيده
الله ما شاء، قاله الحسين بن الفضل.
القول
الخامس: أن معنى {ما سعى} ما نوى، قاله أبو بكر الوراق ودل عليه بما روي في
الحديث: ((إن الملائكة تصف كل
#219#
يوم
بعد العصر بكتبها في السماء الدنيا، فينادي الملك: الق تلك الصحيفة، فيقول: وعزتك
ما كتبت إلا ما عمل، فيقول الله عز وجل: لم يرد به وجهي، وينادي الملك الثاني:
اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول الملك: وعزتك إنه لم يعمل ذلك، فيقول الله عز وجل: إنه
نواه، إنه نواه)).
القول
السادس: إنه ليس للكافر من الخير إلا ما عمله في الدنيا فيثاب عليه فيها، حتى لا
يبقى له في الآخرة خير، ذكره الثعلبي.
القول
السابع: إن اللام في الإنسان بمعنى على، تقديره ليس على الإنسان إلا ما سعى.
القول
الثامن: أن ليس له إلا سعيه، غير أن الأسباب مختلفة فتارة فيكون سعيه في تحصيل
الشيء بنفسه، وتارة يكون سعيه في تحصيل سببه، مثل سعيه في تحصيل قراءته، وولدٍ
يترحم عليه، وصديق يستغفر، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب محبة أهل
الدين
#220#
فيكون ذلك سبباً حصل بسعيه.
حكى هذين القولين الشيخ الإمام أبو الفرج ابن الجوزي عن شيخه علي بن الزاغواني
رحمهما الله تعالى