الحمد لله
القول بأن الله جسم لا كالأجسام ، قول غير صحيح ، وذلك لعدم ثبوت وصف الله تعالى بالجسمية في الكتاب أو السنة .
والأصل الذي عليه أهل السنة والجماعة : أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه
أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يتجاوز القرآن والحديث ، لكن
إن أراد المثبت للجسمية إثبات أن الله تعالى سميع بصير متكلم مستو على عرشه
، وأنه يُرى ويشار إليه ، إلى غير ذلك من صفاته ، قيل له : هذه الصفات حق ،
وقد أخطأت في التعبير عنها أو عن بعضها بالجسمية ، ولهذا لم يعرف عن سلف
الأمة التعبير بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ولفظ الجسم
فيه إجمال ، قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل
التفريق والانفصال ، أو المركب من مادة وصورة ، أو المركب من الأجزاء
المفردة التي تسمى الجواهر الفردة ، والله تعالى منزه عن ذلك كله ، أو كان
متفرقا فاجتمع ، أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء
بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه .
وقد يراد بالجسم ما يشار إليه ، أو ما يُرى ، أو ما تقوم به الصفات ، والله
تعالى يُرى في الآخرة ، وتقوم به الصفات ، ويشير إليه الناس عند الدعاء
بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم ، فإن أراد بقوله : ليس بجسم هذا المعنى ،
قيل له : هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول
وصريح المعقول ، وأنت لم تُقم دليلا على نفيه ، وأما اللفظ فبدعة نفيا
وإثباتا ، فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها
إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفياًَ ولا إثباتاً ، وكذلك لفظ
الجوهر والمتحيز ونحو ذلك من الألفاظ التي تنازع أهل الكلام المحدَث فيها
نفيا وإثباتا " انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (1/550) .
وقد تبين بهذا أن لفظ الجسم لفظ مجمل ، يحتمل حقا وباطلا ، وهو لفظ مبتدع لم يرد في النصوص نفيا ولا إثباتا ، فلزم اجتنابه .
والقائل بأن الله جسم لا كالأجسام ينبغي نصحه ، ودعوته للوقوف عند ما وصف
الله به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولزومِ منهج
السلف .
قال السفاريني رحمه الله : "قال الإمام أحمد رضي الله عنه : لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والحديث .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب السلف أنهم يصفون
الله تعالى بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من
غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، فالمعطّل يعبد عدما ،
والممثل يعبد صنما ، والمسلم يعبد إله الأرض والسماء" انتهى من "لوامع الأنوار البهية" (1/24) .