الإجابة
أخي الكريم ميلاد، السلام عليك ورحمة
الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، في نطاق الدعوة، وشكر
الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل
الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن
يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً... آمين... ثم أما
بعد:
فإنني أستعين بالله وأقسّم الرد على سؤالك إلى أربعة محاور، وهي:
• فضل الدعوة إلى الله.
•
معلومات عن
جماعة التبليغ.
• مبادئ عامة نذكر أنفسنا بها.
• كلمة أخيرة إلى أخي ميلاد.
فضل الدعوة إلى الله:
الأدلة على فضل الدعوة إلى
الله - في صريح القرآن وصحيح السنة - أكثر من أن تحصى، وأذكر منها - على
سبيل المثال - قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ
وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: آية 104]. وقوله أيضاً:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )
[النحل: آية 125].
وأما من السنة، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً".
وروى البخاري وغيره من أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي
الله عنه لما بعثه إلى خيبر: "لأن يهدي
الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".
وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي
الله عنه قال: بايعنا رسول
الله صلى
الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أثرة
علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف
في
الله لومة لائم".
معلومات عن
جماعة التبليغ:
اسمح لي أن أعرض لبعض المعلومات الأساسية عن
جماعة الدعوة والتبليغ، حتى نكون على دراية بمن نتحدث عنهم، وعلى علم بتاريخهم
ومبادئهم، وقواعد دعوتهم، فنكون عند الحكم عليهم أقرب إلى الصواب، والله
أسأل أن يغفر لي زيادتي ونقصي، وقدحي ومدحي، وأن يجعل قولي وشرحي في ميزان
حسناتي يوم قيامتي وعرضي...آمين.
فقد تأسست
جماعة الدعوة
التبليغ في الهند، على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، وانتشرت في باكستان
وبنجلاديش، ثم انتقلت إلى العالم العربي، فصار لها أنصار في سوريا والأردن
وفلسطين ولبنان ومصر والسودان والعراق، وللجماعة جهود لا تنكر في دعوة غير
المسلمين إلى الإسلام، وخاصة في أوربا وأمريكا وأسيا وأفريقيا.
وتتخذ هذه الجماعة من الكتاب والسنة منهجاً وزاداً، وتتلخص طريقتها في تفريغ الجهد، واقتطاع الوقت، وبذل المال لنشر وتبليغ دعوة
الله إلى عباد الله، كما تقوم طريقتها في الدعوة على الترغيب والترهيب، وقد
استطاعت أن تجتذب إلى رحابها كثيرًا من العصاة والمذنبين الذين انغمسوا في
الملذات والآثام، فكانت هذه الجماعة سبباً في تحولهم إلى العبادة والذكر.
ودعاة هذه الجماعة لا يتكلمون في السياسة، ولا يخوضون في قضاياها الشائكة،
ولا ينتمون للأحزاب، بل ويبتعدون عن كل ما من شأنه أن يفرق جهود الدعوة
ويشتت شمل الأمة، مثل الخلاف في الأفكار والمذاهب الفقهية، ولديهم قاعدة في
هذا يسمونها (اللاءات الأربع) وهي:
1- لا .. للكلام في السياسة أو الدخول في الأحزاب.
2- لا .. للكلام في الخلافات الفكرية.
3- لا .. للكلام في الخلافات الفقهية.
4- لا .. للحديث في أمراض الأمة.
وتقوم هذه الدعوة على ستة مبادئ رئيسية وهي:
1- لا إله إلا
الله محمد رسول الله.
2- إقامة الصلوات.
3- العلم والذكر.
4- إكرام المسلمين.
5- الإخلاص.
6-
الخروج في
سبيل الله
مبادئ عامة نذكر أنفسنا بها:
عندما نتناول أي حركة أو
جماعة عاملة في مجال الدعوة الإسلامية بالنقد والدراسة، لا بد أن نكون منصفين، وأعتقد أنه من الإنصاف أن نتفق على القواعد الآتية:
1- أن هذه الحركات – جميعها – هي في النهاية جهود بشرية، ليست معصومة من الخطأ.
2- أن الأصل لدى المسلم أن يحترم الآخر، ويقدر جهوده، وألا يسفه آراءه.
3- أن تنطلق هذه الجماعات العاملة للإسلام من القاعدة الذهبية التي تقول:
(نتعاون فيما اتفقنا عليه - وهو كثير - ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه
– وهو قليل-).
4- أن ننظر إلى كل حركة من هذه الحركات العاملة للإسلام، والتي تنتشر في
أرجاء المعمورة، بعين الاعتدال والإنصاف، فلكل منها مزايا وعيوب، فيجب أن
نحمد مزاياها، كما ننكر عيوبها، وأن يكون ديدننا ورائدنا في الدراسة والنقد
هو الإصلاح.
5- أن هذه الحركات - في تقديري– هي أشبه ما تكون بالأنواع المختلفة من
الزهور والرياحين، فلكل منها لون خاص، ورائحة مميزة، فما أراه أنا غير
مناسب، قد يكون مناسباً في نظر الآخرين.
6- يجب أن نفرق بين مبادئ الجماعة وبين تصرفات وسلوكيات الأفراد المنتمين
للجماعة، فلابد أن نعترف أنه من الظلم أن نحاسب الجماعات على تصرفات
الأفراد.
كلمة إلى أخي ميلاد:
الحق أن استشارتك أسعدتني كثيراً، كما أسعدتني غيرتك على دينك ودعوتك، وهي غيرة محمودة، أسأل
الله أن يثيبك عليها خيراً، وجماعة الدعوة والتبليغ هي إحدى الجماعات العاملة
في ساحة الدعوة إلى الله، لها حسنات كثيرة وجهد لا ينكر، فهي توجه دعوتها
إلى شريحة كبيرة من المسلمين، تغفل عنها الكثير من الجماعات الكبرى
والحركات العاملة للإسلام، ألا وهي شريحة عوام المسلمين، ومن ليس لهم نصيب
من العلم، وقد أكملت بهذا لبنة مفقودة في بناء الدعوة الإسلامية.
فالكثير من الجماعات العاملة للإسلام لا تلقي بالاً لهذه الشريحة من
المسلمين، وبعضها تكتفي بخطبة الجمعة، أو الدروس العامة في المساجد، غير أن
المشكلة أن عددًا كبيراً من هذه الشريحة لا يحضرون هذه الدروس العامة، ولا
ينتظرون لسماع المواعظ عقب الصلوات، هذا إن ذهبوا إلى المساجد أصلاً، أو
ربما أنهم لا يصلون من حيث المبدأ.
وهنا يأتي دور هذه الجماعة، حيث يذهب دعاتها إلى الناس، في المقاهي
والنوادي والشوارع، بل ويطرقون عليهم بيوتهم، يذكرونهم بالله، وبنعمه
الكثيرة وآلائه الوفيرة، ويرغبونهم في الجنة ونعيمها، ويرهبونهم من النار
وجحيمها، في محاولة لتليين قلوبهم الجاحدة، وعيونهم الجامدة.
أما عن قولك "ويجب على المسلمين الخروج، ويتركون أعمالهم وأهلهم في العطل
ويخرجون"، فأقول لك: أنا لا أنتمي إلى هذه الجماعة ولا إلى غيرها، غير أني
شرفت بالخروج معهم مرات عدة، والتقيت عدداً من دعاتهم، بل وقابلت وناقشت
بعضاً من قادتهم، وما أُشهِدُ اللهَ عليه أنني ما سمعت منهم يوماً دعوة إلى
ترك العمل، بل إن دعوتهم تقوم على قاعدة (تفريغ الوقت الحلال واقتطاع
المال الحلال)، فالعامل منهم يقوم باستثمار أيام الإجازات والعطلات
الرسمية، وكذا أيام الإجازات الاعتيادية، التي يستفيد منها الكثيرون في
الذهاب إلى المصايف، يستثمرونها في
الخروج لتبليغ الدعوة، أما غير العامل من دعاتهم؛ فإنه يرتب أموره، ويفرغ وقته لدعوته.
ولا يعني كلامي هذا أن كل دعاتهم والمنتسبين إليهم والمحبين لهم، يسيرون
على الطريق الصحيح 100 %، فكما قلت آنفاً إنهم بشر يخطئون ويصيبون، بل ربما
كان بعضهم صورة سيئة لجماعته، ومثل هذا النموذج موجود في كل الجماعات
العاملة للإسلام، بل وفي أقدمها وجوداً وأكثرها عدداً، وأرقاها تعليماً،
حتى صار هذا البعض عبئاً على الدعوة تحمله ولا يحملها!.
أما عن قولك: "كما أنهم ينذرون
الخروج لقضاء الحاجات"، فأنا لم أسمع ذلك منهم ولا أعرف ذلك عنهم، غير أني أقول لك: إذا كان الهدف من
الخروج في
سبيل ممارسة الدعوة إلى الله، وإذا كانت الدعوة إلى
الله من أفضل الأعمال والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فما المانع وما
الحرج من أن يسأل العبدُ رَبَه تفريج كروبه بصالح الأعمال التي تقرب بها
إلى ربه؟!، لا أعتقد أن أحداً يقول بحرمة ذلك، فالدعوة إلى الله، وتعريف
الناس بربهم من أشرف العلوم وأفضل الأعمال.
أما قولك إنهم: "لا يعترفون بالعلوم، ولا حتى العلوم الشرعية"، فهذه تهمة كبيرة أتمنى أن تستغفر
الله منها، إذ كيف نقول عن مسلم يدعو إلى
الله إنه لا يعترف بالعلوم الشرعية، وهل يعقل أن تقوم
جماعة تدعو إلى الإسلام على فكرة نبذ ورفض وإنكار العلوم الشرعية، أتدري ما هو
المقصود بالعلوم الشرعية؟!، إنها مجموعة العلوم المنبثقة عن القرآن والسنة،
شرحاً وتفصيلاً.
وأما قولك إنهم: "لا يعترفون بالمشايخ إلا شيوخهم"، فربما كان هذا سلوك بعض
عوام المنتسبين إلى هذه الجماعة، ممن لا يعرفون القراءة والكتابة، وهؤلاء
تعودوا على التلقي، أما غالب علماء ومتعلمي ومثقفي هذه الجماعة فإنهم
يحترمون ويحبون علماء الأمة، ويأخذون العلم عنهم، إلا إذا كنت تقصد - أخي
الكريم - بكلمة "الشيوخ" شباب الدعاة في بعض الجماعات العاملة على الساحة-
ممن لا علم عندهم، ويتصدون للفتوى في مسائل لو عرضت على كبار الصحابة لجمع
لها أهل بدر ليشاورهم فيها، وهؤلاء – أخي - آفة من آفات الدعوة التي تنفر
الناس منها.
أما قولك إنهم: "يقولون أركان الإسلام خمسة، وقاعدتها الخروج"، فلا أعتقد
أن الجزء الأول من العبارة "يقولون أركان الإسلام خمسة" يختلف عليه مسلم،
وبالتأكيد أنك لا تقصده، أما كلمة "وقاعدتها الخروج" فلم أسمعه من أي عالم
من علمائهم، أو أي داعية من دعاتهم.
وأنصحك - أخي الحبيب - أن ترجع إلى كتبهم، أو كتب المنصفين ممن كتبوا عنهم، ومن ذلك:
1- حياة الصحابة، الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، دار القلم، دمشق، ط 2، 1403هـ - 1983م.
2- الموسوعة الحركية، فتحي يكن، دار البشير، عمان، الأردن، ط 1، 1403هـ-1983م.
3-
جماعة التبليغ .. عقيدتها وأفكارها مشايخها، ميان محمد أسلم الباكستاني، وهو بحث مقدم
لكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، للعام الدراسي
1396-1397هـ.
4- الطريق إلى
جماعة المسلمين، حسين بن محسن بن علي بن جابر، دار الدعوة، الكويت، ط 1، 1405هـ-1984م.
5- مشكلات الدعوة والداعية، فتحي يكن، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 3، 1394هـ- 1974م.
6- الدعوة الإسلامية .. فريضة شرعية وضرورة بشرية، الدكتور صادق أمين، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، الأردن، 1978م.
والحق أننا اليوم، واليوم بالذات، أحوج ما نكون إلى العمل والعلم، من أجل
إعمار الأرض ونصرة المسلمين، وأن من واجب أهل الذكر من علماء المسلمين أن
يرشدوا القائمين على هذه الحركة وأن يبصرونهم بالأمر، فهذا واجب شرعي
ومندوب دعوي.
وختاما،
نسأل
الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته،
وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار،
وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن، إنه
سبحانه خير مأمول.
وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مما راق لي فنقلته